الكتابة فعل شديد الحساسية يجعلك وليمة للأرق والسهاد وتبعثر الروح، ما يلحظه المقربون منك ويعتبرونه خروجًا عن المألوف أو مسًا، ربما شبهة جنون، تحريضًا على الجرأة، تنظيرات وتأويلات كثيرة لا يهتم بها أحد غيرك أيها الكاتب، البقال والجزار وبائع الجرائد لا يشعرون بأنك تعاني كي تكتب نصًا واقعيًا، هذا لا يهمه، أيضًا أنت تسعى لنشر التنوير - كما تظن- لكنك تبوء بالفشل، لأنك بالكاد يقرأ لك نفر قليل، لست معروفًا بدرجة تجعلك تسير وعلى رأسك ريشة مثلا، فقط أنت تكتب لأنك دون الكتابة قد تموت أو تتلاشى كظل وحيد. حينما ينشغل الكاتب بفكرة ما، تظل تلاحقه مثل قاتل مدرب، تنال منه ومن هدوئه، قد يعدو وحيدًا منزويًا بسببها لأنه لم يتمكن من القبض على كلمات مناسبة يصوغها لتصبح كتابًا قابلًا للقراءة والتأمل. يقول الكاتب الأمريكي ترومان كابوتي، صاحب رواية "بدم بارد": أن تنتهي من كتابة ما، يشبه أخذ طفل إلى الحديقة الخلفية وإطلاق النار عليه. الكتابة فعل قديم، تسجيل للوجود الإنساني بداية من الكتابة المسمارية لدى السومريين والآشوريين مرورًا بالهيروغليفية لدى المصريين التي اعتمدت على التصوير (صورة طيور، إنسان، كل ما ينتمي للبيئة حولهم) حتى تمكنوا من تطويع البردي ليصبح ورقًا لمكاتباتهم ومراسلاتهم، إذن الكتابة يمكن اعتبارها نوعًا من التواصل الإنساني الذي يقضى على عوائق الاختلاف وسوء الفهم أحيانًا، وسيلة للتفاهم الإنساني والتقارب الفكري والعاطفي، لا تنكر أيها القارئ شغفك بشخصية ما وانجذابك نحوها واعتبارها قريبة لقلبك وعقلك، تنتصر لها وتتمنى لو أتيحت لها نهاية تليق بشخصية أسطورية تمثلك بالواقع. قد يرى البعض أن الكتابة بالنسبة للقارئ فعل مسل في وقت الفراغ، يدرب عقله قليلًا، ينشط ذاكرته بمزيد من المعرفة ويكتسب لسانه بضع مفردات تجعله يواجه الحياة بقسوتها وعفويتها. الكاتب يعانى كثيرًا حتى يخرج كتابه للنور، يعتمد على موهبته في اختلاق الشخصيات الموازية للواقع، ومواقف درامية تشعل الأحداث لتجعل القارئ يلهث وراء الصفحات. الكتابة فن الحكي والتدوين، الضجيج الذي يسيطر على عقلك وتريد أن تتخلص منه فتجلس لتكتب وتقول رأيك في العالم بجرأة محسوبة أحيانًا.