حين يبدأ المريض في الشعور بآلام في جسده, يلجأ إلي الطبيب الذي عادة ما يكتب له مجموعة من الأدوية بينها مسكن خفيف, ومكتوب إلي جواره يستخدم قرص واحد عند الحاجة فقط. لكن حالة المريض تأبي أن تتحسن, فيعاود زيارة الطبيب ينصحه الطبيب بالخضوع لعملية جراحية لاستئصال الورم الذي يسبب له الآلام, وينصحه بأن هذه هي الطريقة الأمثل للتخلص تماما من آلامه. يخاف المريض ويأبي الخضوع للجراحة, ويطلب من طبيبه إعطاءه مهلة ليفكر مع زيادة جرعة المسكنات حتي تساعده علي التفكير. تمر فترة وسرعان ما تبدأ المسكنات في فقدان قدرتها علي تسكين الآلام. ويخشي المريض من أن يزنقة الطبيب ويطلب منه الخضوع للجراحة, فيتوجه إلي طبيب آخر. ولحسن الحظ, أو بالأحري ل سوء الحظ, يقع المريض في يد طبيب يفهم تماما من أين تؤكل الكتف. فهو يشخص حالة المريض من اللحظة الأولي. هو شخص مصاب بورم لن يعالج إلا بعملية جراحية, لكنه جبان يخشي مشرط الجراح, ويفضل أن يعيش علي مسكنات. ورغم أن الطبيب يعلم تمام العلم أن المسكنات ستفقد قدرتها كلية بعد فترة, طالت أم قصرت, إلا أنه طبيب استثماري مهمته راحة الزبون النفسية وليست الجسدية. غزل الطبيب يأخذ الطبيب مريضه علي قد عقله, ويبدأ في مغازلته عن طريق لائحة طويلة جدا من المسكنات, تارة بالفم, وتارة اخري بالحقن, وثالثة بالدهان. ومنها ما هو محلي الصنع, وما هو وارد الاتحاد الاوروبي. ليس هذا فقط, بل بدأ يصف له خلطة مسكنات طبيعية صينية, وأخري حيوية يابانية, وثالثة روحانية من السيدة زينب. وعاش المريض فترة طويلة وهو يمني نفسه أنه أصبح في مأمن من المرض, لا سيما وأن طبيبه لبسه العمة تماما وأكد له أن الورم تقلص. ولأن الحالة النفسية تؤثر فعليا علي الحالة الجسدية, فقد شعر المريض بتحسن كبير. وبدأ يتصرف بطريقة طبيعية, وهو يحمد الله أنه لم يستمع لكلام الطبيب الأول وامتنع عن الخضوع للجراحة التي نصحه بها. لكن واقع الحال كان يسير في اتجاه معاكس تماما. فالورم آخذ في التمدد والتوسع, وبدلا من كونه ليفيا حميدا بدأ يتحول إلي سرطاني خبيث. ليس هذا فقط بل إن جرعات المسكنات المكثفة أصابته بقرحة في المعدة, وترقق في العظام, وهزال وضعف, وهو الآن يرقد بين الحياة والموت في غرفة العناية المركزة. لقد أضاع فرصته في الحياة تماما. فتوقيت إجراء الجراحة فات بعد ما استفحل المرض, والمسكنات باتت تساهم في الإسراع في القضاء عليه, و.. والنتيجة معروفة. الشعوب المريضة هناك من شعوب الأرض من يشبه هذا المريض المسكين بعقله الذي اضاع فرصته في الحياة. فبدلا من الخضوع للجراحة, ووجع ساعة ولا كل ساعة, بات يعيش في وجع أبدي. هناك من الشعوب من تسلم نفسها لمن يسمح لنفسه بقتلها قتلا بطيئا. يسكنها وينومها ويتمكن منها حتي يجهز عليها! التاريخ يؤكد أن أمما عدة تعرضت لفترات ضعف ووهن بعد قوة وبأس. منها ما يسارع في مواجهة نقاط الضعف وبؤر الفساد وتنشل نفسه انتشالا من غياهب السقوط والتحلل, ومنها ما يستثقل المهمة ويغرق في الكسل, ويقنع نفسه أن الأمور علي خير مايرام, وإن ساءت فإن أحدا سيأتي لمد يد العون بطريقة أو بأخري. وفي الحالة الأخيرة تمر هذه الأمم بفترات انحدار وتحلل وتفكك, ويصبح مصيرها غير معروف. وفي أثناء تلك الفترة, تمر بلحظات تقدم زائف وصحوة