هناك فارق كبير بين إدارة الأزمة بطريقة علمية مدروسة قائمة على أسس ومقومات صحيحة وبين إدارة الأزمة بطريقة عشوائية لا تعتمد على أي أسس علمية، بل ترتكز على الفوضى والاجتهادات الشخصية دون الالتزام بأي معايير علمية معروفة للتعامل مع الأزمات، وبالتالي فإن النتائج – بالطبع – سوف تكون كارثية في الحالة الثانية وطبيعية في الحالة الأولى. ودون شك فإن التعامل الدولي مع أزمة فيروس كورونا المستجد كشف كيفية إدارة الأزمة وسبل التعامل معها خاصة في الدول الكبرى؛ ففي الوقت الذي أبهرت الصين العالم بطرق تعاملها مع الأزمة ونجاحها في السيطرة على الفيروس جاء تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليبهر العالم أيضًا، ولكن بالفوضى والعشوائية في التعامل مع الفيروس . فقد تجاهل ترامب وجود الفيروس ولم يهتم تمامًا بكيفية التعامل العلمي مع كورونا، ولم يدرس تأثيرها المدمر على الأمريكيين؛ بل شكك في طرق الوقاية منها، وتجاهل التوصيات التي خرجت من المراكز العلمية الأمريكية والدولية بكيفية التعامل مع الفيروس ، وطالب أكثر من مرة بعدم ارتداء الكمامات؛ بل إنه وإمعانًا في الفوضى والعشوائية في التعامل مع الأزمة عقد أكثر من مؤتمر انتخابي في قاعات مغلقة دون ارتداء الكمامات؛ بل إنه شخصيًا ظهر في تلك المؤتمرات دون ارتداء الكمامة في إشارة إلى عدم اهتمامه بالإجراءات الاحترازية التي يتخذها العالم كله، وبالتالي عدم اهتمامه ب صحة المواطن الأمريكي خاصة في المناطق التي ظهرت بها آلاف الحالات المصابة بفيروس كورونا وفي مقدمتها نيويورك. والكارثة الكبرى هي سعي ترامب إلى استغلال أزمة كورونا سياسيًا و توظيفها لصالحه في سباق الانتخابات الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر المقبل، بعد تراجع نسب نجاحه أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي التي تمت مؤخرًا، برغم فشل ترامب الذريع في التعامل مع أزمة كورونا على كافة المستويات؛ سواء طبيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا أو على المستوى الجماهيري؛ حيث تراجعت شعبيته كثيرًا في العديد من الولايات والضواحي الأمريكية الفقيرة؛ خاصة التى تقطنها أغلبية سوداء نتيجة سياسته العشوائية في التعامل مع الفيروس بعد تجاوز أعداد المصابين حوالي سبعة ملايين حالة واقتراب الوفيات من 200 ألف حالة. وعلى الرغم من أرقام الإصابات والوفيات بفيروس كورونا في أمريكا أزعجت العالم، فإن تلك الأرقام المفزعة لم تزعج الرئيس ترامب؛ بل على العكس تمامًا يسعى مع فريقه فى ممارسة ضغوطٍ غير مشروعة على الهيئات الطبية الأمريكية للإعلان عن لقاح جديد ضد فيروس كورونا قبل الانتخابات الامريكية حتى يستطيع تحقيق نصرٍ شعبي دون الاهتمام باستكمال التجارب السريرية لتلك اللقاح، ونتائج استخدام المواطنين لها واعتماده من منظمة الصحة العالمية، والتي شكك ترامب في مصداقيتها، وأوقف الدعم الأمريكي لها في سابقة هي الأولى من نوعها في ظل أزمة غير مسبوقة يشهدها العالم كله. والمؤكد أن إدارة ترامب لا تسعى إلى التركيز على إنجازاتها الداخلية – إن وجدت – وإظهارها للمواطن الأمريكي؛ بل إنها تسعى وبكل قوة وإصرار غير مبرر إلى تصعيد التوتر مع الصين على كافة المستويات؛ سواء الاقتصادية أو السياسية أو التكنولوجية واستغلال ذلك في كسب أصوات الناخبين الأمريكيين وإظهار ترامب – على غير الواقع – بأنه المدافع عن المصالح الأمريكية ضد السعي الصيني للهيمنة على العالم كما تروج إدارته، وهي ادعاءات تسعى الحملة الانتخابية للرئيس ترامب إلى محاولة ترويجها ونشرها في الشارع الأمريكي لكسب المزيد من أصوات الناخبين في الوقت الذي يسعى المعسكر الديمقراطي بقيادة المرشح الرئاسي جو بايدن إلى كشف تلك الادعاءات والتركيز على الفشل الحالي لإدارة ترامب في التعامل مع أزمة كورونا، إلى جانب فشله أيضًا في التعامل مع أزمة مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد أحد رجال الشرطة في مايو الماضي؛ مما أدى إلى اندلاع عشرات المظاهرات والمصادمات مع الشرطة في العديد من الولاياتالأمريكية، وبالتالي استمرار تدهور شعبية ترامب في الكثير من الولايات. ويقينًا فإن سلسلة الإخفاقات والفشل التي جاءت نتيجة السياسة الأمريكية الخارجية "العمياء"؛ سواء تجاه القوى الكبرى - وفي مقدمتها الصين وروسيا - أو تجاه القضايا الإقليمية مثل التعامل غير المدروس سياسيًا مع قضية شبه الجزيرة الكورية، والتي أدت إلى زيادة التوتر بين الكوريتين وقطع أي علاقات تواصل بينهما أو تعامل ترامب مع ملفات الشرق الأوسط؛ سواء الأزمة السورية أو الملف الليبي والموقف غير الواضح من الممارسات التركية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى الدعم غير المبرر وغير الشرعي لعدد من الدول في مناطق بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي في حوارها مع الصين بشأن الخلافات المتعلقة بعدد من الجزر في تلك المناطق. وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تفشل في التعامل مع أزمة كورونا فقط؛ بل فشلت في الكثير من الملفات؛ سواء الداخلية أو الخارجية، وأثبتت أن تعاملها مع الملفات الحيوية والحساسة يتم بصورة عشوائية وغير مدروسة تعتمد على آراء شخصية لا ترقى إلى مستوى التعامل مع تلك الأزمات والقضايا المهمة. [email protected]