الجميع كان لدية استعداد للشهادة وأتمنى أن أرى شباب اليوم وهو لديه استعداد للتضحية من أجل التنمية والبناء والاستقرار، وأن ما حققه الجيش خلال الثلاث سنوات الماضية يعد نموذجا يحتذى وإستعادة لروح أكتوبر المجيد لأنه احبط الربيع العربى وانقذ مصر من الضياع، والفضل كله لشعب مصر العظيم الذى خرج منه الجيش بتقاليده الراسخة ووطنيته المتفردة بهذه الكلمات بدأ اللواء محمد زكى الألفى أحد ابطال ملحمة النصر العظيم حديثه مع الأهرام المسائى فى الذكرى الحادية والأربعين لنصر أكتوبر المجيد، فهو من أول من عبر إلى الضفة الشرقية للقناة مع الموجة الأولى للعبور، وشارك فى العديد من الملاحم البطولية وكان شاهدا على النصر، الأهرام المسائى التقاه ليستعيد الذكريات التى تؤرخ للنصر ويروى ما حدث فى المزرعة الصينية، وكيف تمت الثغرة، وكيف استطاعت القوات المصرية تطويقها ليكون المثل والقدوة لشباب مصر، فى ظل المتغيرات التى تشهدها مصر حاليا. فى البداية يقول اللواء أركان حرب محمد زكى الألفى يوم 6 أكتوبر كنت ملازما أول فى ذلك الوقت، وكنت قائد فصيلة مدافع مضادة للدبابات عديمة الإرتداد، وكنت قائد ثانى سرية مشاة وهى السرية الثالثة فى الكتيبة 18 مشاه من اللواء 16 وفى أثناء عملية العبور إستشهد قائد السرية، النقيب الشهيد محيى الدين أحمد رجب، حيث كنا فى أول موجة عبور، وكانت موجودة فى الدفرسوار، والتى شهدت معارك شرسة وقوية مع العدو، نظرا للاهمية الشديدة لهذا المكان، فهى نقطة التقاء من المجرى الملاحى لقناة السويس مع البحيرات المرة الكبرى وكان العدو نظرا لأهمية المكان قد أنشأ 2 نقطة حصينة، بجوار بعض بفاصل لا يتجاوز 500 متر، ونقطة حصينة ثالثة جنوبهما بحوالى 5 كيلو مترات تسمى "تل سلام"، وهذه تقع على البحيرات، منطقة الدفرسوار كان جنوبها مباشرة مطار الدفرسوار، وهو غير مستعمل ولكن بتجهيزات بسيطة كان من الممكن أن يعمل،ويسهم فى العمليات. ويواصل اللواء محمد زكى قائلا للأهرام المسائى فى الوقت نفسه من خلال هذه المنطقة إذا استطاع العدو العبور إليها، أو الاقتحام منها يسهل الاتجاه إلى مدن قناة السويس والتى لها صدى إعلامى ضخم وكبير مثل مدينة الإسماعيلية ومدينة السويس فى نفس التوقيت يسهل الانطلاق لمدينة القاهرة العاصمة السياسية والتى تبعد بمسافة 100 كيلومتر، من هنا جاءت أهمية هذا المكان، وهذه الأهمية انعكست على الموجودين فى المكان وأهميته، وهو ما جعل هذا الموقع يزوره العديد من القاده منهم الرئيس البطل الشهيد محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، وزير الحربية فى هذا التوقيت الفريق أول محمد أحمد صادق، كما زاره وهو رئيس أركان، وجميع القادة على جميع المستويات كانوا يقومون بعمل لقاءات مع الجنود ويلتقون بهم ويسلمون عليهم واحدا واحدا، ثم يصعدون لاستطلاع الموقف والمكان ليتعرفوا على الموقف والأهمية للمكان، لأن القائد عموما، يجب أن يدرس ويقوم بالتعرف على الارض، ولذلك اليهود أعطوها هذه الأهمية، وبالتالى كانت القوات المسلحة المصرية نظرا لأهمية المكان كانت هناك فرقة مدرعة فى الغرب للتعامل مع هذه النقطة، ولمنع وصول أى قوات إسرائيلية إلى الغرب، ولأن الجانب الأمريكى كان يقوم بطلعات استطلاع لمصلحة الجانب الإسرائيلى لكشف تحركات القوات المصرية على الأرض، وبعد عبور هذه الفرقة المدرعة تنفيذا للقرار السياسى المسمى بتطوير الهجوم، لتخفيف الضغط على الجبهة الشمالية "سوريا" أصبحت هذه المنطقة مكشوفة للعدو، وبتكثيف نيرانه وعملياته القتالية عليها يستطيع اختراقها والوصول إلى الضفة الغربية فأصبحت بمثابة قشرة ضعيفة فى حال إختراقها، يمكن تحقيق نجاح على الارض، وهو ما شجع الجانب الأخر على حشد أكثر من ألف دبابة فى هذا المكان الضيق لكى يخترق هذه المنطقة ويصبح خلف مؤخرات الجيوش الميدانية الموجودة فى الشرق، وللأسف كان هذا العمل تليفزيونىا أكثر منه عملًا عسكريا لأن مصر كان لديها قوات فى الشرق تفوق عدد القوات الإسرائيلية فى الغرب، وكنا سوف ننفذ خطة "شامل" والتى عدلت بعد ذلك باسم "شامل المعدله" وكان الهدف منها طرد العدو الإسرائيلى من الغرب ومن لم يخرج يقع أسيرا، والتى تدخل فيها هنرى كسينجر وقال للسادات: لن نسمح بهزيمة السلاح الأمريكى وحدثت المفاوضات الكيلو 101، وهكذا