الأحد المقبل.. "المخاطر الإلكترونية وطرق التصدي لها" ندوة ب"إعلام عين شمس"    بنك مصر يرعى البطولة العربية العسكرية الأولى للفروسية    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    خلال جولته بالمنشاة.. محافظ سوهاج يتفقد مشروعات تطوير الريف المصري بقرية "الدناقلة"    «حماس»: لم نطلب الانتقال إلى سوريا أو إلى غيرها من الدول    الزمالك يتلقى خطاب بإيقاف القيد وحالة واحدة تنقذه    إصابة سيدة في حريق حظيرتي مواشي في بني سويف    تبدأ 1 يونيو.. جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 علمي وأدبي (تفاصيل)    للمرافعة.. تأجيل محاكمة المتهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لجلسة 25 يوليو    هنا الزاهد تروج لفيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بردود أفعال الجمهور    «الأطفال والحوامل وكبار السن الأكثر عرضة».. 3 نصائح لتجنب الإصابة بضربة شمس    فانتازي يلا كورة.. من حصد نقاط "Bonus" في الجولة 34؟    ريهام العادلي تكتب: ذكرى تحرير سيناء .. وعظمة الانتصار المصري    عاجل| الدفاع الإسرائيلي: تم القضاء على نصف قادة حزب الله بجنوب لبنان    سفير بكين بالقاهرة: الصين تساهم بنسبة 30% فى النمو الاقتصادي العالمي    المرصد الأورومتوسطي: اكتشاف مقابر جماعية داخل مستشفيين بغزة إحدى جرائم الحرب الإسرائيلية    ثقافة وسينما وموسيقى.. نشاط مكثف ل الأوبرا نهاية ابريل (تفاصيل)    أوبرا دمنهور تحتفل بعيد تحرير سيناء الأحد (تفاصيل)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    بعد الموافقة عليه.. أهداف هامة لقانون "التأمين الموحد"    مايا مرسي تشارك فى ندوة "الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادى للمرأة"    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    120 ألف وظيفة حكومية جديدة في تخصصات مختلفة.. اعرف موعد التقديم    خبراء استراتيجيون: الدولة وضعت خططا استراتيجية لتنطلق بسيناء من التطهير إلى التعمير    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالحفر والتنقيب غير المشروع عن الآثار    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    في ذكرى تحرير سيناء.. المؤتمر: أرض الفيروز بقعة مقدسة لمصر    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    توقعات علم الفلك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تعرف علي موعد عرض مسلسل نقطة سوداء    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    الصين تكشف عن مهام المركبة الفضائية «شنتشو-18»    الكشف على1017 مواطنا في 10 عيادات تخصصية بالإسماعيلية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    أبومسلم: وسام أبو علي الأفضل لقيادة هجوم الأهلي أمام مازيمبي    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة‏25 يناير تنجب شهيدين جديدين
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 03 - 2011

بعد اختفاء دام أكثر من‏45يوما عثرت أسرتا أشهر مفقودين في مصر خلال ثورة‏25يناير‏,‏ وهما مهندس البترول طارق عبد اللطيف‏,‏ والفنان التشكيلي زياد بكير‏,‏ علي نجليهما مجندلين بدرجين داخل مشرحة زينهم‏. وقد ضاعت معالمهما, ولم تتحدد هويتهما إلا بعد الاستعانة بتحليل الحامض النووي(DNA).
هذا الكشف المفاجيء عصف بوعود كاذبة تلقتها الأسرتان من قبل من مسئولين كبار في الحكومة السابقة, وأشخاص متورطين بجهاز أمن الدولة المنحل, بأن ابنيهما مازالا في عداد الأحياء, لتتحول بذلك آمال الأسرتين الي سراب, يتجرعون معه مرارة الحزن, ولوعة الألم, ليس فقط لفقد الأحبة, ولكن المدي الاستخفاف الذي عوملوا به, من قبل عناصر في الحكومة السابقة, والنظام البائد, لدي تعاطيهم مع ملف المفقودين, الذي مازال متخما بأسماء ثلاثمائة مواطن, لم يتم تحديد مصيرهم حتي الآن, مااستدعي غضبا شديدا من المواطنين خلال تشييع جثمان الشهيدين الاسبوع الماضي الذي رفعوا شعار القصاص.. القصاص و رمي مبارك والعادلي بالرصاص.
