ما فعله الرهبان الإثيوبيين عبر اعتدائهم على دير السلطان التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالمدينة القديمة بالقدس برفع علم بلادهم على الخيمة التي نصبوها داخل دير السلطان المملوك للكنيسة بالقدس، مع إبلاغ الجهات الرسمية بالواقعة، أعاد فتح ملف هذا الدير التاريخي حيث لم تنقطع الرهبنة القبطية المصرية في الأراضي المقدسة ولم يخلو الدير إطلاقاً يوماً من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن، على الرغم من استضافة الرهبان المصريين لنظائرهم الأحباش لمدة 3 قرون، لعجزهم عن دفع الضرائب المُقررة عليهم، لكنهم كانوا يثيرون قضية النزاع على الملكية في العديد من المناسبات حتى أصدر السلطان العثماني عبدالحميد حكما بتثبيت ملكية دير السلطان للأقباط الأرثوذكس، لكن السلطات البريطانية رفضت تسليم الدير للكنيسة المصرية، ونتيجة رفض تسليم الدير للكنيسة المصرية قرر المجمع المقدس في مارس 1980عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس، لحين استعادة الكنيسة رسميا دير السلطان بالقدس. الأهمية التاريخية والدينية للدير يحظى دير السلطان الذي أعاده صلاح الدين الأيوبي للأقباط، بعد تحريره من القوات الصليبية، بأهمية خاصة عند المسيحيين عامة والأقباط خاصة، نظرًا لكون ساحة الدير تقع فوق كنيسة القديسة "هيلانة"، وفي الزاوية الجنوبية الغربية منها تقع كنيستان تاريخيتان، الأربعة كائنات الروحية غير المتجسدة، والملاك ميخائيل، والكنائس الأربع تعد الطريق للوصول إلى كنيسة القيامة الشهيرة، مقر قبر المسيح عليه السلام، كما أن للدير مكانة خاصة عند المسيحيين الأقباط، لأنه يعد بمثابة طريقهم المباشر للوصول من دير مار أنطونيوس، مقر البطريركية المصرية، والذي يؤدي أيضا إلى كنيسة القيامة. يقع دير السلطان، المسمى نسبة للسلطان صلاح الدين الأيوبي، داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، في حارة النصارى بجوار كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة، تبلغ مساحته حوالي 1800 متر، وأهداه السلطان صلاح الدين الأيوبي للأقباط لإخلاصهم، وتقديرا للدور الوطني الذي لعبوه في المعارك ضد الجيوش الصليبية التي احتلت القدس. كما أن للكنيسة المصرية تاريخ طويل في القدس عموما، وكنيسة القيامة خاصة، إذ استعانت الملكة هيلانة بالأقباط لبناء كنيسة القيامة التي يعتبر دير السلطان جزءا منها، وفي افتتاح الكنيسة حضر كل من بطريرك الإسكندرية القديس إثناسيوس الرسول، وبطريرك أنطاكيا وأسقف أورشليم ماكسيموس، واستاكيوس مطران قيصرية. ووهبت الملكة هيلانة الأقباط أيضا الجزء الواقع من شمال شرق كنيسة القيامة، إذ تقع بئر الماء التي استخدمت مياهها في بناء كنيسة القيامة ومعظم كنائس مدينة القدس، وأطلق الأقباط اسم الملكة وابنها على البئر تخليدا لاسمها وتكريما لها، وأنشأوا كنيسة صغيرة فوق البئر باسم الملكة. كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد تبرع بخمسة آلاف جنيه لدير السلطان آنذاك إسهامًا من الحكومة المصرية في حركة الإعمار حينها، افتتح به الأقباط الأرثوذكس به مدرسة باسم "الكلية الأنطونية"؛ إذ أن غالبية الرهبان الخادمين في الأراضي المقدسة من دير الأنبا أنطونيوس، وكانت هذه المدرسة من أحسن مدارس الأردن. تاريخ الاعتداءات على دير السلطان تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على دير السلطان، حيث قامت القوات الإسرائيلية فى إحدى الاعتداءات بطرد الرهبان المصريين الأقباط من دير السلطان وسَلَّمَتهُ للأثيوبيين، وفي عام 1951 ذهب الراهب القس داود الصومعي رئيس دير الأنبا أنطونيوس بالبحر، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث تواصل إسرائيل دائما التصعيد ضد دير السلطان القبطي التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ القرن الثالث الميلادي. في عام 1971 وقفت الحكومة الإسرائيلية إلى جانب الكنيسة الإثيوبية وسلمتها مفاتيح الدير بما يخالف الوثائق والتاريخ وحكم المحكمة، حيث إنه فى 25 أبريل 1970، حكمت محكمة العدل العليا الإسرائيلية أعلى سلطة قضائية في إسرائيل بتاريخ 16 مارس 1971 لصالح الكنيسة القبطية المصرية لما لديها من مستندات تثبت ملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانوني دائم في الأراضي المقدسة، ولكن للأسف رفضت السلطة الحاكمة تنفيذ قرار المحكمة. وفي عام 2017 سقط حجر من سقف الدير وحاولت الكنيسة القبطية بصفتها المالك القانوني للدير، ترميم السقف وإعادة الحجر إلى مكانه والقيام بالأعمال الهندسية المطلوبة للحفاظ على المكان إلا أنه جرى منعها من فعل ذلك، وقامت السلطات الإسرائيلية بترميم الدير بمعرفتها دون الرجوع للكنيسة القبطية أو الحصول على التصاريح والموافقات اللازمة من قبلها، وفى المقابل. وفى 2018، تعرض قوات الاحتلال الإسرائيلي لعدد من آباء وشمامسة كنيسة دير السُلطان التابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالقدس، وتم اعتقال أحدهم، وأعلنت وزارة الخارجية أن الجهود المصرية والتواصُل مع السلطات الإسرائيلية نجحت في الإفراج عن الراهب المُعتقل من كنيسة دير السلطان. موقف الكنيسة الثابت في جلسة المجمع المقدس 26/ 3/ 1980، قرر المجمع المقدس عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، في موسم الزيارة أثناء البصخة المقدسة وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميًا لدير السلطان بالقدس، ويسرى هذا القرار ويتجدد تلقائيًا طالما إن الدير لم يتم استعادته. وفى نفس السياق، أكدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن دير السلطان بالقدس هو أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر ومباني الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته القبطيه شأنه شأن جميع الأديرة القبطية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة، ولم تنقطع الرهبنة القبطية في الأراضي المقدسة ولم يخلو الدير إطلاقاً يوماً من الأيام من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن. وشددت الكنيسة أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والتي تأسست في القرن الأول الميلادي على يد القديس العظيم مارمرقس الرسول تتمتع بعلاقات طيبة مع كنائس العالم، وقد أرسل القديس أثناسيوس الرسولي في القرن الرابع الميلادي أبونا سلامة كأول مطران لأثيوبيا ومنذ ذلك الوقت لا تزال العلاقة بين الكنيستين قائمة على أسس المحبة والتعاون والاحترام المتبادل وقد ظهر ذلك جلياً في الزيارات المتبادلة المملؤة محبة بين بطاركة الكنيستين في العصر الحديث. وأشارت إلى أن الكنيسة تشكر الله أنه بالرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء على الدير لمئات السنين استطاعت الكنيسة القبطية الاحتفاظ به، وفي كل مرة كان يصدر الحكم في صالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية باستلام الدير بكل مشتملاته.