تواجه بوروندي تهديدات خطيرة بسبب التداعيات السلبية الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي تلك التهديدات التي تطول دولا مثل السودان ومن ثم فبوروندي لها مصالح كبيرة في مبادرة دول حوض النيل لكن بعض الاعتبارات ستتعلق بمنظمة حوض كاجيرا السابقة ومشروعات برنامج العمل لدعم البحيرات الاستوائية للنيل. بعض هذه المشروعات تم تنفيذها لكن الخلافات والصراعات السياسية بين دول منظمة الكاجيرا لكن الشيء المؤكد أن بوروندي لاتعاني من تهديدات تتعلق بندرة المياه لكن من مشكلات تتعلق بنقص التكنولوجيا والخبرات لمواجهة احتياجات سكانها المتزايدة مثل توفير مياه الشرب النقية وري الأراضي الزراعية والكهرباء. وفي دراسة صدرت في كتاب باللغة الانجليزية صادر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعنوان نهر النيل ومرحلة مابعد الاستعمارتحرير خبير المياه العالمي والمتخصص في دراسات مياه نهر النيل واستاذ الجغرافيا في جامعة برجن واستاذ العلوم السياسية في جامعة اوسلو, ذكر باسكال نكورونزيزا رئيس قسم علوم الأرض في جامعة بوروندي والمحاضر في العديد من جامعات دول حوض النيل والمتخصص في ادارة المياه وملف بوروندي في حوض النيل أن بوروندي دولة منغلقة ليست لها موانيء مباشرة مع العالم, حيث جمهورية الكونغو غربا ورواندا جنوبا وتنزانيا من الشرق مساحة لاتزيد علي27834 كيلو مترا وعدد سكان يصل إلي8 ملايين نسمة. ويقسم النظامان الهيدروليكي للنيل والكونغو بوروندي إلي حوضين فرعيين ويتكون النظام الهيدروليكي للكونغو من روزيزي تنجانيقا ومالجارزي وهناك داخل بوروندي توجد بحيرات مهمة مثل تنجانيقا في حوض الكونغو والتي تجمع المياه من الأنهار الي الغرب في المنطقة التي يقسمها النيل والكونغو فهناك بحيرة عبر نهر روزيزي بمستوي عمق يصل الي1433 ملليمترا و700 ملليمتر بحيرة تعتبر تنجانيقا ثاني أعمق بحيرة في العالم بعد بحيرة بيكال بطول766 كيلو مترا وعرض50 كيلو مترا وهي أكبر خزان للمياه في افريقيا وثاني أكبر بحيرة في العالم وهناك بحيرات مهمة مثل كوهوها وبحيرة رويرو وينقسم حوض النيل الي أحواض روفوبو وكيجار وكانيرو نيبارونجو ويصل طول نهر روفبو وإلي480 كيلو مترا ولها حوض نهري بمساحة12300 كيلو متر وينبع من الأجزاء الشرقية لمنطقة النيل الكونغو المقسمة عند2500 متر ويضم نهر كيجار أعلي شلالات روزومو بمستوي تدفق150 متر في الكيلو ويبلغ اجمالي المياه المتدفقة لنهر النيل2,6 مليار متر مكعب. وتعتبر بوروندي بالنسبة لدول المنبع دولة ممطرة بشكل كبير بمستوي1247 ملليمترا سنويا وهناك ثلاثة أماكن ممطرة مثل منطقة المركز وسهول ايمبو وموسو الشرقية ومنخفض بويزيرا. وفي سعيهم لاكتشاف مصادر المياه للنيل, أجري الأوروبيون عدة اكتشافات منها ماقام به جون هانيننج وريشارد بيرتون عام1858 في سواحل بحيرة تنجانيقا كما زارا ريشا وكابزي ودلتا روزيري وتحركا الي أوفيرا في الكونغو وتبعهما هنري مورتون ستانلي وديفيد ليفنجستون في عام1871 وكان هدف اكتشافهم حشد معلومات عن الموقف السياسي والاقتصادي في شرق إفريقيا بشكل