شن العرب حربين بتروليتين, الأولي خلال حرب أكتوبر1973, والثانية بدأت منذ الخريف الماضي, وتجري رحاها الآن, وتختلف الحربان تماما في الأهداف والنتائج, وتعكسان حجم التبدل في حالة العرب وتوجهاتهم. فالأولي قفزت بسعر البترول أكثر من3 أضعاف, والثانية هوت به الي النصف, والأولي كانت ضد أمريكا وحلفاء اسرائيل, والثانية تدعم أمريكا ضد أهم خصمين لها وهما روسياوايران, الي جانب فنزويلا المتمردة علي السياسة الأمريكية في أمريكاالجنوبية. كانت حرب النفط الأولي قد اندلعت في15 أكتوبر1973, عندما بدأ التحول في مسار المعارك لصالح اسرائيل, بعد اتساع ثغرة الدفرسوارغرب قناة السويس, لتمتد من الاسماعيلية حتي جنوبالسويس, بفضل الدعم الأمريكي العسكري, من خلال عملية العشب النيكلي لتوفير الأسلحة والإمدادات إلي إسرائيل, عبر النقل الجوي الاستراتيجي. التف العرب حول مصر وسوريا أثناء القتال, وقرروا حظر بيع البترول للدول الداعمة لاسرائيل, الي جانب خفض الانتاج بنسبة25%, وبالفعل كان لسلاح البترول أثرا كبيرا في وقف اختراق اسرائيل لقرار وقف اطلاق النار. وكان من أهم نتائج قرار حظر البترول ارتفاع سعره من أقل من3 دولارات للبرميل الي12 دولارا, لتكون الايذان بظهور الحقبة النفطية. أما حرب النفط الثانية التي بدأت الخريف الماضي, وأهدافها عكسية تماما, فهي لا تخفض انتاج البترول, ولا تحظر تصديره لأمريكا وداعمي اسرائيل, بل تغرق سوق النفط بفوائض كبيرة, خفضت سعره الي النصف, لإلحاق الخسائر بأعداء أمريكا, خاصة روسياوايرانوفنزويلا, وهدفها منع تأييدهم للنظام السوري, وتسهيل اسقاطه, بعد مؤشرات الفشل العسكري في اسقاط سوريا, من خلال التنظيمات الارهابية. تبلغ خسائر السعودية المباشرة40 مليار دولار ترتفع الي130 مليار دولار باحتساب خسائر البورصة, والقطاعات الاقتصادية المرتبطة بالبترول, واضطرت الي سحب أموال من الاحتياطي النقدي, لتغطي عجز الموازنة العامة, لكنها مع ذلك ماضية في اغراق سوق النفط, لالحاق الخسائر بخصومها وخصوم أمريكا. روسيا أعلنت عن غضبها من فشل منظمة الدول المصدرة للبترول بخفض الانتاج للحفاظ علي الأسعار, بعد الاصرار السعودي علي ابقاء سقف الانتاج عند حدوده الحالية, وأكد الرئيس الروسي بوتين أن حرب النفط لن تغير توجهات روسيا, وأنها قادرة علي مواجهتها, معتمدا علي تنوع الصادرات الروسية, واتخذت روسيا حزمة من الاجراءات الاقتصادية لحماية سعر الروبل, والحد من مخاطر تراجع عوائدها النفطية. ايران قالت انها اعتادت الحصار, وخفض صادراتها النفطية, وأن تنوع عوائدها, والاكتفاء الذاتي من معظم السلع الاستراتيجية سيقلل من حجم تأثرها بانخفاض عوائد النفط, لكنها لم تخف غيظها من الموقف السعودي, واعتبرته حربا ضدها. هناك دول أخري ستدفع ثمن حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل, ومنها الجزائر والعراق ونيجيريا وعدد من الدول العربية والأفريقية الأخري, بينما ستجني الصين أهم ثمار هذه الحرب, لأنها من أكبر مستوردي البترول, وسيرتفع نموها الاقتصادي ليهدد امريكا. كما ستؤدي حرب البترول الثانية الي زيادة حدة المواجهة, وقد تنقلب الحرب الاقتصادية الي معارك عسكرية, اذا ما هددت استقرار الدول المتضررة, ومن المرجح أن يتحول الغضب المكتوم لكل من روسياوايران الي اجراءات انتقامية, تزيد من لهيب الأزمات الدولية والاقليمية الساخنة, والتي تمتد من أوكرانيا الي سوريا والعراق, وحتي ليبيا واليمن. لكن من المؤكد أن حرب النفط الثانية ستكون مؤثرة علي مسار المفاوضات التي تجري حاليا حول مستقبل كل من سوريا والعراق وأوكرانيا, وأنها غطت بعض الفشل الذي لحق بالمخطط الأمريكي في المنطقة, ومنحها فرصة جديدة لتحقيق بعض أهدافها.