ينفق المصريون سنويا, علي أعمال السحر والدجل, أكثر من عشرة مليارات جنيه, هكذا كشفت دراسة أجريت بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية, قام بها الباحث محمد عبدالعظيم كما كشفت الدراسة عن أن63% من المصريين يؤمنون بالخرافات, وأن أكثرهم من المتعلمين. قد لا تكون هذه الأرقام مدهشة لأي من الباحثين في هذا المجال, لكن مفاجأة الدراسة كانت تتلخص في أن هناك أكثر من300 ألف شخص يعملون بمجال الدجل والشعوذة في مصر, والصادم في الدراسة أن50% من نساء مصر تقريبا يؤمن بدور الدجالين في حل المشكلات المستعصية, خاصة مع أزواجهن, مما يعني أن علي أرض مصر اليوم قري بأكملها تحولت لمراكز لممارسة الخرافات, ولنشاط الدجالين, مثل قرية طناح بمحافظة الدقهلية, وقرية محلة بشر بمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة, وبلدة القصر التابعة لنجع حمادي. وفي محاولة لاختراق هذا العالم المدهش والمخيف قام الأهرام المسائي بزيارة لقرية محلة بشر حيث التقينا بأسطورة القرية قبل أن نلتقي بالذين يسترزقون من ورائها, تقول الأسطورة المنتشرة بين أهالي القرية: إن أميرة من أسرة محمد علي أصابها مرض حار فيه الأطباء وكادت تفقد حياتها بسببه, إلا أن ساحرا من أبناء القرية تمكن من إشفائها, وعلي مدي قرن كامل بعد هذه الواقعة أخذ السحرة يتدفقون علي القرية متخذين منها مقرا لهم. إنها قلعة السحر محلة بشر الشهيرة بقرية الأربعين دجالا. القرية ينقبض لها القلب مع أولي خطواتك بها, خطواتك المراقبة والمحاصرة من الأهالي والمارة والضحايا والمريدين, أول وصولنا إليها استقبلنا أحد الناضورجية وهم أصحاب مهمة سحب وتسليم الزبون إلي الدجال يدا بيد, حيث اضطرتنا العيون المتسائلة إلي ادعاء المس بالجن كي نهرب من العيون الفضولية. أدخلنا الناضورجي إلي أحد أوكار الدجل, وهو منزل أحد السحرة المعروفين باسم الشيخ إمام الذي أدرجنا علي قائمة الانتظار بقاعة استقباله حيث انتهزنا فرصة خلو القاعة من الناضورجية لنبدأ في سؤال الضحايا الموجودين من زوار الشيخ, وكانت البداية مع س.ن التي جاءت من شبراخيت لتسأل الشيخ عن سبب ابتعاد زوجها عنها بعد زواجه باثنتين أخريين. س.ن أخبرتنا أنها الزيارة الثانية, وإن كانت في عرف الشيخ الزيارة الأولي, وذلك لأن الجلسة الأولي لم تكن إلا بغرض عرض الحالة فحسب, وهي الجلسة التي تكلفت800 جنيه, قام فيها الشيخ بحرق عدد من الأؤراق والكروت, وتمتم ببعض الطلاسم في ظلام الغرفة, وبعدها أكد أن الزوجة الأولي عاملاله عمل في كوب الشاي, وأن هذا العمل يتطلب فكه نوعا معينا من البخور, وعددا من الحاجيات الغريبة التي سوف يأتي بها في زيارتها الثانية, وهي الحاجيات التي ستكون تكلفتها2400 جنيه فقط! العجيب أن هذه السيدة, أو غيرها, سوف تأتي في جميع الأحوال, ومهما كانت الظروف حيث يشاع أن الشيخ يؤذي من لا ينصاع للعودة مرة أخري لفك العمل. جلسة أولي بعد لحظات طلب الشيخ دخولنا إليه.. فوجدناه يرتدي جلبابا فلاحي يغطي جسده النحيل, وطاقية فلاحي طويلة, وتلتف حوله خادمات المنزل. يجلس مفترشا كنبة