أقامت مجلة «أدب ونقد» احتفالية لتأبين الروائي الراحل إبراهيم أصلان شارك فيها عدد من المثقفين منهم د. شاكر عبدالحميد - وزير الثقافة، والناقد الكبير د. صلاح فضل والناقدة فريدة النقاش - رئيس تحرير «الأهالي»، والشاعر السماح عبدالله، والمفكرة د. مني أبوسنة، والناقد الليبي إدريس المسماري والقاص وجيه القاضي والشاعر زين العابدين فؤاد، ود. حسن يوسف وهشام وشادي أصلان وكاتب هذه السطور وأدارها الشاعر حلمي سالم. في البداية تحدث د. شاكر عبدالحميد عن بعض الخصائص الفنية التي تميزت بها كتابة أصلان السردية في روايته الشهيرة «وردية ليل» مؤكدا أن «أصلان» كان يرصد الشخصيات التي يكتب عنها فيلتقط تفاصيلها ببراعة شديدة من خلال قدرته العميقة في التعبير عن السمات الإنسانية. ثم قدم د. شاكر تحليلا نقديا لشخصية «الحريري» المؤذن التي وردت في أحد فصول «وردية ليل» من خلال تفسيرها من عدة مفاهيم فلسفية ونفسية. أكدت فريدة النقاش أن إبراهيم أصلان «كاتب لا شبيه له» علي مستويين: مستوي الكتابة الأدبية والمستوي الإنساني، فهو المبدع الذي ظل يتوخي الحقيقة في كل ما كتبه دون أي ادعاء، ولأنني ممن يؤمنون أن الحقيقة هي دائما ثورية فطالما وصفته بالفنان الثوري. صحيح أن «إبراهيم» لم ينخرط أبدا في أي مشروع سياسي مباشر لا تحت شعار الثورة ولا أي شعار آخر إلي أنه حين عري قيم وممارسات الظلم والاستغلال والاستقواء علي الضعفاء كان يشير لنا ولهم إلي مكمن قوتهم وهو يمسك بكل ما هو جميل وإنساني ومفعم بالحنان. وأضافت النقاش قائلة: «الثورات - من وجهة نظري - هي قاطرة التاريخ وقد أسهم أصلان بنصيب وافر في ثورة الأدب الجديد منذ بداياته الأولي، وهي الثورة التي أسست وجدانا جماعيا واستشرفت قيم عالم العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية لتنفي طبقية العالم الزائد وأبوتيه. أما المستوي الثاني الذي تضمنه تعبير «الذي لا شبيه له» فهو تماسكه الأخلاقي وتطابق القول والفعل في عالمه. خصائص الكتابة وتحدث د. صلاح فضل عن خصائص الكتابة لدي أصلان وأولها: اللغة حيث كان لديه وعي متكامل بها يستعملها استعمال الجواهرجي، فيستحيل أن تحذف كلمة مما كتب فالكلمات مكتوبة بقلم سينمائي مشهدي، فهو يرسم المشاهد بدقة لا يتطرق للثرثرة في رسم الشخصيات ولا يستدعي شيئا من ماضيها زائدا عن الحاجة، وهنا تذكرت حالة «فولبير» وهو يكتب حيث كان يبيت ليلتين أو ثلاث يحدث نفسه هل هناك كلمة زائدة في عبارته السردية أو جملة فضفاضة تجعل اللغة مترهلة. كان «أصلان» يمتلك حس الترزي الذي يضع اللغة علي جسد النص دون أي نقص. أما الخاصية الثانية في كتابة أصلان كما يراها د. فضل هي كونه مبتكر الأسلوب السينمائي في القص العربي الحديث لايدانيه في ذلك إلا صنع الله إبراهيم في سرده الوثائقي، فهما رغم تقابل الكتابة عندهما - أول من أصلوا - بدون تكلف - وبقدر كبير من العفوية - لكيفية أن تتجسد القصة القصيرة في لقطات، وهذا ما نراه جليا في آخر أعماله «حجرتان وصالة» حيث التدفق الإنساني والتعبير عن اللحظات الهاربة أما أهم الخصائص الإنسانية التي تميزت بها شخصية «أصلان» فهي النبالة الشخصية التي تعلو علي مفاهيم الثراء والمادة، فهي نبالة الروح، والتعامل مع الآخرين. وقالت د. مني أبوسنة إن الأدب المصري الحديث ليس فيه سوي روائيين كبيرين هما نجيب محفوظ وإبراهيم أصلان الذي لم ينل خطا كبيرا من النقد، مما يكشف عن أزمة حقيقية في النقد الأدبي في مصر. وتحدث إدريس المسماري عن علاقته بالأديب الراحل قائلا إنه تعرف عليه في بداية التسعينيات بعد عودة العلاقات المصرية - الليبية في زيارة لأصلان مع وفد ثقافي مصري لمدينة «البيضاء» الليبية، وكانت روايته «مالك الحزين» قد تحولت لفيلم سينمائي، فكان الحديث الأول عن مفاتيح عالمه الروائي وعرف منه أن عمله في «مصلحة الاتصالات» قد أفاده في لغة الكتابة. لغة متحركة وأكد د. حسن يوسف أن أصلان كان عنده القدرة علي استنطاق اللغة، فاللغة لديه كائن متحرك، وهذا معناه في الرؤية الجمالية يعني «حتمية البقاء» كما كان عنده القدرة علي استنطاق الأشياء. وأشار وجيه القاضي إلي أن الراحل كان سيدا في فنه ووطنيته وإنسانيته. وتحدث هشام إبراهيم أصلان عن علاقته بأبيه مشيرا إلي أنه في السنوات الأربع الأخيرة كان أكثر قربا منه حيث احتشدت فيها حالة من الحنين والأبوة والصداقة الحقيقية وليس من باب المثل «إن كبر إبنك خاويه». وأضاف هشام قائلا: إن استدعاء سيرة أبي فيها نوع من البهجة فليس لدي مشاعر أو إحساس بالفقد، لأني أعتقد أن مشروعه الأدبي والإنساني كان مكتملا تماما، أما علي المستوي الشخصي فتركيبته وتكوينه كان لا يقبل تحميل الآخرين هموم من هذا النوع، وهناك مقولة قد تكون رومانسية وهي: «أن المبدع لا يموت إلا إذا اكتمل مشروعه الإبداعي». أما شادي إبراهيم أصلان فاتفق مع أخيه فيما قال مضيفا أنه كان يتعامل مع أصلان الأديب كقارئ عادي جدا، يقرأه ويعبر عن رأيه بصراحة فيما يكتب، أما علي الجانب الإنساني فإن العلاقة تأخذ مسارات أكثر حنوا. وتحدث الشاعر زين العابدين فؤاد عن ذكرياته مع أصلان منذ مرحلة الطفولة التي قضياها سويا في بيت والدة أصلان «أم إبراهيم»، مؤكدا تميز الراحل بالملاحظة للشخصيات المهمشة مثل شخصية «الحلاق الأخرس» حيث كان إبراهيم يتابعه بالساعات، وفي فترة الشباب كان «أصلان» نقطة جذب كبيرة فكان عنده قدرة علي الاحتضان. وقرأ الشاعر السماح عبدالله قصيدة تحت عنوان «مالك الحزين» من أجوائها: «وامش كأن تري/ واتل التواشيح التي تنساب مثل الناي/ في الليل الخفي/ كأن كل الخلق جوابون حول نشيدك الرقراق». وقرأ عيد عبدالحليم قصيدة مهداة إلي أصلان تحت عنوان «الحنين في ليلته الأخيرة».