دون جريمة ومن غير ذنب يعيش ما يزيد علي40 ألف نسمة علي حافة المعاناة.. باختصار شديد حياة تحت ظلال ورماد وسموم الموت والدخان الاسود المتصاعد من ضيف ثقيل هو المقلب الرئيسي للقمامة الواقع علي أرض الجزيرة. هؤلاء الذين يحاصرهم الدخان الأسود يعيشون تحت حصار الكثير من الأمراض التي تتطاير عدواها ومسبباتها مع بقايا الدخان الذي يخترق جدار الحزن المحيط بكل أسرة تاركا لهم جبالا جديدة من المعاناة كالفشل الكلوي وحساسية الصدر والالتهاب الكبدي والسرطان.. وما تبقي من دخان دخل علي الزراعات فجعلها في حالة من الضعف وقلة الانتاج ليختلط ما تبقي بالمياه التي تدمر الاسماك ووسط كل ذلك باءت كل المحاولات بالفشل.. إذ تتزايد الشكاوي والمعاناة وترتفع صيحات التحرك الرسمية وغير الرسمية إلا أن الموت الاسود يظل محلك سر والضحايا يتساقطون ويتزايدون. منذ أكثر من20 عاما اعتاد تامر عبد العظيم اخصائي رياضي وأحد سكان عزبة شاهين بميت غمر الاستيقاظ كل صباح علي رائحة الدخان المنبعث من محرقة مقلب القمامة المجاور لمنزله وكان يراه المقلب الوحيد لمدينة ميت غمر وأن حجمه يتزايد يوما بعد الآخر حتي اصبح مثل ارتفاع الجبل الأمر الذي أدي إلي إصابة القرية بأكملها بالحياة تحت تأثير السموم ويقول تامر: إنه قام بمخاطبة المسئولين ولم يتحرك أحد حتي الآن كما أن هذا المقلب أدي إلي إصابة العديد من أهالي اقرية بأمراض الفشل الكلوي والالتهاب الكبدي الوبائي وأمراض الصدر والحساسية والربو علاوة علي بوار أكثر من15 فدان أرض زراعية موافقة الوزير ويضيف أن الدكتورماجد جورج وزير البيئة علي الرغم من زيارته لشركة المعادن بعزبة شاهين القريبة من المقلب إلا أنه لم يتكرم يوما واحدا ويفكر في زيارته ويتساءل: هل هذا إقرار من الوزير بالموافقة علي هذه السموم لأهالي القرية؟ وتشكو الحاجة حبيبة علي العفيفي إحدي سكان كفر النعيم من كثرة الأدخنة والسموم المنبعثة من المقلب موضحة أن والدتها أصيبت بأمراض صدرية نتيجة تعرضها لهذه الأدخنة وقرب منزلها من المقلب. أما نعمة أحمد السيد من عزبة شاهين فقالت إنه إلي جانب وجود المقلب الضخم الذي يبث سمومه اليومية توجد10 مصانع للألومنيوم والصاج والمفصلات تعمل كلها علي وتيرة واحدة دون انقطاع في عمق الكتلة السكانية مطالبة بضرورة تدخل المسئولين للحد من هذه الكارثة البيئية التي أدت إلي موت الكثير من الأهالي. ويطالب أبو أحمد من كفر النعيم بضرورة نقل هذا المقلب وباقي مصانع أرض الجزيرة خاصة بعد تأكيد المسئولين أن السبب وراء بوار الأراضي الزراعية هو الدخان والسموم المتصاعدة والتي تنتشر علي الكثير من الزراعات. ويقول محمد عوض أحد سكان أرض الجزيرة: إن الحكومة تقوم بفرض غرامة5000 جنيه علي حرق الفلاحين لقش الأرز لكنها لم تحاسب المسئولين علي وجود المقلب وسط المنطقة السكانية خاصة وأن هناك العديد من مصانع الألومنيوم والصاج التي تقوم بإذابة هذه المواد أثناء الليل وأن ذلك أدي إلي ازدياد نسبة السموم التي تؤثر بالسلب علي صحة المواطنين وعلي عدم إنتاجية الأراضي الزراعية. كميات كبيرة علي جانب من ارض الجزيرة كان عبد الكريم عبدالله يؤكد أنه علي الرغم من وجود شركتين تقومان بتصنيع السماد العضوي وانهما تعاقدتا أخيرا مع مجلس مدينة ميت غمر علي العمل في المقلب المقام بقرية عزبة شاهين إلا