اكتسب تمثال رمسيس الثاني أهمية وشهرة كبيرتين محليًا وعالميًا، ربما لا تقل عن أهمية مقبرة توت عنخ آمون، ولكن بينما يحظى الملك الصبي توت عنخ آمون بهذه الأهمية بسبب مقبرته التي تعد إحدى المقابر الأكثر اكتمالًا واحتواءً على عدد ضخم وفريد من المقتنيات، أكسب رمسيس الثاني تمثاله هذه الأهمية – فضلًا عن قيمة التمثال- من كونه أحد أعظم ملوك مصر القديمة. كانت وزارة الآثار قد أعلنت اليوم الأربعاء، عن قرار نقل تمثال رمسيس الثاني إلى مكان عرضه بالمتحف المصري الكبير، وأشار وزير الآثار د.خالد العناني، إلى أن عملية النقل ستتم على الهواء مباشرة بواسطة شركة "المقاولون العرب". رمسيس الثاني هو ابن الملك سيتي الأول، وأمه هي الملكة المصرية تويا، ويعد أحد أهم ملوك الأسرة التاسعة عشرة الملقبة بأسرة "الرعامسة"، وقد حكم مصر من 1279 حتى 1213 قبل الميلاد. وفي عهده شهدت مصر أخطارًا كادت أن تودي بالدولة لولا المعارك الحاسمة التي قادها للدفاع عن الإمبراطورية المصرية، ليقضي على خطر القبائل البربرية في ليبيا التي هددت أمن الحلفاء الليبيين في الغرب، ليترك بعد ذلك عددًا من القلاع والحصون في ليبيا لتأمين الجانب الشرقي لمصر. ومن الشرق كان خطر "الحثيين" الذين سكنوا الأناضول منذ نحو 5000 عام، ودارت بينهم وبين المصريين معارك ضارية، بدءًا من الأسرة الثامنة عشرة التي شهدت تفككًا في الدولة المصرية بسبب الثورة الدينية التي قادها إخناتون، وهو ما نتج عنه خسارة مصر لمناطق كانت خاضعة لها في آسيا. في معركة قادش الثانية واجه رمسيس الثاني الحثيين مواجهة متقلبة، تبادل فيها الطرفان السيطرة، فانتهت بمعاهدة سلام، ولكن بعد أن أثبت الملك وجود المصريين في آسيا. وكان على رمسيس الثاني أن يؤمن آسيا أيضًا من هجمات "قراصنة البحر" القادمين من أوروبا والذين سعوا للسيطرة على أراضي آسيا المتاخمة للبحر المتوسط، وهاجموا القوافل المصرية، غير أن أسطول رمسيس الثاني قضى على خطرهم. ومما أكسب رمسيس الثاني شهرة مضاعفة ربطه بقصة الخروج التي تناولها العقد القديم وتناولها القرآن بعد ذلك، حيث زعم البعض أنه فرعون الخروج الذي طارد موسى وغرق وجنوده في البحر، غير أن هذه الآراء ليست مدعومة بدلائل تاريخية ملموسة. لا تقتصر الآثار التي تركها رمسيس الثاني على التمثال؛ فقد ترك عددًا من المعابد التي تحظى باهتمام كبير، لعل من أهمها معبد "أبو سمبل" بأسوان، وهو المعبد المنحوت في الصخور، ويعد من أضخم المعابد المصرية. كما أن هذا المعبد يشهد إحدى الظواهر التي تلفت انتباه المهتمين بالحضارة المصرية من أنحاء العالم كافة، حيث تتعامد الشمس على وجه تمثال الملك، الموجود بقدس الأقداس داخل المعبد، وذلك في مواعيد محددة حسب حسابات علماء الفلك في مصر القديمة. وكان قد تم نقل المعبد بجهود من منظمة اليونيسكو بين عامي 1964 و بعد تعرضه لخطر الغرق بمياه الفيضان، وبلغت تكلفة عملية النقل نحو 40 مليون دولار. كان تمثال رمسيس الثاني قد اكتشف عام 1820 بواسطة المستكشف جيوفاني باتيستا كافيليا بمعبد ميت رهينة قرب البدرشين. وشأنه شأن غيره من التماثيل ضخمة الحجم كان التمثال – الذي يبلغ طوله نحو 11.36 متر ووزنه نحو 70 طنًا- مفككًا لعدة قطع. التمثال المصنوع من الجرانيت تم نقله للمرة الأولى عام 1955 في عهد الرئيس الراحل الذي قرر نقله لميدان باب الحديد، الذي حمل اسمه بعد ذلك. وفي السنوات الأخيرة خرجت أصوات عديدة تنادي بضرورة نقل التمثال من موقعه بميدان رمسيس؛ وذلك بعد الحالة السيئة التي أًصبح عليها الميدان من ازدحام وعشوائية في حركة المرور وتلوث بيئي، وكذلك بسبب الاهتزازات التي تسببها شبكة الكباري والأنفاق المحيطة الموقع، وهي أمور قد تنتهي بالتمثال إلى حالة كارثية. وبالفعل في أغسطس 2006 تقرر نقل التمثال إلى المتحف المصري الكبير، الواقع بجوار أهرامات الجيزة. وأعلن فاروق حسني، وزير الثقافة آنذاك، أن عملية النقل تكلفت نحو 6 ملايين جنيه. وتمت عملية النقل من خلال شاحنتين. وتقرر آنذاك نقله في وضع رأسي (أي أن يكون التمثال واقفًا) وهو ما برره خبراء الآثار آنذاك بأنه يمثل أفضل وضعية تحمي التمثال من الاهتزازات، وتضمن تحميل التمثال بشكل متوازن يحميه من التعرض لأي كسور. يذكر أنه في مارس الماضي، أعلنت وزارة الآثار عن اكتشاف تمثالين بمنطقة المطرية بالقاهرة، وقد رجح خبراء الآثار أن أحدهما قد يعود للملك رمسيس الثاني. هذا الخبر أثار صدى واسعًا في صحف العالم كافة، التي وصفته بالاكتشاف التاريخي؛ نظرًا للأهمية التي يحظى بها الملك. غير أن وزير الآثار، د.خالد العناني، أعلن بعد ذلك، في مؤتمر صحفي أقيم بالمتحف المصري بالتحرير، أن التمثال يعود للملك بسمتيك الأول، وهو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، وحكم مصر قرابة ال54 عامًا.