قبل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى بأيام قليلة لبكين تلقيت دعوة من الصين للمشاركة فى المنتدى الأول لتنمية منطقة شينجيانج الصينية الواقعة شمال غرب الصين، وكنت أحد المتحدثين الرئيسيين فى المنتدي. غير أن ما شاهدته وسمعته خلال الزيارة يفوق الخيال، ولايمكن لأحد تصوره فقد ذهبت فى ذهنى ما يردده الغرب من أن التقدم الاقتصادى الذى أحرزته الصين انحصر فى منطقة الساحل الغربى للصين وتحديدا شنغهاى والأقاليم المجاورة لها، وأنه لم يمتد إلى باقى أنحاء الصين حيث ظلت الأقاليم الداخلية على فقرها، ولم تستفد من التطور الاقتصادى المبهر الذى حققته الأقاليم الأخري. غير أن ما رأيته فى إقليم شينجيانج وعاصمته »أوروموتشي« وقراه أذهلني، فالتطور الاقتصادى والاجتماعى فى المنطقة مبهر.. ومستويات المعيشة شهدت قفزات تعكسها الحياة الراقية، والسيارات الفارهة التى يستخدمها السكان المحليون، والشوارع الواسعة المنظمة، والحدائق الجميلة المتاحة مجانا للسكان. قبل أن أصل إلى «أوروموتشي» تخيلت أننى سوف أرى مدينة إقليمية مثل الزقازيق أو المنصورة أو سوهاج، حيث يقل التقدم ومستوى المعيشة عن العاصمة بكثير، لكننى وجدت مدينة وإقليما لايقلان تقدما وتطورا عن العاصمة بكين أو العواصم الآسيوية الأخري، وتشبه أوروموتشى من حيث ثقافتها وعمارتها ومآذن مساجدها كوالالمبور عاصة ماليزيا أو طهران عاصمة إيران، أو طشقند عاصمة أوزبيكستان. نجد أن المثير فى الأمر، أن منطقة شينجيانج أصبحت محط أنظار العالم، وقلب طريق الحرير الجديد منذ طرح الرئيس الصينى شى جينبينج مبادرته بانشاء »حزام اقتصادى لطريق الحرير الجديد الذى سوف يربط الصين من إقليم شينجيانج بدول آسيا الوسطى وأوروبا ودول الشرق الأوسط التى قد تنضم إلى مبادرة الرئيس الصينى مثل مصر وتركيا وإيران وباكستان بالإضافة إلى دول أخرى مثل الهند وروسيا ومنغوليا وغيرها. وخصصت الصين نحو 40 مليار دولار استثمارات يتم انفاقها على تطوير وتحسين البنية التحتية فى منطقة شينجيانج ذاتية الحكم وحدها بخلاف الاتفاقيات التى توقعها الصين مع دول آسيا الوسطى التى تعد فى قلب طريق الحرير الجديد مثل أذربيجان، وقرقيزسكان وتركمنتسان وأوزبكستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى باكستان والهند وأفغانستان وروسيا وإيران لتطوير الطرق السريعة وتشييد خطوط سكك حديدية فائقة السرعة لنقل البشر والسلع والبضائع بين دول طريق الحرير الجديد. وتشير إحصاءات وزارة التجارة الصينية إلى أن الشركات الصينية وقعت عقودا بنحو 1401 مشروع باستثمارات تصل إلى نحو 37،6 مليار دولار مع دول آسيا الوسطى وغيرها من الدول المرتبطة بطريق الحرير الجديد منذ طرح الرئيس شى مبادرته فى عام 2013، أى خلال عامين فقط. ويتوقع الخبراء أن يضم طريق الحرير الجديد نحو 60 دولة ومنطقة بإجمالى تعداد سكان يزيد على 4،4 مليار نسمة. ووفقا لتلك البيانات فإن الحكومة المركزية فى بكين بدأت خطة تطوير منطقة شينجيانج باستثمارات تقدر بنحو 2 تريليون يوان أى ما يوازى 300 مليار دولار خلال الفترة من 2010 2015، وتشمل تشييد 6 مطارات جديدة، ونحو 8400 كيلو متر من خطوط السكك الجديدة، ونحو 7،155 كيلو مترا من الطرق السريعة. وخلال الزيارة زرنا كثيرا من المشروعات التى تم تنفيذها، وتلك التى يجرى العمل بها وشاهدنا العمل فى مشروع القطار فائق السرعة الذى يربط الصين بدول آسيا الأخرى ويصل إلى أوروبا وحتى أمستردام عاصمة هولندا. وكذلك العمل فى الطرق السريعة الجديدة وتطوير الطرق الحالية، حتى تتواكب فى تدفق السلع والبشر المتوقعة مع قيام المنطقة الاقتصادية لطريق الحرير الجديد.
