الكتاب من الصناعات شديدة الخصوصية ورغم عراقته في العالم العربي ومصر خصوصا الا أنه أصبح اليوم من الصناعات شديدة التعثر والبطء فهو أولا ليس من السلع الرائجة كما ان سعره لايحدد مثل بقية السلع بحساب التكلفة الفعلية للانتاج واضافة هامش ربح, بل يدخل في تسعيره عدة اعتبارات تجعل الكتب مثل الأدوية, فالسعر يعتمد علي الملكية الفكرية وحقوق الطبع التي يحوزها الناشر من المؤلف, ومن هنا لايكون مجديا مقارنة المستهلك بين أسعار أكثر من سلعة في السوق لانهم في الحقيقة ليست نفس السلعة واذا كانت الأدوية من السلع التي تمس الصحة ويسعي الناس للحصول عليها نظرا لارتباطها بصحة الأفراد, لكن الكتب ليست كذلك أبدا, فهي لاتسمن ولاتغني من جوع. كذلك فان عزوف القاريء عن الشراء نتيجة لضعف القدرة الشرائية للأفراد, يجعل الناشرين والموزعين يحاولون ضمان حقهم من العملية بشتي السبل لان صناعة الكتاب غير مأمونة. تمر عملية صناعة ونشر الكتاب بثلاث مراحل أساسية: التأليف والتصنيع والتسويق أو تكاليف انتاج الكتاب تشمل الطباعة والمقابل المادي الذي يحصل عليه المؤلف وقيمة المواد الخام( الورق الحبر القماش...الخ) ثانيا التكاليف الثابتة وتضم أعمال التحرير( التصميم وتكاليف الاعداد للطباعة وتشمل الجمع والتوضيب والطبع) الركن الثالث وهو الأهم وهي عبارة عن تكاليف ادارية يتحكم فيها الناشر تتمثل في المصروفات الإدارية, والحسابات, والضرائب والإيجار, والفوائد في حالة الاقتراض...الخ. يقول حازم حسن صاحب مطبعة ببولاق الدكرور إن تكلفة الطباعة تختلف باختلاف نوع الورق والغلاف( غلاف عادي, سميك) مع سلوفان, بدون سلوفان وحجم الكتاب, ونوعية التجليد( غراء مع دبوس) وأن الكتاب متوسط الحجم من الورق الكوشيه80 جم تتكلف طباعته4 جنيهات في المتوسط ويقل في الألف الثانية ليصل الي3 جنيهات. التسعيرة بعد خروج الكتاب من المطبعة تبدأ مرحلة تسعير الكتاب, وبواقع أطروحة الدكتوراة التي قام بها د. رضا سعيد بكلية اداب بجامعة المنوفية2005 فان تحديد الناشر لسعر البيع للجمهور يتم بناء علي ثلاثة أو أربعة أمثال سعر التكلفة, في الوقت الذي يصل فيه سعر الكتاب في دولة مثل انجلترا الي عشرة أمثال التكلفة, أما في أمريكا ولبنان والسعودية فيحدد علي أساس ستة أمثال التكلفة. ترجع الناشرة د. فاطمة البودي ارتفاع سعر الكتاب لتحمله تكاليف كثيرة غيرالطباعة فهناك تكاليف الشركة الكيان القانوني لدور النشر ورواتب الموظفين والتخزين والنقل وحقوق المؤلف ونسبة الكاتب التي تصل الي15% أما نصيب الأسد فيذهب الي الموزع الذي يعد أكثر المستفيدين من سعر الكتاب فهو الذي يأخذ وحده المكسب الذي يتراوح بين30 الي40%. ولكن أحمد الزيادي ينفي أن يكون الربح الذي يحصل عليه الناشر بهذه الدرجة ويحمل تكاليف الطباعة الجانب الأكبر من تكاليف النشر ويضيف: رغم الارتفاع المتزايد في تكاليف الطباعة فاننا نضع في اعتبارنا الظروف المادية