د. عبدالعليم محمد مصر عصية على الكسر، هكذا كانت عبر الزمن، وهكذا ستكون إلى الأبد، فهى محروسة وهى الصفة التى لازمتها وستلازمها فى تاريخها القديم والحديث، وسواء كان مصدر هذه الصفة تكوينها الجغرافى والديموجرافى والثقافى أو موقعها الفريد، أو أن هذه الصفة نابعة من ذكرها فى القرآن الكريم والقداسة التى تستمدها من ذلك، أو أنها أى مصر كانت قبلة الأنبياء والصالحين وآل البيت، فى جميع الأحوال يبقى الاعتقاد فى أن مصر محروسة مخزونا روحيا نفسيا وفكريا يغذى أبناءها بحبها، ويدفعهم للتضحية بحياتهم من أجل حراستها وصونها. قال المصريون كلمتهم فى الثلاثين من يونيو عام 2013 بعد انكشاف حكم الإخوان على حقيقته، قالوا لا للإرهاب ولا للدولة الدينية وفوضوا قواتهم المسلحة فى التصدى للإرهاب واستعادة الدولة المدنية، لم يحنثوا بكلمتهم ولم ينقلبوا عليها بل ازدادوا تمسكا بها وتأكد اقتناعهم بصواب الاختيار. العملية الإرهابية التى وقعت فى جنوب بئر العبد يوم الخميس الموافق الثلاثين من أبريل وراح ضحيتها بعض شهداء القوات المسلحة تفيض بالحقد والغل والكراهية من قبل حفنة من الأشرار، الذين أصابهم العمى فى البصر والبصيرة، ولا يرون إلا ما فى نفوسهم من أفكار لا توجد إلا فى مخيلتهم ولا يتبناها إلا من هم على شاكلتهم من المرضى والمنحرفين فكريا، أفكار لا توجد إلا فى واقع من نسج خيالهم، واقع يفترضون صلاحيته للتطبيق وينسبونه إلى الدين الحنيف والدين منه براء. ورغم ما يميز هذه العمليات الإرهابية الإجرامية ظاهريا من عبث وعدمية، إلا أن أهدافها ينبغى ألا تغيب عن النظر، ففى هذا التوقيت بالذات تستهدف هذه العملية تشكيك المصريين فى الاختيار الذى تبنوه منذ 2013 وأنهم غير قادرين على إسكات صوت الإرهاب، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه العمليات وغيرها تستهدف التشويش والشوشرة على الإنجازات التى تحققت على جميع الأصعدة وهى إنجازات تحققت فى ظل مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه المادية واللوجيستية والعسكرية وهى الجهود التى تتكاتف ويكمل بعضها بعضا لمختلف مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية. تستهدف هذه العمليات الإرهابية إضعاف الارتباط والتلاحم بين الدولة وبين المواطنين، ذلك التلاحم الذى يمثل حجر الزاوية فى تحقيق كل الأهداف، وبالذات مقاومة الإرهاب وعلى النقيض من ذلك يزداد هذا الارتباط قوة وتتسارع وتيرة التلاحم بين الجمهور وبين الدولة وأجهزتها، ويفقد الإرهاب الحاضنة الشعبية التى كان يسعى إلى الاختباء فيها والاحتماء بها. العقل الإرهابي، إن كان ثمة عقل، يتناقض مع أبسط المبادئ العقلية التى تتمثل فى التبصر والاستبصار بالواقع، والقدرة على صياغة مقدمات منطقية تتلوها نتائج مرتبطة بها، وكذلك الإحاطة بتنوع الواقع وفهم دوافع تطوره وديناميكية حركته، ذلك أن العقل الإرهابى أحادى وعنيف ويتأسس على مقدمات ومقولات مفارقة للواقع ويستند إلى رؤى وتأويلات منغلقة بعيدة كل البعد عن الواقع، بل تنعت الواقع بالجاهلية والتكفير وتسوغ الهدم والقتل فى سبيل التحكم فى الرقاب والعباد. يمثل الإرهاب قمة السقوط الأخلاقى والوطنى والخروج على كل الأعراف السماوية والوضعية. بعد كل عملية إرهابية يتأكد صدق اختيار المصريين فى رفض الإرهاب والدولة الدينية والتلاحم بين القوات المسلحة والمواطنين الذين تبادلوا الأدوار فى تاريخ مصر الحديث، ففى الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 قام الضباط الأحرار بحركتهم التى أيدها الشعب وحولها إلى ثورة، فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011 ثار الشعب ضد النظام وأيدته القوات المسلحة ، وفى الثلاثين من يونيو عام 2013 تكرر ذات الموقف حيث رفض المصريون حكم الإخوان والدولة الدينية وأيد الجيش هذا الطلب بل قام بإنهاء حكمهم بتأييد من الشعب. تتمثل المواجهة الحقيقية للإرهاب فى تعزيز الارتباط والتلاحم بين الدولة وجميع أجهزتها المدنية والعسكرية وبين المواطنين وتعرية الخطاب الإرهابى وتجفيف منابعه المادية والمعنوية واستمرار إرادة البناء وتعزيز مكانة الدولة ودورها فى تأمين حدود مصر ومواطنيها وجوارها فى كل الاتجاهات. وإذا كانت رسالة مصر واضحة ولا لبس فيها وتتمثل فى التنمية والعمران وصناعة مستقبل جديد بسيناء وربطها بالوادى واستثمرت الدولة فى هذا السياق ما يقرب من 40 مليار دولار، فإن رسالة الإرهاب لا تحمل سوى التدمير والخراب وتعويق خطة الدولة الشاملة للنهوض بمصر وبسيناء، ولن يكتب للإرهاب الوصول إلى غايته. مصر ماضية فى تحقيق أهدافها فى اجتثاث الإرهابية وقطع خطوط تمويله وإمداده الإقليمية ومحاصرة البؤر الإرهابية، مارس الإعلام التحريضى المعادى لمصر خلال الشهور الماضية حملة ضد مصر يشد أزر الجماعات الإرهابية المأجورة لأجهزة استخبارات أجنبية، كما دعمت تركيا عمليات الإرهاب والميليشيات الإرهابية فى ليبيا. تخوض الدولة المصرية بأجهزتها المدنية والعسكرية معارك مختلفة فى اتجاهات متعددة، ضد الإرهاب، إن فى مصر أو فى جوارها وضد الوباء ومن أجل ضمان حصتها المائية فى مياه النيل وتحظى بدعم المواطنين ووحدتهم لإحراز النصر فى كل هذه الجبهات، فلديها موارد للقوة بجميع أشكالها وفوق ذلك تمتلك الحق الذى يدعمه القانون فى الحفاظ على أمنها واستقرارها ومواصلة البناء والتنمية، كانت مصر دائما قادرة على صنع النموذج والقدرة عبر التاريخ بروحها وقدرتها وميراثها الحضارى، ولن تفقد هذه القدرة أبدا طالما تمسكت بمبادئها وقيمها. نقلًا عن صحيفة الأهرام