أن نسبة القمامة الواردة إلي المقلب تفوق طاقة الشركتين بما يوحي بأن العمل لن ينتهي أبدا لورود أكثر من20 طنا يوميا إلي المقلب حيث يتم حرقها دون النظر إلي الآثار المترتبة علي هذا الضرر سواء الإنسان أو الحيوان أو النبات أو الماء. في عزبة شاهين وجدت فاطمة عبد المولي تتعجب من أن العديد من النفايات الخطرة يتم إلقاؤها داخل المقلب وحرقها بصورة عاجلة نظرا لعدم وجود محرقة طبية صحية تستوعب النفايات الخطرة بميت غمر وأخذت توضح أن المقلب يشغل أجمل بقعة في المدينة علي ضفاف فرع دمياط ورغم الوعود بنقله إلي مكان آخر ليصبح أكثر أمانا ويكون مطابقا للمواصفات إلا أنها تبدو وعودا وهمية. وقال رجب مسعد مزارع هذا المقلب يؤثر سلبا علي المحاصيل الزراعية فلم تعد الأرض تأتي بثمارها كالسابق وأصبحت سيقان الارز هزيلة وسنابلها خاوية وكذلك القمح وباقي المحاصيل الزراعية الأخري ويضيف أن الطين زاد بلة بما قامت به إحدي الشركتين المصنعة للسماد العضوي واستعانتها أثناء عملية التصنيع بعدم خلط مواد ورش الأماكن التي تقوم بتدويرها بالمياه قبل عملية التصنيع الأمر الذي أدي إلي تناثر كميات كبيرة من العوادم المختلفة علي أكثر من30 فدانا من أرض زراعية مجاورة وأفقدتها قدرتها علي الزراعة بل وأصابتها بالبوار. وقال عبد الحميد عبد الهادي موظف بوزارة الري هذا المقلب له تأثير سلبي علي مياه النيل وارجع ذلك إلي أن القرية تقع بين رياح التوفيق وفرع دمياط إضافة إلي ري جميع المحاصيل الزراعية من مياه النيل التي أصبحت ملوثة وهوما أدي إلي ضياع المحصول في نهاية الموسم الزراعي موضحا أنه يوجد العديد من ورش الصاج التي تقوم بعملية الحرق المستمر في الساعة الثانية ظهرا وتنتهي في السادسة صباحا مع تضاعف انبعاث الأدخنة والسموم. أمراض قاتلة ويقول مسعد علي محمد أحد سكان أرض الجزيرة إنه أنفق كل ما يملك من أموال في زراعة فدان الطماطم لكن الأدخنة المتصاعدة الناتجة من المقلب ادت إلي بوار المحصول وإصابته بالسموم واكد أن والدته أصيبت بفشل كلوي نتيجة تعرضها لسموم المقلب يوميا. يؤيده في الرأي الحاج عبد السلام أحمد مزارع قائلا: إن هذا المقلب أدي إلي تلوث زراعات البرسيم والأرز وكذلك أشجار الجوافة والطماطم كما أننا تقدمنا بالعديد من الشكاوي ولكن لا حياة لمن تنادي. ويشير عبد القادر محمد السيد إلي هجرة الكثير من الصيادين إلي قري أخري نتيجة انعدام الصيد بالمنطقة وارجع ذلك إلي تلوث المياه بسبب سموم المقلب الأمر الذي أدي إلي إهدار الثروة السمكية وموت الأسماك وظهورها علي سطح الماء وعليها طبقة من الأدخنة الملوثة. تسمم الأسماك يؤكده أيضا حسن عبد المنعم أحد صيادي القرية حيث يقول: إن الناتج العام أثناء الصيد لم يعد مثل الأول بل أحيانا ما يجد العديد من الأسماك داخل الشباك ميتة بل وأصبحت هزيلة جدا. وتقول فتحية عبد العاطي من أرض الجزيرة: إن لديها ثلاثة أطفال أصيبوا بحساسية الصدر نتيجة قرب سكنهم من المحرقة ومرورهم كل صباح علي المقلب أثناء ذهابهم إلي المدرسة وطالبت المسئولين بضرورة التدخل السريع لإنقاذ حياة الاطفال من الكوارث البيئية التي تحاط بالقرية من كل جانب. أما فتحي عبدالله من سكان عزبة شاهين فيؤكد أن القرية محاطة بأكبر مذبحة بيئية وقال إنها تؤثر علي أكثر من250 ألف نسمة موضحا أن أكثر من ربع مليون