تحتفل مصر هذا العام بمرور 200 عام على اكتشاف معبد أبو سمبل الذي يعد أحد أهم رموز الحضارة المصرية التي تحظى باهتمام عالمي كبير. وكانت وزارة الآثار قد أعلنت عن إقامة احتفالية كبرى بذكرى الاكتشاف. يحظى معبد أبو سمبل بهذه الأهمية لعدة أسباب، منها ما هو تاريخي؛ حيث ارتبط بحدث تاريخي مهم في تاريخ الحضارة المصرية، ومنها ما هو فني. بنى معبد أبو سمبل الملك المصري رمسيس الثاني ابن الملك سيتي الأول، وأمه هي الملكة المصرية تويا، ويعد أحد أهم ملوك الأسرة التاسعة عشرة الملقبة بأسرة "الرعامسة"، وقد حكم مصر من 1279 حتى 1213 قبل الميلاد. ويرجح الباحثون أن بناء المعبد كان لتخليد ذكرى معركة المصريين ضد الحثيين في آسيا، المعروفة تاريخيًا باسم معركة قادش. وهي المعركة التي خاضها رمسيس الثاني ضد جيوش الحثيين الذين استغلوا فترة الضعف التي شهدتها الدولة المصرية خلال الأسرة الثامنة عشرة بسبب الحروب الدينية التي نتجت عن ثورة أخناتون الدينية. استغل الحثيون الفرصة ليستولوا على أراض كانت تحت سيادة الدولة المصرية في آسيا، ليحشد الملك المصري جيوشه لمحاربتهم في قادش، في معركة يختلف حتى الآن الباحثون حول المنتصر فيها، ولكن المؤكد أنها انتهت بتوقيع اتفاقية سلام، وأبعدت خطر الحثيين عن الدولة المصرية، ليخلد رمسيس الثاني احتفاله على جدران المعبد. يقع موقع أبو سمبل في جنوب مصر، جنوب غربي أسوان في بلاد النوبة. ويتكون من معبدين، أحدهما كبير، وهو الأكثر شهرة، والآخر أصغر حجمًا. القيمة الفنية لأبو سمبل تنبع، فضلًا عن تكوينه الضخم والمنحوت بدقة، من كونه منحوتًا في الصخر وغير مبني، الأمر الذي يقدم صورة حول الفن المصري القديم ومدى تقدمه وبراعة رجاله. بني المعبد الأكبر خلال ما يزيد على 20 عامًا، وكان مخصصًا لعبادة الإله آمون رع، إله الشمس، والإله رع رع حوراختي، والإله بتاح. ويتكون من 3 قاعات ضخمة، تضم عدة تماثيل لرمسيس الثاني، كما تتزين جدرانه بنقوش تصور معركة قادش. أما من الخارج فهناك أربعة تماثيل بطول 20 مترًا للملك رمسيس الثاني، بالإضافة لعدد من التماثيل الصغيرة تصور زوجته، الملكة نفرتاري، وأبناءه. كما أن هذا المعبد يشهد إحدى الظواهر التي تلفت انتباه المهتمين بالحضارة المصرية من أنحاء العالم كافة، حيث تتعامد الشمس على وجه تمثال الملك، الموجود بقدس الأقداس داخل المعبد، وذلك في مواعيد محددة حسب حسابات علماء الفلك في مصر القديمة. شمال المعبد الأكبر يقع معبد أصغر للملكة نفرتاري، وقد خصص لعبادة الإلهة حتحور، ومزين بتمثال للملك والملكة. ونتيجة الظروف المناخية، وطبيعة المنطقة الصحراوية، اندثر المعبد بشكل كبير تحت الرمال، ولم يتوصل أحد لاكتشاف المعبد حتى 1813 عندما عثر عليه المستكشف السويسري جوهان لودفيج بورخاردت، ولكنه، بمساعدة زميله الإيطالي جيوفاني باتيستا بيلزوني، لم يتمكن من الدخول إلى المعبد بأية طريقة، وظل المعبد مجهولًا حتى عاد الأخير عام 1817 ليكتشف أحد أهم معالم الحضارة المصرية. تعرض المعبد خلال تاريخ لنكبات كثيرة، منها الزلازل التي تضرر بفعلها بعض التماثيل، ولكن الكارثة الكبرى التي كادت أن تودي بالمعبد تمامًا وتقضي على أثر عالمي عظيم كانت في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. كانت الدولة المصرية منشغلة آنذاك ببناء السد العالي لحجز المياه وحماية الأراضي من الفيضانات، بالإضافة لتوليد الكهرباء، غير أن هذا البناء الضخم، بالإضافة إلى بحيرة ناصر، هدد المعبد الذي يقع على ضفة النيل، حيث ترتد المياه المحتجزة بفعل السد إلى المعبد لتقع نهايته المحتومة، وهي الغرق. فوجئ وزير الثقافة المصري آنذاك ثروت عكاشة، عام 1958، بزيارة من السفير الأمريكي ليقدم له عرضًا من بلاده لشراء المعبد المهدد بالغرق، الأمر الذي استفز عكاشة الذي استنكر العرض الطامع بدلًا من عرض المساعدة في إنقاذ الأثر الإنساني الضخم. ولم يكن أمام عكاشة سوى اليونسكو المخولة بحماية الآثار العالمية من الاندثار، وبالفعل أعلنت اهتمامها بالأثر المصري ليتقرر نقله. ومن بين عدة طرق مقترحة وقع الاختيار على طريقة التقطيع، حيث يتم تقطيع المعبد وفقًا لحسابات هندسية شديدة الدقة، ليتم نقله إلى مكان أكثر أمنًا بمنأى عن مياه السد، ثم يعاد تجميعه، وهي الطريقة التي رآها الخبراء آنذاك أكثر الطرق الآمنة. واستمرت عمليات النقل خلال عامي 1964، و1968، لتنتهي عملية النقل شديدة الصعوبة بنجاح، وبآلية ناجحة لم يتضرر بسببها المعبد، ليحفظ لنا الخبراء أحد أهم المعالم الأثرية، ليس في تاريخ مصر فحسب، وإنما في تاريخ العالم أجمع. معبد أبو سمبل المعبد من الداخل نقوش تصور معركة قادش المعبد الصغير