بلدي ولا تتوسط الحجرة منضدة بخور كما تصور أفلامنا العربية, وقدمنا أسماء مستعارة, وادعينا أننا ممسوسون بجن ما ليبدأ إمام في جلسة الهلوسة التي بدأت بالتعاويذ وحرق الأوراق, ولم تختلف التفاصيل عما روته الضحية السابقة. خرجنا من الجلسة بعد أن ألقينا بجانبه حفنة من المال, وطلب منا بالطبع العودة مرة أخري لفك المس بعد أن أعطيناه أرقام تليفونات وهمية. عودة للريف خرجت من هذه الجلسة تلح علي ذاكرتي جارات وأقارب كن يلححن علي بعدم ترك المقص مفتوحا لأنه يجلب الفقر, وتوصياتهن بعدم الكنس ليلا, فضلا عن عجائز الفرح أثناء جلسات تجميل العروس وليلة الحنة, وهن يطلبن من العروس ارتداء ملابسها الداخلية بالمقلوب لمنع الحسد, وأصواتهن أثناء حفلات السبوع وهن يصرخن في الرجال الذين قاموا بحلاقة شواربهم لمنعهم من الدخول علي أم المولود. كل هذه العادات والخرافات الريفية الموروثة أرقتني بشدة وأصررت معها علي العودة للريف المصري لنستمع لأقوال السيدات عن هذه الموروثات التي مازالت مستمرة, بل ويبدو أنها تنتشر. حلول شعبية القرنشاوي.. قرية في قلب مركز كفر الدوار عاصمة المدينة, التقينا بها ف.م(33 عاما) واحدة من السيدات الريفيات, تزوجت ثلاث مرات ولم تنجب, لا في الزيجة الأولي ولا في الثانية, لكنها أخيرا رزقت بطفل من زواجها الثالث بعد أن تحولت لفأر تجارب للعادات والموروثات الشعبية بداية من الاستحمام علي منديل البكارة, والاستحمام علي الخلاص, وهو ما يخرج مع المولود من رحم الأم من بقايا وسوائل, وأخيرا بزيارة الخبيري, وهو مكان المقابر, حيث يوجد حجر أسود تقوم السيدات المصابات بالعقم أو تأخر الحمل بلعقه حتي تنزف ألسنتهن. ف.م وكثيرات يؤمن بأن التجارب التي قامت بها هي السبب في حملهن, رافضة التفكير في وجود سبب علمي, حيث لم تفلح محاولات أقناعها بأن هذه التجارب غير الآدمية لا علاقة لها بحملها, ولا علاقة لها بحل أي مشكلة أو أزمة سابقة لمثيلاتها من الفلاحات الريفيات. طقوس مستوردة يبدو أن المصريات لا يكتفين بحجرهن الأسود, حيث حكت لنا م. م أنها أوصت أحد القادمين من السعودية بإحضار المشاهرات, وهي خمس قطع معدنية تقوم بوضعها في المياه طوال الأسبوع وتستحم بمياهها بين صلاة الجمعة وصلاة العصر أسبوعيا لحل مشكلة تأخر الحمل, بعد أن فشلت نصيحة أقربائها بإدخال رأسها في أحد القبور والإمساك بعظام طفل متوفي خرافات صعيدية والحقيقة أن الصعيد ليس أفضل حالا من قري الدلتا, هكذا أكد لنا الباحث أمير الصراف, المتخصص في أبحاث موروثات الصعيد, الذي أعد دراسة بعنوان تجريف العقل المصري أكد فيها أن الصعيد الآن يمر بمرحلة حرجة من الاضمحلال الفكري, فقد توقفت العقول المنهجية والخلاقة المنتجة للأفكار والإبداعات, لتسود قيم التغييب التقليدية, متزامنة مع سريان روح اليأس واللامبالاة, فلم يعد أمام الصعيدي الآن بعد أن أوقف أعمال العقل الذي عطلته معضلات الحياة اليومية غير زيارة الأضرحة والأديرة طالبا الكرامات والبركات, وربما يبعث بزوجته لتشق المقابر وتزور الكهوف حتي يحل اللوغاريتم وتنجب له من يحمل اسمه, وقد