مواطن يستنشقون تلك الأدخنة كل صباح بخلاف القري المجاورة التي لا يتعدي سكانها أكثر من20 الف نسمة. ويؤكد أحمد محمد سلامة أحد سكان أرض الجزيرة: أن المقلب أصبح مرتعا للبلطجية والعاطلين الذين يقفون علي الطريق من أجل سرقة المارة بعد منتصف الليل بالقوة مؤكدا تلقي إدارة الشئون القانونية بمجلس مدينة ميت غمر شكاوي من الأهالي بمطالبة رئيس مجلس المدينة بضرورة. التدخل السريع لوقف عمليات الاحتراق المستمرة داخل المقلب وبعض ورش الصاج لما يسببه ذلك من أضرار جسيمة علي الصحة العامة. ويؤكد الدكتور حمادة عبد العزيز إصابة أطفال القرية بأخطر الأمراض مثل التيفود والبلهارسيا والدوسنتاريا والالتهاب الكبدي الوبائي وكذلك الأمراض الصدرية موضحا أن مستشفيات ميت غمر تشهد استقبال كل هذه الحالات بصفة يومية. تحذير زراعي ويحذر المهندس أحمد محمد أحمد بقسم القوارض بالإدارة الزراعية بميت غمر من الخطر القادم الذي سوف يداهم مدينة ميت غمر والقري التابعة لها من انتشار الفئران بصفة دائمة داخل وخارج المنازل والأراضي الزراعية القريبة من المقلب وذلك لما يحتويه من مخلفات وبقايا الأطعمة وغيرها وتكاثر هذه القوارض نتيجة لتوفير البيئة المناسبة لها مما يصعب القضاء عليها. ويقول الدكتور أحمد حامد عبد العزيز أخصائي الأمراض الصدرية بمستشفي ميت غمر العام وبشلا: إن حالات الربو الشعبي في تزايد مستمر خاصة بعد إنشاء مصنع تدوير القمامة بالقرية وكذلك ازدياد حالات الإصابة بالنزلات الشعبية الربوية خصوصا عند الأطفال بدرجة كبيرة موضحا أنه تم تسجيل حالات اختناق كبيرة متكررة في المكان المجاور للمصنع الي جانب أنه تمت إضافة جهاز تنفسي بمستشفي بشلا وذلك لكثرة حالات الاختناق المباشر إضافة الي أن المقلب لا يعمل بالقدرة الكافية وأنه غير مطابق للمواصفات كما أن الخطر الحقيقي يكمن في اشتعال هذه المخلفات والنفايات اشتعالا ذاتيا في فصل الصيف مما يؤثر بالسلب علي صحة المواطنين. صدور تتألم ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الصدرية يؤكده الدكتور حسن شحاته طبيب الأطفال حيث يقول: إن40% من الأطفال الذين يأتون من أرض الجزيرة يعانون من نزلات شعبية ومصابون بالسخونة والقيء والسعال ويرجع الدكتور شحاته تلك الحالات الي طبيعة المنطقة الصناعية التي تضم عددا من المصانع ودخان مقلب القمامة ومحرقة النفايات الطبية موضحا أن التعرض لكليهما يؤدي للإصابة بنزلات شعبية متكررة وربو شعبي وأزمات صدرية وهو ما قد يؤدي الي نزلات معوية أو جفاف. ويضيف أن بعض حالات الأطفال تأتي وهي تعاني من غيبوبة ونهجان نتيجة التعرض للدخان وعوادم الحرق المكونة من أول أكسيد الكربون ويوضح أن تلك الحالات تكون متدهورة وتحتاج الي علاج طبي مكثف أو تحويل طبي الي أحد المستشفيات لإجراء جلسات تنفس صناعي. ويؤكد الدكتور شحاته أن تكرار التعرض للدخان قد يسبب سرطان الصدر أو التهابا رئويا وفي النهاية يؤدي الي هبوط عضلات القلب الذي يصاحبه تورم الأطراف. ويطالب بنقل المقلب ومحرقة النفايات الطبية الي مكان غير آهل بالسكان من خلال التعاون بين الوزارات المعنية مؤكدا أهمية إجراء كشف دوري مستمر لأطفال المنطقة لتفادي إصابتهم بأمراض خطيرة. وينهي كلامه بنبرة تشاؤم حيث يقول إنه متأكد من أن كل ما يطالب به لن يحدث وحول ما يتردد عن نقل