تحقيق: عبد الرحمن سعد
طارق عبد اللطيف محمد الأقطش.. هذا اسمه.. مهندس بترول بشركة أجنبية.. عمره36 سنة.. متزوج من رانيا شاهين.. رزقهما الله بمريم6 سنوات, وسارة سنة واحدة.. الأسرة ميسورة الحال, وتقيم بالمعادي, ولديها أكثر من سيارة, كما أن مريم تدرس في مدرسة أمريكية باهظة التكاليف.
طارق له ثلاثة من الأخوة هو أصغرهم.. فهناك خالد, وهو مهندس بشركة اتصالات, ومحمد الذي يعمل مهندسا متنقلا بين مصر والخارج.. أما الوالد فهو لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة, حضر حروب مصر جميعها, وهو عضو بجمعية المحاربين القدماء, لكن هذا لم يشفع له, كي يتم الرد عليه في التماسين قدمهما للمجلس الأعلي للقوات المسلحة, ووزارة الداخلية, يطلبهما فيه بكشف مصير نجله, فيما لم تتوقف مآقي والدة طارق عن ذرف الدموع حزنا عليه منذ سماعها النبأ الأليم.نحن فخورون بطارق, ونحتسبه عند الله شهيدا. هكذا يقول شقيقه خالد عبد اللطيف( مهندس بشركة اتصالات), مضيفا: لكننا نطالب بتكريمه ضمن شهداء الثورة, وأن نعرف المتسبب في مقتله, وأن يتم القصاص منه.
ولكن ماذا حدث ابتداء؟ وكيف اختفي؟
تجيب زوجته( رانيا شاهين, مهندسة ديكور): يوم27 يناير كان يوم مولده.. توفي بيوم.. كان أتم36 سنة.. أما البداية فكانت مع25 يناير, عندما تابعت دعوة علي الفيس بوك للتجمع للمظاهرات, بدأت أحدث طارق عنها, ورتبنا أنا وهو أن نشارك فيها, لكنه قال: ربما كان اعتصاما محدودا, وظل طول الليل يتابع الأمر علي النت, وتوقع أن الأمر صار مختلفا, ويوم الأربعاء استأذن صباحا من العمل, وقام بعمل جولة بالسيارة بأنحاء القاهرة, لمعرفة هل ستندلع مظاهرات أخري, وكان قد تم تفريغ ميدان التحرير من المتظاهرين مساء وتضيف: يوم الجمعة ارتدي ملابسه صباحا للصلاة بنية المشاركة في جمعة الغضب, حيث صلي بمسجد مصطفي محمود, وبعد انتهاء الصلاة لم يعد.. كانت الاتصالات الهاتفية مقطوعة, فأبلغت أخاه بأنه لم يعد, ولم يكن هناك سوي الخطوط الأرضية, فلم نستطيع الاتصال بأصدقائه طارق ليس له أي انتماء سياسي تضيف بل قلما كان يتحدث في السياسة, لكن لم يكن يعجبه حال البلد, خاصة أنه ميسوري الحال كانوا يجدون صعوبة في العيش بشرف وكرامة, وبرغم ذلك نحن لدينا البيت والسيارة وابنته تذهب لمدرسة أمريكية, وكان قد انتهي من تجهيز أوراقه للذهاب لكندا, أما هوايته فالقراءة الدائمة, وأحب كتاب الي قلبه: لا تحزن لعائض القرني, وكان أشد ما يكرهه الفساد, والحس البلطجي المتنامي في التعامل بين الناس.