كاذبة. قد تكون بفعل مساعدة علي هيئة معونة من دولة أجنبية, أو أشكال من الفنون المنحطة والقبيحة التي تخاطب غرائز أبنائها فتنسيهم ما هم فيه, وقد تكون أيضا في صورة أطعمة ومشروبات لم يكن يعرفونها إلا عن طريق قصص وحكايات من سافروا إلي بلدان أخري غنية ومتقدمة, وقد تكون كذلك من خلال إدعاءات تشيع بينهم عن تقدم هائل حدث في بلدانهم, أو طفرات عظيمة طرأت علي اقتصادهم, أو قفزات جبارة قامت بها سياساتهم. مسكن الإلهاء وإن لم تنفع هذه الطريقة, فهناك الكثير من البدائل. وكم من أمم في التاريخ عاشت لقرون في مرحلة الإلهاء. فهم يستيقظون صباحا علي رأي خاصمته الحكمة وجانبه الصواب وحالفه سوء النية من أحدهم يشعل بينهم نيران الفتنة التي تلهيهم وتشغلهم عن كل مناحي حياتهم. أو ينامون ليلا بعد معركة حامية الوطيس بين بعضهم البعض بسبب لعبة ترفيهية من تلك التي كانت تنتشر أيام زمان. ويستيقظون في اليوم التالي بعد أن يكون كل فريق ممن شاركوا في ليلة الأمس قد عقد العزم علي الانتقام من الآخر. وإن لم يفلح الإلهاء, فهناك التغييب. وما أكثر الحيل التي كان يتم اللجوء إليها عبر التاريخ والأزمنة. فهذا إغراق في تفاهات, وهذا إمعان في تفريغ الدين من فحواه الحقيقية وإمعان في توافه الأمور, فلا حديث سوي حديث عذاب القبر, ولا اهتمام إلا بصوت المرأة ووجهها ويديها ورجليها, وهكذا. وفي خضم هذا كله, تستمر الأمم في الانهيار والتحلل بينما هي تترجع مسكنات الإلهاء والتغييب. وكان الأجدر بها أن تلتفت إلي مصالحها ومستقبلها حتي وإن كان ذلك سيكلفها وجع ساعة ولا كل ساعة! لقطات طريفة * يتصل البرنامج المذاع علي الهواء مباشرة بمسئول مروري لسؤاله عن الحالة المرورية, وإن كانت هناك نصائح لقائدي المركبات لتفادي مسار بعينه, ولاسيما وأن المدارس والجامعات قد فتحت أبوابها, والموظفون كعادتهم موجودون في الشارع علي مداراليوم. ويسهب المسئول في التأكيد علي أنه الحمدلله ورغم أنها ساعة ذروة صباحية, إلا أن المحاور الرئيسية كلها دون مشاكل تذكر, والسيولة المرورية لطيفة, وكل شيء عال العال, إلا حاجة واحدة! فخلفية الاستوديو حيث يقبع المذيع نافذة زجاجية ضخمة تكشف الحالة المرورية الحقيقية الواقعة في ذات الوقت الذي يؤكد فيه المسئول أن كله تمام التمام, وهو ما تؤكده تماما الصورة الحية وراء النافذة. فكله تمام التمام وذلك من حيث رصة السيارات المتوقفة تماما علي الكوبري في حالة شلل مروري كامل!! فقرة قراءة الصحف من ألطف الفقرات علي شاشات التليفزيون المصري, الرسمي منها والمستقل, لا سيما حين ينتقل الصحفي بين قناة رسمية في يوم, واخري خاصة في يوم آخر لقد أصبحنا غاية في الذكاء, فما يقرأ باعتباره خرقا للقانون وظلما للجمهور في الأخيرة, يتحول هو ذاته إلي تنفيذ عادل للقانون وضمان عادل لحق الجمهور في الأولي. * تشجير شرم الشيخ سيتكلف1.6 بليون جنيه مصري ومع كل الاحترام والحب لشرم الشيخ التي تحولت إلي نقطة جذب للسياحة الترفيهية وسياحة المؤتمرات والسفاري وغيرها, إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هناك تعارض بين تشجير شرم الشيخ وانتشال الألف قرية الأكثر فقرا من الجوع مثلا, أو بين تشجير شرم الشيخ وتحصيل120 جنيها إضافية فاتورة كهرباء سكان منطقة محددة في مصر الجديدة نظير إصلاح الكهرباء التي تلفت في الشارع؟ * آلاف الرسائل الإلكترونية ترد إلي أي بريد الكتروني يتحدث أصحابها عن نواح دينية عدة, بعضها في صورة نصائح, والبعض الآخر في صورة تهديد ووعيد لكن المثير حقا هي رسائل يسهب كاتبوها الحديث فيها عن حب الله, لدرجة أن أحدهم كتب بحبك يارب بحبك قوي, يا عالم بحالي يا حنين قوي, بحبك اكتر من أمي وأبويا, بحبك أكتر من أختي وأخويا, سامحتني وسترتني, مع أني مذنب أوي, يا رب إنت عالم بقلبي إللي هايم في حبك, يا رب إنت عالي وفي القلب غالي حبك, كلامك معايا يسدد خطايا يا حبيبي يارب.. معقول يكون حبنا لله سبحانه وتعالي كده؟! معقولة يا رب؟ * نحو ربع مليون شاب تقدموا بطلبات لوزارة القوي العاملة بطلبات هجرة بغرض العمل هذا هو عدد من تقدموا بصفة رسمية, وغيرهم بالآلاف يحاولون السفر بحرا فيما يسمي ب قوارب الموت هربا إلي إيطاليا وغيرها من الدول للعمل في أعمال دونية جدا وبشروط تخلو من الآدمية وهم يعرفون ذلك تماما, ويعلمون علم اليقين انه في حال وفقوا في دخول هذا البلد أو ذاك, فإنهم سيقيمون بالعشرات في الغرفة الواحدة, ولن يخرجوا منها إلا إلي العمل ورغم ذلك هم يقبلون علي هذه الفرص, وحتي وإن اخفقوا مرة أو مرتين, يعاودون الكرة حتي الشباب ممن تعلموا تعليما جامعيا, وكثيرون منهم تخرجوا فيما يعرف بكليات القمة يحلمون بالهجرة يا تري ليه؟ *المصريون أسرع شعوب الارض إلي النكتة وهي علي الرغم من مرارتها, بحكم أنها تعكس واقعا اكثر مرارة, مضحكة جدا إلي حد البكاء وفي خضم حرب وزير التربية والتعليم الأخيرة ضد الكتب الخارجية, خرجت نكات في دقائق عدة, وتحولت بفضل التكنولوجيا العنكبوتية الفعالة إلي ما يشبه الاقوال الشعبية المعروفة فاحدهم قال أن صديقا له له ضبطته الشرطة ومعه كتاب خارجي, وتساءل إن كانت تهمة صديقه ستكون تعاطي أم إتجار وآخر تساءل عن الفرق بين الكتاب المدرسي والكتاب الخارجي, فجاءه الرد: الكتاب الخارجي يقتل في التلميذ روح التعلم والابتكار, أما الكتاب المدرسي فيقتل التلميذ نفسه. * بدلا من حملات وإعلانات التبرعات التي تطورت وتحورت عبر الأزمنة التاريخية الحديثة من تبرعوا لبناء مسجد أو كنيسة ل تبرعوا لتسكين أسرة أو علاج الأطفال أو توصيل شبكة صرف صحي لقرية, اقترح ان تكتفي الحكومة بعدد من المناصب الشرفية الأدبية ويتم تحصيل قيمة شبكات الصرف الصحي وبيوت المتضررين من السيول والصخور والإهمال, وبناء مستشفيات لعلاج المرضي, ومدارس لتعليم الاطفال, ومطاحن الدقيق ورصف الطرق, وحفر أنفاق المترو وغيرها ضمن فاتورة الكهرباء. * لو صح ما حكاه طبيب القلب الدكتور طارق عبدالغفار والذي تم توجيه تهمة آداب له في يونيو الماضي, من أن التهم الموجهة له كانت ملفقة, وأنه كان متوصي عليه فأمعن الضباط في إذلاله وإهانته, رغم انه بريء فإن الموضوع لا يمكن السكوت عليه أكثر من ذلك وكنت قد اشرت من قبل عن معركة كلامية نشبت بين مواطنين, ولجأ كل منهما إلي قسم الشرطة ولكن بعد ما اجري كل منهما علي حدة باتصالاته بمعارفه وكانت الغلبة لصاحب المعارف الأكبر والأهم اعتقد ان جميعنا يعرف ذلك تماما لأنه تعرض لتجارب عدة في التعامل مع الشرطة, أو علي الأقل سمع عن تجارب آخرين أتمني من كل قلبي عودة شعار الشرطة في خدمة الشعب