يستحضر لها مشعوذا يتمتم بتعاويذ ما حتي تدر لبنا للرضيع دون تحمل أي أعباء أو كلفة مالية في عيادات الأطباء, ثم يبعث بالصبي مع أمه ليحصل علي البركات والكرامات من أصحابها في الأضرحة والأديرة. المعتقدات الشعبية تشبه الحلقة المفرغة, الكل يدور في فلكها دون معرفة ماهيتها, وتكتب لها الاستمرارية لأنها موروثة من الأقدمين, يكفيك أن أحد الأشخاص كان كلما ألم به صداع يدق مسمارا في شجرة عتيقة في قريته, ولما سئل أجاب أنه توارث ذلك المعتقد عن جده, بل وأجزم أنها وصفة مجربة لمن اعتقد فيها لعلاج الصداع, وأكد الصراف أن هناك عوامل حافزة تنشر هذه الخرافات ومناخ يكرسها أدي إلي ظاهرة جديدة سماها تجريف العقل المصري ليصبح تمامامثل الأرض الخربة التي كانت تنتج المحاصيل الوفيرة ثم أصبحت بور وعقيمة وبلا فائدة. حجر أخنوس واستشهد الصراف بعدد من الأماكن والطقوس التي يقوم بها أبناء الصعيد تحت مسمي المباركة وفك النحس وغيره من الموروثات الشعبية الخرافية. ثمة حجر من الجرانيت الوردي في قرية بخانس الذي تقوم عليه الست رميلة التي يعتقد أبناء القرية أنها تعالج العقم وتجعل العاقرات يحبلن, كما أنها تفك المشهرة وتعالج الخضة عند السيدات فقط, بشرط أن تقوم السيدة بمجموعة من الطفوس, منها الدوران حول ذلك الحجر ثلاث مرات, هذا لعلاج الخضة, أما بالنسبة للعاقرات فهناك طقوس أخري تقوم بها العقيمة بمصاحبة مجموعة من النسوة كأن تقوم النسوة بنصب خيمة من الملاءات حول الحجر وتحاول العقيمة المرور من الفتحة المثلثة التي تتوسط الحجر, والتي لا تتسع لمرور قطة, فإذا اتسعت تلك الفتحة ومرت منها السيدة فهذا معناه أنها سوف تحبل, ويرتبط كل ذلك بعدم وجود قصة حقيقية لوجود هذا الحجر الجرانيتي الذي دارت حوله الحكايات والخرافات الشعبية, والحقيقة أن وجود ذلك الحجر في تلك القرية أمر غير محير, فهي مدينة المعبود خنسو( معبود القمر), أي أن لها جذورا تاريخية فرعونية, وكذلك الأمر في الشجرة التي تفرز مادة صمغية يميل لونها للإحمرار في مدينة دشنا التي احتار البسطاء في ماهية لونها فراحوا يتباركون منها. رغم أن وائل نصر الله الباحث الأثري يرجح أن ذلك الحجر الجرانيتي هو الجزء العلوي من رحاية قديمة لجرش الحبوب من تلك التي كانت مستخدمة في البيوت المصرية القديمة والتي لاتزال مستخدمة في بعض البيوت الريفية حتي الآن, ويزكي ذلك وجود الفتحة المثلثة في الحجر, ورغم ذلك فإن هذا التفسير لا يغير شيئا في معتقد أهل بخانس في قدرات الست رميلة! دحرجة عصران وفي بلدة القصر التابعة لنجع حمادي, وبالتحديد في ضريح الشيخ أبوعصران, قيل لنا إنه يعالج أمراض الجنسين عبر التدحرج في منطقة جبلية تجاور ضريحه تسمي الكحريتة, أن هناك سيدة تدعي فاطمة من أهل المنطقة تعمل كمرشدة للزوار, ومتممة للطقوس الغريبة التي تجري والتي تقول عن أبوعصران إنه كان شيخا مجذوبا يعيش في البلدة, وكان الكل يأخذون بركته, وعند وفاته منذ عقود رفض نعشه التحرك علي صراخ النسوة عليه, لكن عند الضرب علي الدفوف والزغاريد تحرك النعش إلي الضريح. علقة موت الصدمة التي يتعرض