هنا يقول شقيقه خالد: منذ يوم السبت29 يناير الذي أعقب جمعة الغضب بدأنا جولات علي المعارف, والمستشفيات, والمشارح.. توجهنا الي جميع المستشفيات.. كنا ننظر في القوائم, ونسأل عن الجثث المجهولة, وشملت رحلة البحث: أمن الدولة, ومديرية الأمن, والنيابات والمخابرات العسكرية والعامة.. ولأن الوالد كان من المحاربين القدماء فقد قدم التماسين لوزيري الدفاع والداخلية, دون أن يرد عليه أحد, حتي بعد اكتشافنا الجثة.
عرفت أن طارق مفقود يقول محمد عبد اللطيف الشقيق الأكبر لطارق, وهو مهندس يعمل بالخارج. ويضيف: بدأنا البحث عن طارق بين المعارف, وعلي المستوي العادي كانوا يخبروننا بأن اسمه غير موجود في أي مكان.. وعلي المستوي الرفيع في الدولة كانوا يؤكدون أنه موجود وتم القبض عليه بمعرفة أمن الدولة( المنحل), وأنه أفرج عنه من سجن وادي النطرون, أو أنه موجود في الحتة الفلانية, أحمد أمين ابن خالة طارق يقول: نزلت من عملي في الزمالك بعد العصر, ووصلت الي المشرحة في الخامسة, واصطحبت معي ابن خالي لأنه طبيب.. أخرج لنا عامل المشرحة الدرج, فتمكنت من معرفته, وأكد لي ابن خالي الأمر.. كانت هناك آثار طلق ناري في الرأس, وآخرفي الرقبة كان هو سبب الوفاة, بحسب تقرير الطبيب الشرعي..
وتبين لنا يقول محمد عبد اللطيف : أن الوفاة حدثت يوم28 يناير, في ميدان التحرير.. وفي صباح الأربعاء8 مارس الحالي ذهبت أنا وأحمد الي قصر العيني الفرنساوي الذي قيل إنه تم تحويله منه, فتبين أنه دخل إليهم في الثانية عشرة مساء28 يناير متوي, حيث نقلته سيارة مجهولة بدون أرقام, الي أن تم نقله يوم26 فبراير الي مشرحة زينهم, حيث أعطي وكيل النيابة إذنا بتشريح جثمانه, وخلال التشريح وجدوا هويته في جيب بملابسه, لم يفتشوه من قبل في. قصر العيني, فتأكدنا أنه طارق بعد إجراء اختبار الحامض النووي(DNA) صباح اليوم التالي
يومها ليلا يواصل محمد تلقيت اتصالا هاتفيا من أحد الوزراء المهمين في الحكومة الحالية يؤكد أنه وضع يده علي طارق, وأنه حي, وموجود في سجن وادي النطرون ضمن مجموعة تم التعتيم عليها, وبحسب تعبيره: شوية وهيطلع ماتقلقوش فأبلغته بأنه موجود في مشرحة زينهم حاليا.. لكنه أصر.. مش هو الموجود! تم نقل الخبر للوالد والوالدة مع التذكير الدائم بأن الصبر عند الصدمة الأولي, كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم, يقول خالد عبد اللطيف مضيفا: أعلنا العثور عليه شهيدا بإذن الله في صفحته علي الفيس بوك. ويتابع: كنا قد وصلنا الي الدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب السابق, فأخذ اسم طارق وفي اجتماعه بالفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق اعطاه الاسم فكان رد شفيق: أنا ما أعرفش المفقودين فين ومع كل الاحترام لشخص الفريق, فأنت كنت رئيس وزراء فكيف لا تعرف ومن إذن يعرف؟ ونسأل من؟ ويضيف أحمد: كنت علي اتصال يومي بمكتب الفريق أحمد شفيق, وظللت أهاتفه قرابة اسبوعين فلم اطلع بأي نتيجة.ويتابع خالد: كذلك أبلغنا الشئون المعنوية للقوات المسلحة, وسلم الوالد التماسا في وزارة الدفاع وآخر لوزارة الداخلية, كما قدمنا بلاغات باختفائه الي كل من نقابة المهندسين, ومنظمات حقوق الانسان وائتلاف الثورة.. إلخ. لم يرد أحد علي التماسي الوالد يضيف خالد بينما كانت النيابة هي اكثر جهة رسمية متعاونة معنا, فلم يبخلوا علينا بأي معلومة واطلعونا علي الحقائق كاملة وكيف أن الشهيد كان قادما من ميدان التحرير, لكنه قتل بالرصاص.. علما بأن نيابة السيدة زينب بمجمع محاكم جنوب تتولي التحقيق حاليا في القضية, باعتبارها جريمة قتل عمد, وسوف توجه الاتهام فيها بالتأكيد للداخلية, وحتي للرئيس السابق إذا ثبت أنه هو من أصدر الأمر بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين.
