إنه الاستفزاز يا سادة.. هو ما يجعلنا نضع الأحداث على "التريند" ونرفعها لتصبح "نمبر وان" ثم لا نرفع عنها الضوء. إذن، من الذي فعلها؟ من الذى نشرها وسوقها وجعلها تصعد لكي تكون رقم واحد في الجدل على السوشيال ميديا؟.. ومن ساعد على تفشيها؟! أو لنسأل السؤال بطريقة أخرى.. هل الاستفزاز يكفي لجعل حدث ما "تريند" على منصات التواصل الاجتماعي؟! قبل الإجابة عن السؤال.. لنرجع إلى الوراء قليلًا.. نأخذ نفسًا عميقًا ثم نفكر في موقف كان مشهورًا في منتصف شهر رمضان الكريم، ففي الحلقة رقم 13 من مسلسل نجم مشهور تلازمه صفتي الجدل والاستفزاز.. يدخل زبون إلى المحل الذي يعمل فيه.. والزبون يشبه الفنان إسماعيل ياسين ويقلد حركاته.. ويرفض الزبون دفع ثمن ما اشتراه بدعوى أنه فنان مشهور.. يوبخه بطل العمل الدرامي ثم يسخر من حركاته.. ثم تنتهي الحلقة. بعد انتهائها.. التفت لمن كان بجواري وقلت: اليوم ستكون هناك حفلة على هذا الفنان فى السوشيال ميديا، وسيركب التريند في مصر.. لسبب بسيط لأنه استفز مشاعر الحب عند العوام تجاه الفنان إسماعيل يس. ما قلته ليس ذكاءً خارقًا ولا ضربًا بالودع ولا قراءة للطالع.. ولكنها حيلة معروفة وقراءة لحال التفاهة والاستفزاز وكيفية صنع التريند. بعد الحلقة – كما توقعت وغيري - أثار المشهد حفيظة عائلة الفنان الراحل إسماعيل ياسين، بدأت العائلة في التعليق.. ثم بدأت كرة الثلج في التدحرج، وانضم للتحفظ على المشهد عدة شخصيات عامة أخرى.. بدأت برامج القنوات الفضائية في العمل والمواقع الإخبارية فى النشر.. الكل يتحدث عن حالة الجدل التي حدثت في الحلقة رقم 13.. الكل يستضيف من يشرح ومن يفند ومن يرد.. وبطل العمل الدرامي يعيش في حالة انتشاء واحتفال بتصدر أخبار مسلسله الفضائيات والمواقع.. وتصدر اسمه عناوين الإثارة. خطة محكمة في الخبث واللؤم نعرفها ونحفظها عن ظهر قلب ولكننا للأسف نقع في فخها كل مرة. شخصيًا لم أرغب في التعليق بمقال أو حتى منشور على فيسبوك أو تويتر.. كنت أعلم أن الموجه الاستفزازيه ستنتهي قريبًا، وقفت من بعيد لأراقب في صمت.. ولأن المشهد مصنوع بحرفية.. ولأنهم محترفون فبالتالي، بالتأكيد سيكون الحل أو التبرير أو الشرح في الحلقات التالية في نفس المسلسل بنفس الاحترافية.. وقد كان. خطط الاستفزاز تتكرر بأشخاص آخرين ووبصفات مختلفة ومواقع مختلفة، لكنها بنفس الصورة الكربونية التي نحفظها جيدًا.. فنانة تخرج تتحدث عن بطانة فستانها.. ثم تخرج مرة أخرى بعد استغلالها من قناة عربية للتحدث عما هو أكثر من البطانة.. كل الأطراف ستستفيد من هذه الخطة، الفنانة بكثرة الجدل والقناة العربية بزيادة عدد المشاهدين والمذيع المحاور بدخوله دائرة جديدة من دوائر الضوء والجدل. الشاعر هشام الجخ استفز الناس بكلمة غير لائقة في قصيدة له عن نساء القدس.. واستفزهم مرة أخرى بإعادة نشرها، فصار تريند.. ومعلق رياضي يستفز الجماهير فيصبح تريند.. مذيع يهين الشعب المصري فيصير تريند.. مطرب ليس له صوت يمكنه من الطرب يصير تريند.. وكاتب يريد أن يشتهر ويذاع صيته فيتعرض لآيات القرآن الكريم أو يسب البخاري.. ومحل يريد زبائن كثيرة يبيع البيض المدحرج ب 30 ضعف قيمته... إلخ. ولذلك قيل في المثل الشهير: "خالف تعرف" والمعنى كلما اتجه الناس يمينًا اسلك أنت اليسار.. وكلما أشاروا ناحية الشمس أشر أنت ناحية الظلام.. كن معترضًا مزعجًا سخيفًا.. والسباب على السوشيال ميديا يصنع منك بطلًا أو يجعلك تظهر على التريند.. وقد تتحول إلى "نمبر وان". والاستفزاز، كلمة السر التي تحول الجريمة إلى تاريخ، والإزعاج إلى نغم.. والشهرة إلى نجومية.. والسخافة إلى كوميديا.. والهيافة إلى جدل.. والتفاهة إلى حكمة.. وماء الصرف إلى ماء عذب. تويتر: @AhmedTantawi