لها ممارسو تلك الطقوس, والإيحاءات المصاحبة لها, تجعلهم يتناسون الداء, ويعلنون الشفاء الوقتي, فهناك أطفال يدفعهم أهلهم فجائيا علي تلك الأرض الوعرة ويعلو صراخهم بينما تزغرد أمهاتهم, فالصراخ في اعتقادهم معناه خروج الخضة من أجساد أبنائهم, بينما السبب الحقيقي هو ارتطام أجساد بشرية بأرض جبلية وعرة, وكدمات في أنحاء متفرقة في الجسم, والأعجب من تلك الطقوس الغريبة التي تؤدي عند ضريح أبوعصران أن المنتفعين من إقامة الموالد حول الأضرحة ومروجي الكرامات يهللون دائما لصاحب الضريح وينسجون حوله أعمالا إعجازية ينجذب لها البسطاء فيهرولون نحو الأضرحة, ويقدمون القرابين, ويؤدون الطقوس المتبعة في خشوع رهيب. تراب الدير وإذا كان المسلمون يتدحرجون فوق كحريتة أبوعصران في بلدة القصر, فالأقباط أيضا يتدحرجون فوق ربوة مرتفعة تسمي القطعية في دير أبوشنودة بمحافظة سوهاج, حيث يبدو أن كل ما له صلة بالدير عند الأقباط يعد مجالا لنوال البركة, حتي ذرات التراب, لدرجة أن البسطاء يحرصون علي التبرك بها والاحتفاظ بأكياس منها تحت وساداتهم. حجر الزيت وفي أييرة نقادة ببرية جبل الأساس بمحافظة قنا, سلاسل جبلية تمتد من نقادة حتي القرنة جنوبا بمسافة عشرين كيلومترا, وارتدي كثير من المعتقدات الشعبية مسوح الدين فأصبحت ممارسات مقدسة, منها التبرك من حجر الزيت, هكذا يسمونه, في دير الأنبا بسنتاؤس, وحجر الزيت هو عمود حجري مستدير طوله متر ونصف متر تقريبا, ولعل وجود ذلك الحجر والغموض الذي يغلفه يطرح علامة استفهام محيرة للغرباء الزائرين فينصرفون في خشوع وفق رواية تواترت منذ زمن تضفي عليه قدسية ومهامة فيهرولون للتبرك منه, إما بتقبيله أو بالمسح باليد أو وضع الجبهة فوقه. أبو الليف وفي أديرة الأنبا اندراس بنقادة الملقب ب أبو الليف يعتقد البعض في وجود علاج للسكر والسعال, ففي الفناء الداخلي الذي يتقدم كنيسة الدير والمدفون أسفل هيكلها الأنبا اندراس هناك نوع من التطبيب الشعبي, شجرة عتيقة تطرح ثمارا من البلح تعالج السعال ومرض السكر المزمن, حيث يؤمن القبطي بأن كل ما هو داخل أسوار الأديرة له قدسية.. النبات والجماد والأيقونة وذرات التراب, تلك الشجرة ذات الجذوع الغريبة التي تفترش أرض الفناء اسمها الدارج لالوب. وقد زرعت في فناء الدير منذ فترة ومازالت تطرح بعض الثمار التي تباع في أكياس صغيرة للزائرين, ويبدو أن هناك علاقة بين التسمية الخاطئة لتلك الثمار التي يصر عليها النقاديون, واعتقادهم في قدرتها علي شفاء الأمراض, وأيقونة الأنبا اندراس الملقب بأبو الليف, حيث تصور الأيقونة الأنبا اندراس واقفا وعلي بعد منه اثنان من تلاميذه يقفان أسفل( نخلة) نسج في أعلاها ثوب من الليف, ونقرأ في سيرته أنه أوصي قبل وفاته بتكفينه بليف النخيل, لذلك لقب بأبي الليف, تلك التسمية الخاطئة للنبات تنطوي علي إيحاءات رمزية تستجمع القدسية التي أضفيت علي النخيل, والمعتقد الشعبي قدم أعدادا لا حصر لها من الوصفات العلاجية من الأعشاب الطبيعية تجمعها في الغالب صفة واحدة هي مرارة المذاق, وهي مازالت موضع شك في جدواها ونفعها.