ما المطلوب الآن؟
يجيب محمد عبد اللطيف: نريد للعدالة أن تأخذ مجراها وأن يتم القصاص من المتسبب في هذا الموضوع من أوله لآخره.. لأن هذا حقنا.. كما أنه مطلوب تقدير الشهداء, بأن يأخذ كل شهيد حقه في التكريم ماديا ومعنويا وإطلاق اسمه علي أحد الشوارع مع صرف المعاش الاستثنائي الذي قررته وزارة المالية لأسر الشهداء وصرف التعويض المقدر بخمسين الف جنيه. أنتظر التكريم.. فهذا مايخلد ذكراه ويكفيني شرفا أن بناتي عندما يكبرن سأقول لهم إن أباكن شهيد, وإنهن سيفخرن بأبيهما, وسيرفعان رأسيهما.. ويكفي قاتليه خزيا أن أبناءهم عندما سيكبرون سيجدون الناس تشير لآبائهم علي أنهم قتله وفاسدون الكلام لرانيا زوجة الشهيد التي تضيف: التكريم المعنوي مهم جدا, ليرسخ في ذهن الصغار أنهم يسكنون في شارع يحمل اسم أبيهم, لأنه استشهد لصالح هذا البلد, وأقترح أن يكون الشارع الذي نقطن به في المعادي أو أي شارع يرتاده ابناؤه تكريما لأبيهم. تتابع رانيا: الاهتمام الرسمي بالشهداء في الفترة الحالية غير كاف, والمفروض أن دمهم غال.. والمطلوب ايضا تقديم اعتذار رسمي من وزارة الداخلية مع الشفافية في التحقيقات وأن تخضع للعلنية.. مش علشان وزير داخلية يتعامل معاملة خاصة.. هذا كان لقبا سابقا.. أما الان فهو مواطن متهم بالقتل والفساد.
زياد محمد بكير فنان تشكيلي, ومصمم جرافيك في دار الأوبرا المصرية.. شارك في جمعة الغضب, بعد نصيحة من شقيقته ميريت المقيمة في ألمانيا بضرورة المشاركة, لكنه خرج ولم يعد, وطوال أكثر من45 يوما ظلت الأسرة تبحث عنه في المستشفيات والأقسام والنيابات دون جدوي, حتي عثرت عليه بعد جهد بمشرحة زينهم, ليتم تشييع جنازته عصر الثلاثاء8 مارس الجاري من مسجد عمر مكرم, وسط مطالبات غضبي بالقصاص من قاتليه.
تصف سوسن محمود فؤاد والدة زياد ابنها بأنه أخذ الاتجاه الذي كان نفسي فيه, وهو الاتجاه الفني, فقد وجدت لديه العمق في الإحساس, وفعلا نجح وكان رائعا في فنه, ومبدعا في دراسته, وكأم أطالب الآن بحق زياد, فقد نزل, ليعبر عن رأيه بشكل سلمي, برغم أنه كان أيضا, حرارته مرتفعة, حتي سألني: هل أنزل؟ فقلت له مشجعة: طبعا.. لكن خذ الدواء.. فأجاب: سآخذه عندما أعود.. ولم يعد.. فهل كان ذاهبا لمحاربة إسرائيليين, حتي يعود مقتولا؟
ومن الذي أقنعه بالمشاركة في الثورة منذ بدايتها؟
إنها ميريت شقيقته التي تقيم في ألمانيا من أجل الحصول علي درجة الدكتوراه. تقول: منذ قبل25 يناير, وأنا أتابع الأحداث في مصر من ألمانيا.. وفي تلك الليلة, وأنا أتابع الفضائيات أحسست بأن هناك بوادر ثورة حقيقية في مصر.