للقاريء, والسعر الذي ترينه في الأسواق هو أقل مايمكن. ورغم التناسب العكسي بين عدد النسخ وتكلفة الطباعة الا أن معظم الناشرين لايقبلون المجازفة لأن سوق الكتاب غير مضمون, ونجاح كتاب أوفشله أمر يصعب تقديره حسبما تؤكد البودي التي تري الحل عبر طباعة كميات قليلة, واذا بيعت يعاد الطبع. الركود هو السبب الأبرز لعدم جرأة الناشرين في التعامل مع النصوص التي تقدم اليهم, تلك التي يسعون اليها فالقاريء بالنسبة لهم عزوف دائما الأمر الذي يزيد من بطء سوق الكتاب يشير تقرير( ماذا يقرأ المصريون) الصادر2010 عن مزكز دعم واتخاذ القرار الي أن2,2% فقط من الأسر المصرية يمارس واحد من أفرادها علي الأقل عادة القراءة, فيما تصل نسبة الأسر التي لايقوم أي من افرادها بالقراءة عدا الكتب المدرسية الي88% ومثلما يخشي الناشرون من الركود, فالموزعون وهم الباعة المباشرون للكتب أكثر حرصا يقول محمود عبد العزيز مدير العلاقات العامة والتسويق باحدي دور النشر ان الكثير من الكتب تبقي في المخازن لوقت طويل جدا ويضطرون الي بيعها بالخسارة في أي سوق ثانوية مثل المعارض بالمحافظات, أو لقصور الثقافة,أو أسواق الكتب المستعملة مثل سور الأزبكية, ولكنه يضمن لنفسه هامشا من الربح من دار النشر مكسبي يتحدد اعتمادا علي نسبة الخصم, فأنا عندما أعرض لدار نشر معينة الكتب الصادرة عنها, وأعرضها لدي في الواجهة, فهذا يعد ترويجا وتوزيعا لها مقابل20 الي30% ويقول إن الكاتب سلعة تعتمد بشكل أساسي علي مسألة حقوق الطبع,فان السعر لايدخل مصدرا للتنافس بين الموزعين فالموزع يتميز عن الاخر في توفير كمية متنوعة من الكتب التي تناسب مختلف أذواق القراء في نفس المكان واذا كانت مدة بقاء السلع الأخري تعد مؤشرا مهما لاقتصاديات السوق في مدي رواج السلعة, فانه رغم صعوبة قياس الأمر بالنسبة للكتب, الا أن المدة التي يمنحها محمود عبد العزيز لبقاء الكتب في مكتبته كافية لمعرفة درجة الكساد التي تمر بها الصناعة يقول: أصبر علي الكتب من ستة اشهر لسنة قبل أن أجد لها تصريفةويكشف عن خصائص أخري مميزة لسوق الكتاب عن بقية السلع, ففي الوقت الذي يعد فيه تاجر السلع الغذائية أول كل شهر موعدا مثاليا لرواج سلعة, فان الزمن يصل الي عدة أشهر في حالة الكتب أهم موسم يحدث فيه رواجا في بيع الكتب هو شهور الصيف وذلك لتوافد العرب من الكويت والسعودية واليمن والسودان, وهم في توق شديد لشراء الكتب الممنوعة ببلادهم في حالات استثنائية وبالنسبة لبعض الزبائن ممن يعملون في مجال الصحافة والكتابة فانهم يستطيعون الحفاظ علي الانتظام وكان الحاج مدبولي يسجلهم علي النوتة. وعلي الرغم ان الناشر الحكومي يمكن عده خارج اعتبارات السوق لأنه ببساطة يبيع الكتب التي ينشرها غالبا بسعر التكلفة بعكس الناشر التجاري الذي يحدد سعر بيع الكتاب بناء علي مضاعفة سعر بيع التكلفة بهدف تحقيق فائض من عائد البيع أملا في آلحصول علي هامش ربح معقول يضمن له