أصدر الكاتب الأمريكي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما كتاباً جديداً بعنوان "أصول النظام السياسي" يضع فيه أسس وشروط تأسيس الديمقراطيات الجديدة في العالم بدءًا من العصور البدائية إلي وقتنا الحالي، ويدق ناقوس الخطر محذراً من خطورة سياسات المحافظين الجدد علي مستقبل الدولة الأمريكية. والكتاب الذي يقع في 526 صفحة هو الجزء الأول من بين مشروع يضم ثلاثة مجلدات تنتمي إلي فئة كتب الفلسفة السياسية ذات المستوي الرفيع مثل اللفياثان للفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز والعقد الاجتماعي لجون لوك، وينتهي الجزء الأول الذي يستكشف أصول النظام السياسي عند مرحلة الثورة الفرنسية. وفرانسيس فوكوياما -58 عاماً- يعد أحد أهم المحللين السياسيين والاقتصاديين الأمريكيين وقد ظل لفترة طويلة أحد الكتاب والمنظرين المفضلين لدي المحافظين الجدد هو مؤلف كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الذي أصدره عام 1992 وحوله من كاتب مغمور إلي أحد أهم الشخصيات في تيار اليمين المحافظ في الولاياتالمتحدة ولكنه أصبح منزعجاً الآن من سياساتهم التي قادت جورج بوش إلي غزو العراق والتسبب "برعونة منقطعة النظير" في الأزمة المالية العالمية التي ضربت الولاياتالمتحدة والعالم ولكن الأخطر من ذلك قيامهم بحملة شرسة ضد فكرة الدولة وتصويرها كعدوة للحرية وأنها صورة لفكرة اليوتوبيا الاشتراكية ويرمون إلي تقليص دور الحكومة الأمريكية بشكل كبير وتقليصها إلي ما كانت عليه في القرن التاسع عشر. وهذه هي النقطة التي يري فوكوياما فيها مكمن الخطر الذي يهدد الإمبراطورية الأمريكية بالسقوط ويصفه بالفيروس الذي سيقوضها بحسب رؤيته، فسقوط الدول والإمبراطوريات الكبري كان بسبب فشلها في تحقيق ثالوث فوكوياما المقدس الذس يقدمه كأساس للديمقراطيات الليبرالية في العالم وهو "دولة فاعلة، حكم القانون وحكومة عرضة للمسائلة". تمتلك الولاياتالمتحدة هذا الثالوث الذي أدي فشل الإمبرطورية الكونفوشية والعثمانية في تحقيقه إلي سقوطهم، ولكن المحافظين الجدد يعملون الآن علي تقويض أهم ركن في الثالوث وهو "الدولة" والأسوأ هو أنهم بدأوا ينجحون الأمر الذي بسقوط الإمبراطورية الأمريكية ولا يريد فوكوياما أن يكون له دور في تصوير الدولة كعدو لليبرالية والرأسمالية ولكن علي العكس فهو يري أن وجود الدولة أمر إيجابي وبلغة المحافظين يقول فوكوياما إن الدولة هي إحدي الدعائم الرئيسية التي يرتكز عليها النظام السياسي الذي بدونه تسلب الدول نفسها القدرة علي حماية أنفسها وخوض الحروب والفوز فيها وإدارة الموارد والتكنولوجيا، باختصار انتهاء (الدولة/ النظام السياسي) يعيدنا إلي عصور الوحشية. وتأكيداً علي فكرته يتتبع فوكوياما طريقة تأسيس الديموقراطيات الليبرالية ويستخدم عبارة جديدة وهي "الوصول للدنمارك" كنموذج للديمقراطية الليبرالية، فيقول إننا في الغرب نحصل علي حزمة من المميزات تعتبر بديهية لدينا أولها أننا نصوت لإنتخاب الحكومات، ونطمئن إلي أن حكم القانون سيظل قوياً وأن الفساد ستتم معاقبته وأننا سننعم بالحرية السياسية ولكن العديد من الدول في العالم لا تتمتع حقاً بهذه المميزات، وفي ضوء هذه الواقعة يحاول فوكوياما أن يدرس كيف تتطور الدول لتتحول البعض منها إلي ديمقراطية ليبرالية والبعض الآخر إلي نموذج سلطوي ويأخذ فوكوياما الصين كنموذج بارز علي هذا الطريق. ويجادل بأن الفيصل في الوصول للدنمارك يعتمد علي وجود الثالولث الذي يؤكد عليه في طول الكتاب وعرضه في حالة تناغم، فهذه هي الشروط الأولية لإقامة ديمقراطية. فبحسب رؤية فوكوياما التي يؤكد فيها أهمية "الدولة" يقول إن التحدي الأساسي أمام المجتمعات هو الخروج من الحالة القبلية، فالحالة القبلية تستجيب لضرورات اجتماعية معينة في التطور الاجتماعي ولكنها تعيق التقدم أيضاً إلي مسارات أخري. وفكرة فوكوياما هي أن الدولة تأتي لتقلص من سلطة العشيرة، رغم أنها تدرك بأنها لن تستطيع القضاء عليها ولكنها ستحد من سلطتها لتفتح المسار أمام التقدم الاجتماعي عبر الديمقراطية الليبرالية. ولكن تقف الصين عقبة أمام فكرة فوكوياما بأن التقدم يحدث عبر الديمقراطية الليبرالية، وهذه العقبة هي الصين، فهي أحد أكثر الدول ديكتاتورية ولكنها أيضاً أحد اقوي الإقتصادات في العالم ويعترف فوكوياما بقوة الصين ولكنه يقول بأن الصين رغم أنها مثال بارز علي الدولة السلطوية، إلا أنها وصلت إلي ما وصلت إليه عبر سلسلة من الصدف السعيدة.