عام وفي بوروندي بشكل خاص ووصل الألماني اوسكار بومان الي بوروندي عام1892 باهتمام خاص في اكتشاف افضل طريق الي منطقة البحيرات العظمي وبعد ذلك وصل الألمان إلي أراضي تنجانيقا ومايعرف اليوم بتنزانيا وبوروندي ورواندا واستقروا في كيجار قرب بحيرة تنجانيقا ببوروندي عام1886 ونظرا لتفشي الملاريا بالمنطقة تحركوا إلي منطقة اوزومبورا وهي اليوم تحمل اسم بوجمبورا واثناء الحرب العالمية الأولي قام البلجيك بطرد الألمان من بوروندي وبعد الحرب وضعت رابطة الأمم الأمم المتحدة بعد ذلك, بوروندي ورواندا تحت الوصاية البلجيكية فيما فازت بريطانيا بمنطقة البحيرات العظمي. بوروندي ومعاهدات النيل بعد الاستقلال ليست هناك معاهدة رسمية بشأن ادارة مياه النيل بين بوروندي وبريطانيا وأن جميع الاتفاقيات الدولية بشأن النيل تتعلق باحتياجات مصر والسودان وليس هناك سوي معاهدة واحدة بين بريطانيا وبلجيكا قد أثارت الاهتمام بعد استقلال بوروندي عقب الاستقلال وكانت لتنظيم حصة المياه بين أراضي تنجانيقا بريطانيا واوروندي بلجيكا. وبعد الحرب أرسلت بوروندي مذكرة للأمم المتحدة في يونيو1964 بشأن تحديد موقفها من معاهدة1934 وبشكل عام لم تشعر بوروندي بأي ضغوط أجنبية سواء من بريطانيا أو غيرها من القوي الأجنبية بشأن ادارة مياه نهر النيل فالزراعة في بوروندي تعتمد بشكل كامل علي مياه الأمطار ولا تشكل بوروندي أي تهديد لتدفق النيل ولا حاجة للمشاركة في تنظيم تدفق مياه النيل عبر المعاهدات والاتفاقيات. مصادر المياه وكيفية الاستفادة منها تزخر بوروندي بكميات كبيرة من المياه لكن ما يعيبها هو فقر التوزيع سواء من حيث الزمان والمكان فوفقا لإحصائيات منشورة فإن متوسط حجم المياه يصل إلي1274 سنويا والتي تفقد بنسبة68% عبر التبخر والترشح وتشكل بحيرة تنجانيقا أكبر خزان للمياه في العالم18900 كيلو متر بجانب بحيرات مهمة أخري مثل كوهوهو69 كيلو مترا ب5 مليارات متر مكعب وبحيرة رويرو بحجم يصل إلي3,7 مليار متر مكعب. وقبل الاستقلال كان استهلاك السكان من مياه الشرب والري يعتمد بشكل مباشر علي البحيرات والأنهار وهذا يعكس مدي الخطورة حيث احتمال الاصابة بأمراض واوبئة مثل الكوليرا والبلهارسيا والميكروبات العضوية وتم انشاء اول معهد لانتاج وتوزيع الشرب والري في عام1939 من جانب الاستعمار الاوروبي لرواندا وبوروندي. وفي عام1963 وبعد الاستقلال تحول هذا المعهد إلي هيئة عامة بادارة مستقلة والتي انقسمت لفرعين واحد لبوروندي وآخر لرواندا وكانت مهمة الهيئة هي امداد المدن وخاصة العاصمة بالمياه. ووفقا لمنظمة الاغذية والزراعة الفاو التابعة للأمم المتحدة في عام2005, فإن الطلب علي المياه سنويا يصل إلي0,288 كيلو متر/ سنويا وأن الطلب اقل من3% من المياه المتاحة والمتوافرة علاوة علي أن2,5 كيلو متر من المياه يورد من الدول المجاورة وأن حجم المياه لكل فرد1774 سنيتيمترا سنويا وفي بعض الأماكن قد تصل إلي46 سنتيمتر وأظهرت احصائيات عام2000 ان حجم الاستخدام المحلي يصل إلي49 ملليمترا مكعبا بنسبة17% من اجمالي المياه المتوافرة في البلاد. وتصل نسبة