يبدو أن الشهيد المبتسم الذي امتلأت صفحات الإنترنت والجرائد بصورته، لم يكن من أكثر الشهداء انتظارًا في المشرحة؛ حتى يتم التعرف عليه من ذويه، لاسيما أن هناك شهيدًا جديدًا ظلَّ بدمائه لأربعين يوما ينتظر هو الأخر ليُكشف عن هويته ويعود لملاذه الأخير. دشن مجموعة من أقارب وأصدقاء المهندس طارق عبداللطيف صفحة على الفيس بوك بعنوان: أطلقوا سراح طارق عبداللطيف محمد الأقطش، يطالبون فيها من لديه معلومات عن المهندس المختفي من يوم جمعة الغضب 28 يناير، الإدلاء بها لهم، بعد أن باتت أسرته لا تعرف لمن تلجأ، وبعدما أعياهم وأضناهم البحث عنه في كل مكان، بين الأمل المتضائل، وبين اليأس الذي بدا متفشيا لديهم كلما تطول المدة ولم يعثر عليه. تبددت كل آمال أهله ومحبيه في العثور عليه حيا، أو بالأحرى من بين المعتقلين، ليعلن عن صورة المهندس المفقود مضافًا لها لقب الشهيد، ومظللا على طرفها بالوشاح الأسود. الشهيد لم يكن ممن يعانون من البطالة، ولم يكن صاحب توجهات سياسية، بقدر ما كان يعاني كغيره من المصريين- مع أنه كان يعمل في شركة مرموقة- من عدم الشعور بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. وعندما تنسم رائحة الحرية في ثورة 25 يناير قرر أن يشارك فيها، أملا في حياة أفضل وسعيا منه لمحاربة الفساد وإصلاح البلد ومحاربة من نهبوا خيراتها، وكتموا صوت شعبها وشبابها، ولم يكن طارق يدرك أنه سيكون شهيدا للحرية، ويدفع حياته ثمنا لها. جاءت إرادة القدر أن يحصل على (باسبور )ناصع البياض مكتوب على أولى صفحاته أعظم لقب وهو: (الشهيد) ليهاجر إلى عالم الآخرة، لا إلى كندا التي كان ينوي أن يستقر فيها لعدم شعوره بالحياة الكريمة في بلده، ولعل ما يؤكد ذلك هي إحدى مشاركات الشهيد طارق عبداللطيف التي كتب فيها معرفا بنفسه وبطموحاته قائلا: أحب أضيف بياناتي طارق عبد اللطيف السن 36 المهنة مهندس متزوج و لدي طفلتان - مريم 6 سنوات وسارة 6 شهور أرسلت أوراق( الأبديت) للسفارة في فبراير 2010 في نيتي الاستقرار في تورونتو إن شاء الله. أنا في نيتي الهجرة إلى كندا لجميع الأسباب الإنسانية اللي حضراتكم عارفينها، وأهمها على وجه الإطلاق إحساسي بالخوف وأنا عايش في بلدي.إن شاء الله لو ربنا كتب لي الهجرة، أنا في نيتي الاستقرار في كندا نهائيا، وبالنسبة للعمل، طبعا هحاول أشتغل في مجالي، و لكن العمل في مجالي من عدمه بالنسبة لي ليس نهاية العالم - أي عمل شريف يكفي احتياجات أسرتي لا بأس به على الإطلاق. أيضا في نيتي إنشاء مشروع صغير أو العمل الحر، أعتقد أكبر تخوف لي من الفشل في الهجرة هو تخوفي من تربية الأبناء (مريم 6 سنوات و ساره 6 شهور) و هي دي الحاجة اللي ممكن تخليني أرحل من كندا نهائيا وساعتها أعتقد إني هحاول أتجه إلى الإمارات خصوصا أو أي دولة عربية مناسبة عموما وساعتها بردو هيكون في ذهني الوظيفة أو العمل الحر على حد السواء. لا أقول أن ما ذكرت صح أو خطأ، ولكن أقول هو اختيار شخصي، و ما ترتاح إليه نفسي مبدئيا على الأقل. بعد إجراء محادثة تلفونية مع داليا شاهين أخت زوجة الشهيد، أكدت انه تم العثور على جثة زوج أختها في مشرحة زينهم بعد اختفاء دام 40 يوما ، مصابا برصاصة 4 ملم في رقبته والتي كانت هي سبب الوفاة، بالإضافة لإصابتين في الرأس، وقالت إن قصة طارق تشبه قصة الشهيد زياد بكير الذي كان مختفيا أيضا من يوم 28 يناير، وأضافت أن طول مدة اختفاء الشهيد طارق مازالت مبهمة عندهم حتى الآن، لاسيما وأنهم قاموا بزيارة مشرحة قصر العيني الفرنساوي كثيرا قبل أن يحولوا الجثة لمشرحة زينهم، إلا أن مشرحة الفرنساوي كانت تقول لهم ليس لديها أى جثث مجهولة الهوية. قالت داليا ل "بوابة الأهرام" إنه-أي طارق- ظل مجهولا في مشرحة زينهم من يوم 26 فبراير، حتى تم العثور على بطاقته المقيد عليها عنوانه القديم في (جيبا سريا ) في ملابسه، أثناء تشريح الطبيبة التابعة للمشرحة للجثة، ومن هنا كان الخيط الذي وصلهم للشهيد يوم الأربعاء الماضي 9 مارس، حيث تعرفوا على الجثة بصعوبة نظرًا لتغيير ملامحها، خاصة وأنه استشهد يوم 28 يناير الماضي. أكدت شاهين أن ما كتبه طارق وما كان ينتويه من الهجرة لكندا كان صحيحا، قائلة:"ده كان خلاص فاضله شوية ويحصل على الموافقة للسفر، لكن دي إرادة ربنا". أكد قاسم شاكر ابن خال الشهيد لبوابة الأهرام، أنه حتى الآن لم يتم تسلمهم للجثة ليتم دفنها، حيث إنهم في انتظار إصدار تحليل الDNA الخاص بالشهيد، الذى لا يزال حتى هذه اللحظة فى مشرحة زينهم. فور إعلان خبر استشهاده ملئت صفحته، بجميع صور النعي والاحتساب والدعاء إلى الله أن يسكنه الفردوس الأعلى، وإذا كان نعي المقربين من الشهيد يحمل الكثير من الألم والذكريات، وطلب القصاص العادل من القتلة، فإن هذا المطلب تكرر ممن لا يعرفونه، مرددين هذه الكلمات: في جسمى نار ورصاص وحديد علمك في ايدى واسمي شهيد.