لاشك أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بات في موقف لا يحسد عليه؛ بسبب العديد من الملفات الشائكة المطروحة على مائدة الرئاسة الأمريكية نتيجة قرارات وتصرفات غير محسوبة أصدرها سلفه دونالد ترامب في مجالات شتى. وبالتالي فإن بايدن في اختبار صعب أمام المجتمع الأمريكي المنقسم بحدة بينه وبين أنصار ترامب، وهو ما ظهر بصور غير مسبوقة في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول – الكونجرس الأمريكي – يوم 6 يناير الحالي من قبل عدد من مؤيدي ترامب وبتحريض مباشر منه شخصيًا في تصرف رئاسي غير مسبوق في التاريخ الأمريكي.
والمؤكد أن ملف فيروس كورونا والأوضاع السيئة الناتجة عنه سوف يكون الملف الأول على مكتب الرئيس بايدن خاصة وأنه عين منسقًا رئاسيًا لمتابعة الملف، وبعد أن بلغت الإصابات بالفيروس حوالي 25 مليون أمريكي والوفيات 414 ألف وفاة هو ما يجعل أزمة انتشار الفيروس في المجتمع الأمريكي في صدارة اهتمامات المواطن؛ خاصة في ظل النقص الكبير في كميات اللقاحات الخاصة بالفيروس على مستوى العالم، وكذلك الجدل الدولي الكبير بين الأطباء بشأن فاعلية اللقاحات والآثار الجانبية لها.
وأعتقد أن ملف العلاقات الامريكية الخارجية سوف يكون له أولوية في ملفات الرئيس بايدن خاصة، وأنه يتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال وسوف يسعى – كما قال خلال حملته الانتخابية – لاستعادة الدور الأمريكي المتزن في العالم؛ سواء فيما يتعلق بالقضايا والخلافات الأمريكية مع العديد من دول العالم أو في التواجد العسكري الأمريكي في مناطق متعددة من بينها العراق وأفغانستان والتي قرر الرئيس السابق ترامب تخفيض عدد الجنود الأمريكيين بهما.
ولذا فإن ملف العلاقات الأمريكية – الصينية سيكون من أهم الملفات الساخنة التي يستعد الرئيس بايدن للتعامل معها في ظل التركة المثقلة بالمشكلات والأزمات التي تركها ترامب والذي تعامل مع الصين في الكثير من الملفات بطريقة غير دبلوماسية أضرت كثيرًا بعلاقات البلدين في كافة المجالات وأثرت تمامًا على الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإنه من المتوقع أن يسعى الرئيس جو بايدن إلى تحقيق التوازن في العلاقات الأمريكية – الصينية وإعادتها إلى سابق عهدها قبل تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم، ولكن نجاح ذلك مرهون بالخطوات والإجراءات التي سوف يتخذها بايدن تجاه ملفات العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين والموقف الأمريكي تجاه قضية تايوان، وأيضًا تجاه ما شهدته هونج كونج خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى موقف الإدارة الامريكية الجديدة من مسألة حقوق وحريات الأقليات الإسلامية في الصين خاصة قومية الإيغور- أو الإيجور - في إقليم شينجيانج شمال غرب البلاد والتي شهدت الكثير من التراشق الإعلامي والبيانات من قبل الجانبين خلال السنوات الأربع الماضية؛ حيث أساءت إدارة ترامب التعامل مع هذا الملف الحساس.
وبالطبع لا يمكننا تجاهل الملف النووي الإيراني وأهميته لواشنطن في ظل تشابك هذا الملف مع الكثير من مصالح عدد من الحلفاء الإستراتيجيين لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وفي مقدمتها إسرائيل والسعودية والإمارات والكويت؛ ولذا سيكون التعامل الأمريكي مع هذا الملف مرهونًا بمواقف تلك الدول ومدى رغبة واشنطن في تحقيق مصالحها وإرضائها خاصة الابن المدلل لها في المنطقة والمسمى إسرائيل؛ حيث سيجد بايدن نفسه امام مأزق الكثير من العطايا التي قدمها سلفه ترامب لإسرائيل بصورة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
و يقينا فإن الخطوات الأولى للرئيس بايدن تجاه تلك الملفات وغيرها بما فيها أيضًا المسألة الكورية الشمالية سوف تحدد مسار السياسة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة، وبالتالي سوف تحدد أيضًا مسار وشكل العلاقات الدولية في الكثير من مناطق العالم.