وتضيف: بدأت أتابع تجهيزات الشباب علي النت لجمعة الغضب.. قيلها بيوم حدثت مكالمة هاتفية بيني وبين زياد, فأقنعته بالنزول للمشاركة.. اقتنع بل وقال لي: أنا فخور بك.
لاحقا علمت من والدتي خلال محادثة علي الهاتف الأرضي بعد أن قطعت الحكومة خدمة الفيس بوك.. ثم تويتر.. ثم الإنترنت.. ثم الهاتف المحمول أن زياد لم يعد.. تلك كانت أول مرة يبقي ليلته خارج البيت, شعرنا بالفزع, فقررت النزول فورا الي مصر, وبعد حجز التذكرة من لايبسك في فرانكفورت الي القاهرة, تعرضت الرحلة للإلغاء, فبت ليلتي في المطار في انتظار أي طائرة تقلني إلي الوطن.
كان إحساسي هو ضرورة الوجود في مصر.. تضيف: كنت أقول من قبل إن هذا الشعب مات.. لكنه أثبت أنه لم يمت.. كنت أنتوي البقاء في أوروبا لكن بعد الثورة وظهور المعدن الأصيل للمصري قررت البقاء في بلادي.
قرابة السادسة صباحا جاءت طائرة الي المطار الألماني بأمر من المستشارة الألمانية لتنقل الألمان العائدين من مصر.. ركبتها, وتوجهت إلي ميدان التحرير مباشرة.. اعجبني الروح الثورة, والنقاء الأخلاقي, للمعتصمين في الميدان, ولفت نظري أنهم من جميع التيارات والطوائف.
كان حلمي ان يتحرك الشعب المصري, وها هو يتحرك في ميدان التحرير رأيت المدينة الفاضلة التي طالما حلمت بها.. كان إحساسا رائعا.. لكن كانت هناك غصة ومرارة في حلقي, لأنني كنت ابحث عن اي خيط يقودني الي أخي وسط المحتشدين في الميدان.. عندما توجهت الي منزل الاسرة فوجئوا بمجيئي, ولاحقا عملت صفحة علي الفيس بوك للمفقود زياد بكير, حظيت بتعاطف غير عادي.
هذا يلتقط سيف الدين بكير( شقيق زياد, ويعمل مراقب جودة) طرف الحديث قائلا: بدأنا أنا والوالد عملية مسح شامل منذ الاحد30يناير للمستشفيات والمشارح والنيابات.. كانت المستشفيات مرتبكة, ولا تعتمد علي دفاتر دخول. طفنا بنحو ثلاثين مستشفي.. دون ان نعثر له علي أثر.
ويضيف سيف: حينها طلبنا المساعدة ممن نعرفهم بعضهم علي اتصال بمسئوين كبار.. البعض اخبرنا بان زياد موجود.. البعض قال: اطمئنوا.. سيخرج بعد ايام.. نحن نقرص له اذنه فقط.. في حين قال ثالث: هو بخير وراجع لكم بعد ايام.
لكن زياد لم يرجع, فبدأنا يضيف تكثيف الجهود والاحاديث لوسائل الاعلام المختلفة, وفي المقابل بدأت مكالمات تهديد تأتي إلينا: انتم زودتموها.. شكلكم مش عاوزين تشوفوا ابنكم.
وفي يوم الاربعاء9 مارس تلقينا مكالمة من رانيا شاهين زوجة طارق عبداللطيف تخبرنا بعثورها علي زوجها في مشرحة زينهم, لكنه مسجل ببيانات خاطئة.. قلنا: طيب مانروح إحنا كمان.. وبالفعل ذهب سيف صباح الخميس الي المشرحة, وتم عرض سبع مجهولة جثث عليه, وكانت المفاجأة.
