لا شك أن هذا الزحم السياسي والإعلامي الكبير الذي تحظى به الاجتماعات الخاصة بمبادرة "الحزام والطريق"؛ سواء على المستوى الوزاري أو على مستوى القمة ينطلق من أرضية صلبة، ويتحرك وفق أسس وإستراتيجيات اقتصادية واضحة المعالم، تم التخطيط لها بعناية ودقة فائقة منذ أن تم إطلاقها عام 2013 من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ لتكون بمثابة الركيزة الاقتصادية الأولى على مستوى العالم التي تجمع 68 دولة يمثلون 65% من سكان العالم، ويشكلون رقمًا مهمًا في الاقتصاد الدولي بقيادة الصين التي قفزت منذ سنوات إلى المركز الثاني في الاقتصاد العالمي. ولذا فإن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في فعاليات قمة "الحزام والطريق" نهاية الشهر الماضي في بكين عكست الرؤية الصحيحة للقيادة السياسية تجاه ذلك المنتدى الاقتصادي العالمي، وأهمية الدور المصري في تفعيل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين دول الحزام والطريق، والتي طالب الرئيس السيسي بضرورة تنفيذ تلك الاتفاقيات لمصلحة شعوب دول المبادرة، وهو ما كان له رد فعل إيجابي كبير بين الدول المشاركة؛ خاصة أن مصر تلعب دورًا حيويًا وبارزًا في المبادرة من خلال موقعها الإستراتيجي، ووجود قناة السويس، بالإضافة إلى العلاقات المتميزة التي تحظى بها على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية؛ سواء إقليميًا أو دوليًا، وفي ظل تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي للعام الحالي، وتعويل الصين - كراع للمبادرة - على الاستفادة من الدور المصري في دعم وتعزيز الجهود المبذولة لدفع مسار مبادرة "الحزام والطريق". وفي السياق نفسه شاركت في المنتدى الإعلامي الدولي التي استضافته وزارة الخارجية الصينية وحكومة مقاطعة شينجيانج ذاتية الحكم لقومية الإيغور – الإيجور – المسلمة في شمال غرب الصين حول مبادرة "الحزام والطريق" بهدف تأكيد الدور المحوري لإقليم شينجيانج في المبادرة؛ حيث يعد من المحاور الرئيسية لها؛ سواء قديمًا أو حديثًا؛ خاصة أن هذا الإقليم تبلغ مساحته 1.6 مليون كيلو متر مربع؛ أي ما يعادل مساحة مصر مرة ونصف، وهو يعد الإقليم الأكبر من حيث المساحة في الصين؛ بينما يضم 25 مليون نسمة نصفهم يقيم في المناطق الريفية ويجاور الإقليم ثماني دول هي: (منغوليا وروسيا وكازاخستان وقيرجيستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند)، باجمالي مساحة تبلغ 5700كم من الحدود المشتركة مع هذه الدول؛ وهو ما يجعل هذا الإقليم يكتسب أهمية إستراتيجية كبيرة للحكومة الصينية في مبادرة "الحزام والطريق"،' وتضعه كملتقى حقيقي للمبادرة. وعلى الرغم من أن زيارتي لهذا الإقليم المهم لم تكن الأولى؛ حيث زرته مرتين من قبل إلا أن ما يشهده من تنمية اقتصادية وتغيرات واضحة في البنية التحتية يجعلك تشعر بأنك تزوره لأول مرة؛ فالعمل لا يتوقف ليل نهار في كل مكان؛ الشوارع أصبحت أفضل، وتمت إضافة حارات مرورية جديدة لها؛ سواء في عاصمة الإقليم أورومتشي والتي يقطن بها نحو خمسة ملايين نسمة، أو في الولايات الأخرى التابعة للإقليم وهي شانسي وكاشجار وإيلي وأكسو وختيان؛ حيث يمكن أن تشاهد ما يتم على أرض الواقع في تلك الولايات، وترصد جدية الحكومة الصينية في تنمية تلك المناطق، والتي تشكل مدخلًا مهمًا لمبادرة "الحزام والطريق"، خاصة أن الصين تركز على التنمية الزراعية والصناعية معًا في تلك المناطق، وتعطي اهتمامًا خاصًا بالحرف والصناعات اليدوية المتميزة لمناطق في ولايات كاشجار وختيان؛ مثل صناعة الحرير ومنتجات الخزف والمشغولات اليدوية التي تميز تلك المناطق، ويتم تصديرها إلى العديد من دول العالم. ولذا فإن زيارتي لمقاطعة شينجيانج، ولقاءاتي المتعددة مع الكثير من المسئولين بها، وزياراتي لمواقع زراعية وصناعية ومساجد ومعاهد ومتاحف كشفت لي عن الكثير من المعلومات المهمة والقضايا الحيوية التي تسعى حكومة الإقليم بالتنسيق مع الحكومة المركزية في بكين لدعمها، والسعي لتحقيق طفرة اقتصادية مهمة في إقليم يعتبر من أهم المناطق الإستراتيجية في الصين، ونقطة انطلاق حقيقية لمبادرة "الحزام والطريق" التي تعول عليها الصين كثيرًا خلال السنوات المقبلة. [email protected]