تم إنهاء الأزمة وهذا كان بإختصار شديد عرض لأهمية هذا المكان. ويستكمل الألفى حديثه قائلا أما بالنسبة للمعركة التى شاركت فيها الكتيبة التى كنت أحد ضباطها، وجميع قادة هذه الكتيبة اصيبوا بالكامل ومن لم يصب استشهد، وكان فى ذلك الوقت قائد الفرقة هو الفريق عبدرب النبى حافظ، والذى أصيب وأخلى والذى اصبح بعد ذلك رئيس أركان حرب القوات المسلحة، قائد اللواء الثالث هو العميد الشهيد شفيق مترى سيدراك، قائد اللواء 12عادل يسرى والذى أصيب و بترت ساقه، وهو صاحب كتاب الساق المعلقة، ولم يبق من قادة الفرقة سوى اللواء عبد الحميد عبد السميع قائد اللواء 16، ونأتى إلى اللواء الذى كنا فيه والذى كان على الجانب الأيسر منه المشير حسين طنطاوى قائد الكتيبة 16، ونحن على الجانب الأيمن الكتيبة 18 مشاه بقيادة المقدم أحمد إسماعيل عطية وكان معه نخبة من قادة السرايا المقاتلين الأشداء ذوى البأس الشديد والخبرة العظيمة، المقدم أحمد إسماعيل كان اختياره موفقا فى اختيار النقاط الدفاعية للكتيبة، حيث استند بالدفاعات الخاصة بالكتيبة على ترعة جافة فى منطقة كان يطلق عليها الإسرائيليون المزرعة الصينية ،أما نحن فكنا نطلق عليها قرية "الجلاء"، فكان اختيار القائد للأرض موفقا جدا، حيث كانت هذه الترعة تجهز ضمن خطة زراعة هذه المنطقة قبل 1967. وقال بعد ذلك بدا دور المقاتل الذى يحمى هذا المانع ، وهنا يجب ذكر الدبابات المتعاونة مع المشاه وهى لها أسلوب وتكتيك خاص، وهنا اذكر موقفا لأحد سرايا الدبابات، حيث نجحت الدبابات المصرية فى العبور مساء يوم 6 أكتوبر، حيث وصل إلى موقعنا وقام بالتقدم أمام قوات المشاة وقام بالحفر لعمل مرابض للدبابات وتم عملية الإخفاء والتمويه لها، حتى أصبح من الصعب كشف الدبابات المصرية. فى ذلك الوقت قامت القوات الإسرائيلية فى صباح اليوم السابع بإرسال 3 دبابات تحركت جميعها فى خط مستقيم لاستكشاف الموقع، وهنا ظهرت عبقرية هذا القائد، حيث ترك الدبابات الإسرائيلية الثلاث تسير على طريق الشاطئ وهو الطريق الموازى للقناه من القنطرة إلى السويس فقام القائد المصرى بإطلاق قذيفة على الدبابة الإسرائيلية الثالثة فى مؤخرة المجموعة حتى يقطع عليهم العودة فأصابها إصابة مباشرة، ثم وجه نيران مدفعيته على الدبابة الاولى وأصابها أيضا وكانت هذه أول دبابتين إسرائيليتين أصيبتا صباح يوم 7 أكتوبر وكان لهما أثر معنوى قوى جدا جدا، بالإضافة إلى إسقاط الطائرات التى كانت تهاجم الدفاعات الخاصة بالقوات المصرية، بواسطة كتائب "الميم ط" وفصائل الضبع الأسود بقيادة المرحوم النقيب ممدوح فتحى، بالإضافة إلى حائط الصواريخ، وهذه كانت نماذج بسيطة لمعارك كان لها تأثير قوى جدا على نفوسنا ونفوس المقاتلين على الجبهة، وكقادة منحتنا ثقة كبيرة جدا، ففى صباح يوم 7 اكتوبر وجدنا دبابات تدمر وطائرات تتساقط، وواصلنا تقدمنا حتى يوم 14 اكتوبر ليلا وطورنا رأس الكوبرى، إلا أن القتال فى هذا الوقت أخذ شكلًا آخر تماما، فقد كثف العدو نيران مدفعيته على الفاصل بين الجيشين الثانى والثالث الميدانى وحشد أرتالا ضخمة من الدبابات والمجنزرات فى الوادى بمنطقة تل سلام، وفى ليلة 14 حاول العدو ان يخترق هذه المنطقة ليصل إلى الضفة الغربية للقناة ويحاصر مؤخرة الجيشين، وذلك من خلال 3 محاور، اثنين منهما تعاملنا معهما. ويضيف اللواء محمد الألفى بعد ذلك استطاعت القوات المصرية حصار الثغرة وكانت قادرة على الانتهاء منها لولا تدخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. ويواصل اللواء محمد زكى الألفى حديث الذكريات وقد أغرقت عيناه بالدموع قائلا: هناك اللواء أحمد كحيل رحمه الله أو الرائد أحمد كحيل فى ذلك الوقت والذى أصيب فى أذنه، جاء إلى فى يوم يطلب منى الذهاب معه إلى القائد نوارين الباسل لزيارته، ولم تكن الزيارة الهدف منها الترفيه ولكن كانت فيها دروس نتعلم فيها من القادة ، فقد كانوا المثل والقدوة، فوجدناه يجلس فى سيارة مدمرة ويتخذ منها استراحة له حتى لا تتعرض لقصف العدو فوجدنا الرائد "نوارين" وضع خطابًا تحت لوح زجاجى داخل السيارة، وكان خطاب من والده اللواء سيد جاد الذى قال له "لا تطلب اجازة إلا بعد النصر أو إذا أرغمت على نزول الاجازة" وبالفعل لم ينزل اجازة الا عندما أرغم على النزول فى إجازة.