يروي سيف: في البداية لم اجد زياد بينهم, لكن عندما هممت بالانصراف قال لي عامل المشرحة: طيب تعالي شوف ده.. ده من يوم3 فبراير عندنا.
رأيته فشككت بنسبة 30% في أنه زياد.. خرجت برة, ورجعت تاني, وفتح لي العامل الثلاجة مرة اخري, فارتفعت عندي نسبة الشك الى 40% عدت للمنزل, وقلبت في صور زياد, باحثا عن علامات معينة في جسده.. ثم عدت إلي المشرحة, فتأكدت انه هو.. اغمي علي لبرهة, ثم وقعت علي الارض, وتلوث بنطالي بارضيتها, فصرخ الطبيب بضرورة غسله, وتعقيمه.. لقد كانت معالم زياد متغيرة تماما لكنني عرفته من كسر بسيط في اسنانه.. خرجت بسرعة, وحررت محضرا بقسم السيدة زينب.
وأبلغت والدتي لاحقا بالنبأ فأصرت علي الذهاب للمشرحة.. هناك عرفته من( فورمة قدميه). كما تقول وظهرت النتيجة المؤكدة بأنه زياد, بعد أن أمرت النيابة بعمل تحليل الحامض النووي, فيما حدد الطبيب الشرعي ان وفاته كانت يوم28 يناير, بطلق ناري أصاب جانبه الأيمن.
ليلتها يواصل سيف تلقيت مكالمة عجيبة من شخص قال لي بثقة إن زياد ما زال حيا, ومن رأيته ليس هو.. وإن ضابطا من جهاز مباحث أمن الدولة المنحل سيتصل بك باكرا, وسيجعلك تكلم زيادا.. فلم أتمالك نفسي, وشتمته, وأغلقت الخط في وجهه.
هنا يقول والده محمد بكير: قضينا45 يوما في قلق وتوتر, وكنا نتلقي مكالمات من أرقام بعضها كان يظهر, وبعضها(private), كانت ترفع معنوياتنا, حتي إننا أزلنا صفحة زياد من علي الفيس بوك ذات مرة استجابة للمتحدث.. فلماذا هذه الطريقة الدنيئة في التلاعب بمشاعرنا, وإخفاء الحقيقة؟ ومن الذي أدار الموضوع بهذا الأسلوب الرديء؟
يضيف محمد بكير: لقد تسبب من اتصلوا بنا في إخفاء الحقيقة عنا طيلة45يوما ذهبت في البحث عنه بلا طائل بينما هو مقتول.. هذه المكالمات لغز لم نستطع فكه, وبالتالي تقدمت الأسرة ببلاغ للنائب العام للتحقيق في القضية, وكشفنا عن أرقام الهواتف التي اتصلت بنا, وتحقق النيابة في البلاغ حاليا, وقد تمكنت من تحديد أسماء الأشخاص الذين كانوا يتصلون, والجهة التي يتبعونها, لكن السؤال الآن: من قتل زياد؟ ومتي يأخذ هذا القاتل جزاءه؟
نطالب بتحقيق شامل في الموضوع. تقول والدة زياد.
كان لزياد معرض فني قبل الثورة في دار الأوبرا, كما يكشف زميله بالدار سامي الدسوقي, مضيفا: سنقيم معرضا آخر لأعماله, باعتباره شهيد الأوبرا مشيرا إلي أن الفقيد كان هادئا, ويحظي بتقدير جميع زملائه. ومن جهته, يشيد محمد شحاتة( زميل زياد بالأوبرا أيضا) بأخلاقه, قائلا: فقدنا زميلا غاليا, وما حدث مع جسده الطاهر من تأخير العثور عليه عمل غير آدمي, مشددا علي أنه فنان محترم, ويحب بلده, وسيتم إطلاق اسمه علي إحدي قاعات الأوبرا, تكريما له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.