نمو السكان إلي3% سنويا في مقابل تتضاعف حاجات السكان من المياه كل10 سنوات من22 مليار متر مكعب في1990 إلي40 مليار متر مكعب2000 ومن المتوقع أن يصل إلي70 مليار متر مكعب سنويا العام الحالي. المياه والطاقة وعملية التنمية تمثل مسئولية ادارة المياه عدة جهات وهيئات حكومية مثل وزارات ادارة الأراضي والبيئة والسياحة والتي تتعامل مع مهمة حماية مصادر المياه. وتتولي وزارة الطاقة والتعدين مسئولية انتاج وتوزيع مياه الشرب في المناطق الريفية وتحويل المياه كمصدر للطاقة الكهربائية. والمياه والطاقة الهيدروليكية حاسمة لعملية التنمية في بوروندي وتعزيز مستوي المعيشة وفي عام2004 انخفضت انتاجية الكهرباء في المناطق ذات الامطار الضعيفة بسبب النقص الشديد في قطع الغيار والمعدات اللازمة لمحطات الكهرباء والتي مازالت تعتمد علي الكهرباء الناتجة من سد علي نهر روزيزي في مقاطعة ريفو الجنوبية بالكونغو وفي عام1982 وبعد32 عاما من الاستقلال حصلت بوروندي علي محطة هيدروليكية من الصين وتمت اقامة8 محطات أخري عام1988 لامداد المدن بالكهرباء وتمت اقامة أكبر محطة علي نهر روزيزي ووصل انتاج طاقة البلاد من الكهرباء عام1994 إلي1,371 ميجا وات مقابل43 ميجا وات في عام1997 منها32 ميجا وات من الطاقة الكهربائية من السدود وخاصة روبموليمزيزي2,1, في عام2005 تمت اقامة بعض المشروعات لانتاج الطاقة الكهربائية منها علي سد نهر يجي بطاقة15,5 ميجا وات ونهر ميلبوي بطاقة16,5 ميجا وات وهناك مشروعات دولية ضخمة مثل روزيزي3 ورزمو علي نهر اكجيرا بطاقة82 ميجا وات و62ميجا وات. ومن ثم يمكن القول إن انتاج الطاقة في بوروندي يعتمد اليوم علي27 سدا بينها مشروعات اقليمية تم تنفيذها بالتعاون مع الدول المجاورة وذلك ب9 محطات كهرباء بقدرة30,9 ميجاوات تشكل حوالي96% من استهلاك الكهرباء. وقد أدي اندلاع الحرب الأهلية بين الهوتو والتوتسي وخاصة في العاصمة حيث وصل الموقف للانهيار مع تجميد المساعدات الخارجية وفي عام2000 تم فتح الأبواب أمام الاستثمارات الخاصة أملا في تسريع عملية الانتعاش الاقتصادي. ووفقا لاحصائيات منظمة الفاو عام2005, لا تعتمد الزراعة علي مياه الري سوي علي1,6 من الأراضي المزروعة. ومازالت الصناعة في مراحلها الأولي وتتركز معظم المصانع في العاصمة بوجمبورا وتكفي700 سنتيمتر لتلبية احتياجات قطاع الصناعة يوميا في العام الحالي وخاصة المنسوجات وتعود ثقافة الصيد لعام1980 وتم اطلاق مشروعات الصيد عبر مساعدات دولية ومازال عدم توافر الآلات والمعدات التكنولوجية وارتفاع درجة حرارة المياه يعرقل مشروعات الاستزراع السمكي وتتركز أعمال الصيد علي بحيرة تنجانيقا بحجم انتاج من الأسماك يصل إلي23400 طن سنويا. ويضم حوض كاجيرا60000 كيلو متر ل14 مليون نسمة من بين75 مليون نسمة اجمالي سكان الدول المجاورة وجاءت منظمة حوض كاجيرا عام1997 بعد فشل هيئة شرق افريقيا واهتمت بوروندي ورواندا اهتماما كبيرا بالمنظمة كحل للوصول لميناء دار السلام كممر وحيد لنقل بضائعهما وركابهما من وإلي الخارج وكان من الواضح أن الدولتين بجانب تنزانيا تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية وانه ينبغي عليهما العمل معا لمواجهتها واقامة مشروعات نقل ومحطات تكنولوجية وزراعية وصحية واتصالات وبيئية والملاحة البحرية عبر بحيرة روريو بين بوروندي ورواندا وهو مشروع لم ينفذ حتي الآن كما أن مشروع روزومو الهيدروليكي مازال في مرحلة مبكرة ومن المتوقع تنفيذه في اطار مبادرة دول حوض النيل لأنه مشروع يفوق قدرة منظمة كاجيرا ولا تستطيع دول المنظمة أن توفر أكثر من30% من تكاليف المشروع. مبادرة دول حوض النيل وقد أجمع الخبراء علي أن مبادرة دول حوض النيل تقدم اطار عمل وقرارات سلمية لأي نزاعات وأنها اذا تم استيعابها من جانب صانعي القرار السياسي ستصبح حاسمة علي المدي الطويل لتنفيذ مشروعات التنمية المتكاملة بين دول حوض النيل وانها ستكون وقائية من أي نزاع حول المياه. ويطرح باسكال نكورونزيزا في دراسة صادرة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة تساؤلات حول ماذا تمثل بوروندي في اطار عمل دول حوض النيل؟ وما هي مساهمة بوروندي في الهدف المشترك للدول العشر في المبادرة في ادارة مياه النيل؟ ويجيب بأن بوروندي لا تمثل سوي6% من مساحة دول حوض النيل وتشكل22% من منطقة حوض كاجيرا وهذا يمثل خزانا هائلا من المياه ويساعد كثيرا في مشروعات التنمية الزراعية ويسهم نهر روفو ب2,6 مليار سنتيمتر من تدفق مياه النهر الأبيض والذي يشكل بدوره كما نعرف 14% من مياه نهر النيل في الحقيقة فإن22% من مياه النيل الأبيض تأتي من بوروندي. وقد قدرت دراسة أجريت في فبراير ونوفمبر2005 بتمويل من البنك الدولي والوكالة الكندية للتنمية الدولية احتياجات تنزانيا وبوروندي ورواندا والكونغو وكينيا وأوغندا من الطاقة الكهربائية وانها سوف تزيد من2,800 ميجا وات إلي16 ميجا وات بين عامي2005 و2020. وأوصت الدراسة بإقامة مشروعات طاقة كهربائية في روزومو وبوجالي وكيفو وكابو. ونظرا للعجز الشديد الذي تواجهه بوروندي في قطاع الكهرباء فإن استكمال وتنفيذ مشروع كابو بطاقة16 ميجا وات يبدو ملحا للغاية. ومع تصاعد نذر التهديدات الناجمة عن التغير المناخي مثل الجفاف والمجاعة وتفشي أوبئة فتاكة مثل الملاريا مما يثير المخاوف في منطقة البحيرات العظمي في مرحلة ما قبل الجفاف وتتزايد تلك المخاوف مع فقدان بحيرات كيفو وفيكتوريا وجاكميريندا وروهيندا كميات كبيرة من المياه سنويا كما يشكل انخفاض مياه بحيرة نهر كيفو المصدر الأساسي للمياه لمشروعات الطاقة الكهربائية علي سدود رويزي1,2 واغراق مدن مثل أوفيرا وجوما في الظلام بجانب انقطاعها عن منشآت مهمة مثل المرافق الحكومية والمستشفيات. ومن ثم تبرز أهمية مبادرة دول حوض النيل لتنفيذ مشروعات الطاقة والكهرباء لدولة مثل بوروندي واتخاذ اجراءات لمواجهة التداعيات السلبية للتغير المناخي مثل انخفاض المياه في البحيرات والأنهار لكن الشيء المؤكد أن بوروندي لا تعاني من تهديدات تتعلق بندرة المياه لكن من مشكلات تتعلق بنقص التكنولوجيا والخبرات لمواجهة احتياجات سكانها المتزايدة مثل توفير مياه الشرب النقية وري الأراضي الزراعية والكهرباء.