داخل شقة مكونة من صالة وغرفتين، أثاثها بسيط ومزدحمة بالأقارب والجيران يفترشون الأرض، جلست الأم المكلومة وسط بناتها الثلاث لاستقبال المعزين، وبدموع منهمرة روت الأم المكلومة فجيعتها في ابنها. قاومت الأم دموعها وقالت إن زوجها كان يعمل نقاشًا وتوفى من 10 سنوات، فرفض ابنها استكمال تعليمه في المرحلة الإعدادية وقرر الاعتماد على نفسه وتحمل المسئولية للإنفاق على أسرته فعمل في إحدى شركات الأغذية ثم تنقل بين العديد من الحرف الشاقة حتى كبر وأصبح في سن الشباب فقرر العمل في تجارة الملابس من خلال "استاند" قريب من المنزل حتى يكون بجانب أمه وأخوته، واضعًا عليه قطع من الملابس لبيعها. استطردت الأم في حديثها قائلة إن ابنها كان متدينًا ويؤدى الصلاة في أوقاتها بالجامع القريب من المنزل وبالرغم من صغر سنه إلا أن أهالى المنطقة يحبونه حيث كان يحترم الصغير والكبير ويقف بجانب من يحتاج إلى مساعدة، لكن "خيرًا تعمل شرًا تلقى"، فقد قُتل ابني "عمر" وهو يحاول إعادة الحق إلى أصحابه. وعن تفاصيل يوم الواقعة يروى أشرف البحيرى "صاحب محل للفراشة " أن يوم الحادثة قام أحد الشباب بسرقة سماعات "دى جى" من محله بعد أن استولى على مفاتيح المحل وعندما علم أخبر "عمر" بذلك لحل هذه المشكلة دون تحرير محضر. ذهب "عمر" لإحضار السارق لنصحه ومطالبته بإرجاع ما سرقه، حفاظًا على عدم ضياع مستقبله وتبليغ رجال الشرطة وعندما حضر السارق دخل في مشادة حادة مع معه، وقام بسبه وشتمه ورفض أن يرجع المسروقات فضربه عمر على وجهه ضربة خفيفة ثم وجه له النصيحة مرة أخرى قائلاً له "أنت زى أخويا الصغير وخايف عليك". اتصل السارق بوالده الذى حضر على الفور غاضبًا وقام بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء واقترب من "عمر" وقال له "ابن أكرم ميضربش" ثم أطلق عيارًا ناريًا على عمر من فرد خرطوش فأصابه في بطنه وصدره ليسقط على الأرض غارقًا في دمائه، وقبل أن يتوفى طلب من الأهالى مساعدته بأن يدخل الجامع، وعندما ذهب إلى الجامع نطق الشهادة وتوفى. وتستكمل هناء ولمياء، شقيقتا عمر، الحديث "عمر ده أخويا وأبويا وصديقى هو اللى وقف جنبنا ومكملش تعليمه وساعدنا وعمره ما سابنا لحظة وكان بيحل مشاكل الناس كلها وساعدنا أنا على تدبير نفقات الزواج". وتضيف "ندى" شقيقه "عمر" الصغرى أن خبر وفاة "عمر" نزل عليها كالصاعقة، فشقيقها كان حنونًا يخاف عليها ويلبى كل طلباتها، وأنها مرت بأزمة عندما أخبرها أحد الأطباء بأنها سوف تفقد نظرها إلى حاله عدم إجراء عمليه لها، وعندما علم عمر قال لها "لو حبيع هدومى حتتعالجى ومش حسيبك وقرر مضاعفة ساعات عمله لتدبير نفقات علاجها حتى تم العملية". ويستكمل وليد محمد ابن خاله عمر قائلاً "ده أخويا الصغير اللى شالهم قبل الأوان وكان بيبع كوتشات وتشيرتات جنب بيته علشان ميسبش إخواته يا بخته مات داخل الجامع عاش محترم ومات الناس بتتكلم عن شهامته". أما الشيخ عبد الفتاح قنديل - جار القتيل - فأضاف أنه كان يصلى جميع الصلوات في المسجد وكان يحترم الصغير والكبير، وأن أهالى المنطقة لم يجدوا منه مكروهًا. وتحدث محمد ديناري صديق "عمر" عن شهامته قائلاً: "كان في طفلة مخطوفة من محافظة الفيوم والناس اللي خطفوها قعدوا بيها في المنطقة وعمر الله يرحمه هو اللي رجعها لأهلها ". وأضاف هشام محمد - أحد أصدقاء المجني عليه - أنه كان مثالاً للجدعنة والرجولة وشهامة ولاد البلد، وأردف قائلاً "ماكنش بيسيب حد ولا صغير ولا كبير أي واحد بيكون عنده مشكله أو كان بيجري عشان يحلها لوجه الله" . وقال كان دائمًا ينصحنا بالصلاة ، والبعد عن المخدرات. وقال جمال محمد عبد اللطيف، خال "عمر"، أنا اللي مربيه علي أيدي، وتنهد قليلاً ثم أكمل حديثه "عمر ابني اللي أنا مخلفتوش، كان سندي في الدنيا، موت أخويا مكسرش ظهري قد موت عمر، كان العكاز اللي بتسند عليه". وتابع - والدموع والحزن يملآن عينيه - : " ليه كده جزاؤه يعني أنه كان بيحل مشكلة حرامي.. مش عاوزه يتسجن ، إحنا بنطالب بالقصاص العادل من القتلة وعاوزين إعدام للقاتل".