الاستمرارية في سوق النشر, الا ان مشروعا مثل مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة تلعب دورا كبيرا في سوق الكتاب. ففي رأي حلمي النمنم نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب أن الكثير من دورالنشرتعتمد علي مشروع مثل القراءة للجميع للحصول علي دعم من وزارة الثقافة: استمرار الكثير من دورالنشرالخاصة يرجع في جزء كبير منه الي شراء مشروع القراءة للجميع حقوق الطبع منهاوتصل نسبة الدعم من60 الي75% فاذا كان سعرالكتاب في السوق ثمانية جنيها فان مكتبة الأسرة تبيعه بين1,5 الي3 جنيهات ورغم ذلك يقوم الناشرون بمحاسبة المؤلفين علي أساس السعرالمدعوم المطبوع علي غلاف الكتاب بعد اعادة اصداره في سلسلة القراءة للجميع حلول لمواجهة أسعار الكتب مع ارتفاع أسعار الكتب, استحدثت الكثير من المكتبات ودور النشر في العالم طرقا شتي للسيطرة علي السعر المتزايد وجعل الكتاب في متناول القاريء, في معرض لندن للكتاب2009 لاقت ماكينة الطباعة الفورية نجاحا كبيرا لدي عرضها, والتي يمكنها ان تطبع وتغلف كتابا يصل حجمه إلي500 صفحة في وقت قصير لا يتعدي20 دقيقة, حيث تعتمد فكرتها علي تخزين الكتب بصورة رقمية ليقوم اي شخص بتصفح قائمة الكتب المتاحة واختيار ما يريد اقتناءه ليحصل عليه مطبوعا ومغلفا في خلال دقائق. كما تجد الكثير من دور النشر حول العالم طرقا لتخفيض السعر عن طريق استعمال نوع من الورق الرخيص والاستعاضة عنه بتصميم ذكي وجذاب للكتاب. وعن امكانية ايجاد حلول تخفض من تكاليف انتاج الكتاب يقول الزيادي: لكي تضمني جودة الكتاب والحفاظ عليه يتسني للقاريء الحفاظ عليه لمدة طويلة ومع مرور الوقت عليك الاهتمام بالغلاف فيجب ان يكون سميكا ومن خامات شديدة المتانة بالإضافة إلي الصور والألوان وكل هذا مكلف للغاية. ولكن ماذا عن القاريء العادي؟ يقول أحمد محمود طالب بكلية الآداب جامعة عين شمس, أنه رغم حبه لقراءة الأدب, لا يفضل الاحتفاظ بالكتب داخل البيت ويلجأ إلي التخلص منها أولا بأول. الانتقال إلي الأزبكية بهذه الطريقة ترتحل الكتب من المكتبات الفاخرة إلي اسواق الفقراء, فعندما يظل الكتاب مع رجل التوزيع مدة تتراوح من ستة أشهر إلي سنة تدخل الكتب في دورة اقتصادية جديدة, يكون الموزع فيها هو المنتج وبائع الكانتو هو تاجر التجزئه!! يتركز هؤلاء التجار في سور الأزبكية بالقاهرة, وفي شارع النبي دانيال بالإسكندرية, ويقومون بتوزيع الكتب المستعملة والقديمة بأسعار مخفضة. محمد حسين هو واحد من بائعي الكتب القديمة في سوق الأزبكية بالعتبة, يحصل علي كتبه من مصادر متعددة منها دور النشر والطباعة او من المكتبات الشخصية بالإضافة إلي المكتبات العامة والمدرسية والجامعية والطلبة يقول تعلن المؤسسات الكبري من وقت إلي آخر عن مزاد لبيع الكتب المتراكمة لديها منذ سنوات, مثلما فعلت دار الهلال منذ حوالي عامين, حيث باعت الراكد في مخازنها ب2000 جنيه في الطن.