«شينجيانج» قلب الطريق الجديد
«شينجيانج» مساحتها نحو مليون و665 كيلومترا، أى نحو سدس مساحة الصين، وتعد أكبر المناطق الإدارية مساحة.. تمتد حدودها من الشرق إلى الغرب نحو 2000 كيلومتر، ومن الجنوب إلى الشمال نحو 1.650 كيلومتر، وتقع فى قلب مركز «أوروآسيا».بها صحراء «تاكليمكان Taklimakan» التى تغطى مساحة 24 ألف كيلومتر، وتعد أكبر صحراء فى الصين. شينجيانج.. بعيدة عن البحر، ومحاطة بالجبال، وتعد أقل المناطق سقوطا للأمطار فى الصين، والشتاء فيها طويل وبارد، والصيف قصير وحار، وبالنسبة للربيع والخريف الطقس فيهما متقلب، وتصل الحرارة فى منطقة تربان أو ترقان التى تعد أكثر المناطق حرارة فى الصين إلى 40 درجة مئوية فى الصيف، وتنخفض الحرارة فى الشتاء إلى أقل من 51 درجة تحت الصفر.. وشمال شينجيانج غالبا ما تسقط الأمطار، وتغطيها السحب، وتعد من أهم مناطق الصين التى تنعم بمصادر طبيعية للضوء والحرارة الطبيعية، فهى واحدة من أكثر المناطق بالصين التى تشهد أطول أشعة شمس (أطول نهار). فى عام 2012 وصل عدد سكان شينجيانج إلى نحو 22 مليونا و327 ألف نسمة، 46.4% منهم أيجور (أويجور مسلمون)، و39.3% «هان Han» مسلمون، و7.08% قازاق، و4.5 (هوى Hui»، و0.87% قرقريز، و0.85% منغول، و0.21% طاجيك، و0.20% أتشيبه Xibe، و0.12% ماشو Mancho، و0.8% أوزبيك، و0.6% روس، وداور Daur نحو 0.03%، والتتار نحو 0.02%، و0.59% قوميات أخري. لذلك فإن منطقة شينجيانج تعد من أكثر المناطق الصينية تعددا للعرقيات، حيث هناك نحو 55 مجموعة عرقية تعيش فى المنطقة حاليا. الدين.. باعتبارها منطقة رئيسية للتبادل الثقافى والاقتصادى بين الشرق والغرب، فقد أصبحت منطقة شينجيانج من أهم المناطق التى تتميز بالتعايش والانسجام بين الأديان المختلفة منذ قديم الأزل حتى الآن. وقديما تعايشت البوذية مع الذوروسترنية Zorostvoanisa، مع المنشيزم Manichaeism ، والنستوريزم Nestovianism (المسيحية)، مع التاوية Taoism مع الأديان الأخرى التى قدمت إلى شينجيانج، وبعد دخول الإسلام إلى المنطقة مع نهاية القرن التاسع الميلادي، أى بعد أقل من 300 سنة على مولد الإسلام فى مكة، دخلت شينجيانج مرحلة من التعايش السلمى والانسجام بين الأديان، حيث دخلت المسيحية والكاشوليزم Catholicism بعدها، وفى الوقت الحاضر يتعايش الإسلام مع الأديان الأخرى (خاصة اللامازيم Lamaism)، أوالبوذية (أهل التبت)، والبوذية والتاوية والمسيحية والديانات الأخري. ويعد الإسلام هو أكبر الديانات من حيث الأتباع فى المنطقة، ومعتنقوه من عرقيات قومية مختلفة، التى تعد أوسع أو أكبر الجماعات العرقية فى شينجيانج، وهم الايجور والقازاق والهوى والقرقيز والطاجيك والأوزبك والتتار ودونجشيانج وسالار وبوان Baoan، لذلك فإن الإسلام والمسلمين هم أهم ما يميز ملامح المنطقة، وهو الأساس الصلب أو المتين لأغلب أهالى شينجيانج. وهناك عدة طوائف إسلامية فى شينجيانج، فالايجور والقازاق والهوى والأوزبك والتتار والقوميات العرقية الرئيسية الأخرى هى سنية، فى حين أن الطاجيك والقرقيز هم من الشيعة، وهناك صوفيون من الأوزبك والايجور، ويمثل عيدا الفطر والأضحى أكبر احتفالات والمهرجانات للمسلمين فى شينجيانج، بالإضافة إلى الاحتفال الكبير بمولد النبى محمد (صلى الله عليه وسلم). وصلت المسيحية إلى شينجيانج عبر البعثات التبشيرية الأجنبية، خاصة فى عهد جوانج تشو خلال عهد أسرة شينج Qing، وبعد أن أصبحت السيطرة الغالبة للإسلام فى منطقة شينجيانج فى عهد أسرة بوان، بدأت المسيحية فى التراجع، وحاليا توجد كنيستان للمسيحيين فى مدينة أوروماتشى عاصمة إقليم شينجيانج. ويوجد فى أوروموتشى نحو 24 ألفا و400 مركز عبادة، منها 24 ألفا و200 مسجد للمسلمين، وهناك 29 ألف شخص يعملون فى أماكن العبادة.