د. مصطفى عبدالوارث هو في عالم الشعر "صرخة فجرية الميلاد"، عاشق للنور يسبح فوق أجنحة السنا.. شهد له كبار النقاد بالشاعرية والرومانسية الشفافة، ورهافة العاطفة، والانفعال الخلاق بالطبيعة؛ يوظف من مرائيها ما يصنع به في شعره عالمًا من البهاء: المساء والضياء، النور والصفاء، والمطر والماء، الطير والرياض، الجداول والنخيل والشجر، الفجر والنجوم والقمر... كاشفًا عن قلب شاعر متوهج المشاعر، رقيق الحس لا زيف فيه. من يقرأ شعره يدرك مدى الارتباط وعمق العلاقة بينه وبين بيئته ومهاد نشأته: "فهنا عشقت طفولتي وصباي والريف المرفرف ظله فوق النخيل" ومن يعرفه يعرف أن روحه لم تبرح قط مسقط رأسه "دلهمو"، وإن فارقها بالجسد، وعندما عنها اغترب في السفر الطويل البعيد قال: " أبدًا لم أنسكِ يا نهرًا يتدفق يسقيني عذبه لم أنس الوجه الأسمر يرْ وِي الأرض ويحتضن الحبة ... يا صوت العشق الدافئ طي رُك مجنون ينسى لبَّه ... جربت الغربة يا أمي وعرفت جراحات الغربة" ويفيض حب الكنانة كلها في وجدانه فيضًا – في غربته – فيشدو قصيدته الزهراء "لهفة طائر الغروب" آيةً لحقيقة حب الوطن في فؤاد الشاعر، وصدق المشاعر، ودفق العاطفة كموج جارف هادر: "مدي يديك فهذه أحضاني تهفو إليك بلهفة الولهان .... يا مصر، يا نبض الفؤاد ونوره ال أسني يضم هواي في تحنان يا مصر.. أنت حبيبتى.. وحياة رو حي، من سواك يضيء في جناني؟! وهواي أنت.. وعمري الوهاج أن ت، ومن حنانك نابض شرياني" ... ويستمر فيض النهر العذب مورده حتى ينهي الدفقة الشعورية بالنداء الكاشف المتلهف: يا موطنا..هو في ضميري قصة للحب، أرويها لكل زمان إني مددت لك الفؤاد تلهفا فتقبليه، وعانقي أحضانى. ولعل أهم سمة تلقى قارئه هي "البساطة الآسرة" بادية في "تلقائية التعبير" و"عمق المعنى" و"بلاغة التصوير" دونما تكلف أو تعقيد أو معاظلة. من تمكنه من لغته وبناء صوره ينشأ الشعور بأصالة الشاعرية، صوت مبدع مجدد، تجد في بعض قصائده أنفاس نزار وجويدة والشابي وغيرهم من عيون الشعراء، لم يقعْ أسير تراثه الشعري القديم منذ امرئ القيس والكوكبة الجاهليين ومن تلاهم، فيقولَ شعرًا جامدًا محصورًا في قضايا عمود الشعر ووحدة القافية، بل كان ابن عصره وزمانه في شعره وبيانه، يعالج أحداث ومشكلات وقته، مرهف الحس لكل جديد مستحدث، عميق الرؤية ثاقب البصر، يستشفف الغيب مثلًا في قصيدته "ماذا يكون سوى السفر" وينفذ إلى الحقيقة الخالدة: ماذا يكون سوى رحيلي حاملا حزني إلى درب يضمد جرحيه ... فأنا غريب فوق دربي لا يُصَا حِبُني سوى ومضات نور مكتئب و يا عبد الحسيب: حتي ولو ضم التراب رفاتنا ستظل رحلة حبنا رغم التراب.