المقلب والمحرقة من أرض الجزيرة مجرد كلام لتهدئة سكان المنطقة. طريقة عشوائية توجهنا الي الدكتور حامد سليم مدير مستشفي الكلي بمدينة ميت غمر وسألنا عن الأضرار التي يسببها المقلب والمحرقة لأهالي المنطقة حيث قال إن محرقة المقلب تعمل بطريقة عشوائية وتضر بصحة المواطنين المجاورين لها نتيجة لانبعاث الأبخرة والمواد الضارة بالصحة التي تؤثر بالدرجة الأولي علي الجهاز التنفسي وتصيب الأطفال بحساسية الصدر. البحث عن حلول توجهنا بكل هذه الشكاوي الي المهندس عز شحاته رئيس مدينة ميت غمر للوقوف علي حل لهذه الكارثة البيئية حيث أكد أنه قام باتخاذ كل الإجراءات وتحرير محاضر بيئية ضد هذه الشركات المسند إليها نقل المقلب وإنذارها بفسخ العقود ما لم تقم بوقف هذه المخالفات البيئية. ويقول الدكتور هشام العناني رئيس المجلس المحلي الشعبي بمدينة ميت غمر إن ا لأدخنة الناتجة من المخلفات الموجودة بمقلب القمامة بالمدينة في ازدياد مستمر خاصة بعد إسناد نقل المقلب الي شركات خاصة موضحا أنهم حتي الآن لم يقوموا بنقل المقلب ولكنهم يكتفون بنخله وتحويله الي سماد عضوي في نفس المكان دون أي إمكانات تكنولوجية مما يؤدي الي تصاعد الأبخرة والأتربة السامة الي المنطقة سواء الي مياه النيل أو المناطق الزراعية المحيطة. يضيف العناني أن المجلس المحلي بالمدينة قام بعد دراسة إسناد ملف المقلب لهذه الشركات وما تقوم به من مخالفات كارثية من دفن النفايات السامة في باطن الأرض بدلا من نقلها مما يؤدي الي تلوث المياه الجوفية للمدينة بتقديم بلاغ للنيابة الإدارية وتم تشكيل لجنة من المجلس المحلي مع مجلس المدينة ومديرية الزراعة لمعاينة كم الخسائر التي أصابت هذه المنطقة إلا أنه حتي الان لم يحرك أحد ساكنا. محاضر سابقة ويوضح أنه كانت هناك محاضر سابقة للشركات المسئولة عن نقل المقلب التي لم تقم بعمل أي شيء سوي تصنيع السماد العضوي وتحصل علي مئات الآلاف من الجنيهات شهريا دون وجود عائد حقيقي لمجلس مدينة ميت غمر ورغم وجود ثغرات عديدة في عمليات الطرح والاسناد لهذه الشركات والواضح في جلسات المجلس المحلي للمدينة التي تناولت هذا الموضوع منذ عامين لكن الحقيقة أن مجلس مدينة ميت غمر أصبح الآن في ورطة حقيقية نظرا لعدم قدرته علي إنهاء هذه العقود. وكشف الدكتور هشام أن هذا المقلب غير مرخص ويعمل بطريقة عشوائية وأن الشروط البيئية التي يجب أن تتوافر في أي مقلب صحي أن تكون له أسوار مرتفعة وبه عاملون ودورات مياه خاصة وأن يبعد عن الكتلة السكانية بمعدل مناسب لا يؤثر علي المحيطين به وأن تكون به آلات لتدوير القمامة وأن تتم عمليات الحرق بشكل منتظم في أوقات لا تؤثر علي البيئة وأن يتم فرز المخلفات سواء كانت عضوية أو غيرها ومعالجة النفايات الصلبة أولا. البحث عن بديل توجهنا الي مسئول البيئة بالمدينة السيد صديق العزب مدير إدارة البيئة لمعرفة مدي مشروعية هذا المقلب وهل هو مطابق للشروط البيئية من عدمه حيث يقول: إن إدارة البيئة تقوم بعمل اللازم لحين توفير مكان بديل وليست لدينا عصا سحرية لحل مشكلة هذا المقلب وأن جميع الجهات المسئولة بداية من المجلس المحلي نهاية بالوزير لديها علم لكننا لا نستطيع عمل أي شيء كما أن الشركتين اللتين تم التعاقد معهما تقومان بنخل المقلب ونقل السماد العضوي لاستخدامه في الأراضي الصحراوية.
