أكدت دراسة أعدت مؤخرا علي عُروبة القدس وأسبقية الوجود العربي فى فلسطين ووفقا للدراسة التي أعدها باحث مصري في التاريخ والأديان، واستندت إلي نصوص التوراه أن الإعلامُ الغربى يتبني الأفكار اليهودية حول ما يُسمى "أرض الميعاد" أو "الحق اليهودي" في أرض فلسطين، باعتبارها أرض "الشعب اليهودي" وحده. وبحسب الدراسة التي أعدها إسماعيل حامد الباحث المصري في تاريخ الأديان، تُعرف التوراة الحالية باسم "توراة عِزرا"، وهو العُزير فى القرآن الذى أعاد تدوين التوراة إبان القرن 5 ق.م، بعد أن اختفت "توراة موسى" (أو "التوراة الأولى") عقب تدمير أورشليم على يد البابليين سنة 587ق.م. وتعجُ التوراة بالإطراء على بني إسرائيل، وتنعتهم بأنهم "شعبُ الله المختار"، وأنهم "أبناء الله" و"الأبناء المقدسين"، بينما تلعنُ "الكَنعانيين"(وهم أجداد الفلسطينيين)، ومن ذلك: "فلما استيقظ نوحٌ..علم ما فعل به ابنه الصغير. فقال ملعونٌ كنعان عبدُ العبيد يكون لإخوته، وقال مبارك الرب إله سام. وليكن كنعانُ عبداً لهم" (تكوين-9). ويزعم اليهودُ أن فلسطين (أرض كنعان) هى أرض اليهود وحدهم، وأنهم سكنوا فيها قبل الفلسطينيين (الكنعانيين)، وهى إدعاءات لاحُجة لها، بل وتكذبها توراة اليهود ذاتها، حيث تقول:" فأخذ أبرام ساراي امرأته ولوطاً ابن أخيه وكل مقتنياتهما...وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى أرض كنعان. واجتاز أبرام فى الأرض إلى مكان شكيم. وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض" (تكوين–12). وحسب هذا المتن، فإن النبى إبراهيم (أبرام) لما دخل أرض كنعان (فلسطين) للمرة الأولى قادمًا من أرض العراق (موطنه الأول)، وجد الكنعانيين يسكنون أرض فلسطين، وتؤكد التوراة نسبة هذه الأرض لهم، وتذكرها باسم "أرض كنعان". ويؤمن اليهودُ بأن النبى إبراهيم، هو "جدهم الأول"، وإليه ينتسبون. وحسب توراتهم، فإن الكنعانيين كانوا يسكنون أرض فلسطين قبل النبى إبراهيم بزمن طويل. ويُعتَقد أن إبراهيم عاش إبان القرن 19 ق.م، وعلى هذا فالوجود الكنعانى فى فلسطين يسبق زمان إبراهيم (جد اليهود) بأكثر من ألف سنة. وحسب التوراة، فإن كنعان (جد الفلسطينيين) هو كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، أى أنه حفيد النبى نوح. أما النبى إبراهيم، فهو إبراهيم ابن تارح (آزر) بن ناحور بن ساروغ بن راعو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام بن نوح. ومن ثم فالنبى إبراهيم هو الحفيد الحادى عشر ل"نوح"، وهو دليلٌ آخر على أقدمية الوجود الفلسطينى من الناحية الزمنية. ويرى الباحثون أن الكنعانيين ساميو الأصل، وليسوا حاميين كما تزعم التوراة، لكن اليهود أخرجوهم عمداً من "نسل سام"، حتى لا ينالوا البركة التى أعطاها الرب لسام ونسله (أى اليهود)، وحتى يبقى الكنعانيون "ملعونين"، ولا تنالهم البركة. ومن جانب آخر، تذكر التوراة متناً آخر ذا دلالة، وفيه أن النبى إبراهيم لما أقام بأرض فلسطين، كان بها ملكٌ كنعانى صالح يدعى "مَلكي صادق"، تصفه التوراةُ بأنه "ملك شاليم"، وهى أقدم إشارةٌ إلى مدينة "القدس" (أورشليم). وتلك دلالةٌ جلية على أن القدس (شاليم) مدينة الكنعانيين فى الأصل، وهم من بنوها، تقول التوراة: "فلما سمع أبرام أن أخاه سبى وجر غلمانه..انقسم عليهم ليلاً هو وعبيده فكسرهم واسترجع (أبرام) كل الأملاك..فخرج ملك سدوم لاستقباله بعد رجوعه...وملكى صادق ملك شاليم (القدس) أخرج خبزاً. وكان كاهنًا لله العلى. وباركه. وقال مبارك أبرام من الله العلى مالك السموات والأرض" (تكوين–14). ويؤكد اسم (ملكى صادق) ذاته أصله العربى. ويرى بعض الباحثين أن الكنعانيين هم من "العرب البائدة" (العرب القدماء)، كعاد وثمود وغيرهما، وقد بادوا مع ظهور"العرب المستعربة"، وهم أبناء النبى إسماعيل (جد العرب). وقد يظن البعض خطأ أن ارتباط العرب بفلسطين بدأ منذ فتحها المسلمون أيام عمر ابن الخطاب، لكن الصحيح أن"عروبة فلسطين" ترجع لأيام قدوم الكنعانيين العرب إليها من الجزيرة العربية، ثم دامت العلاقة بمرور الزمن. وتذكر التوراة أن النبى إبراهيم وابن أخيه لوط لما تركا مصر، بعد أن أقاما بها ردحًا من الزمن، ذهبا إلى أرض فلسطين، وكانا فى ثراءٍ عظيم. وتؤكد التوراة أن الكنعانيين كانوا "سكان الأرض" وقتئذ: "فصعد أبرام من مصر هو وامرأته وكل ما كان له ولوط معه إلى الجنوب. وكان أبرام غنيًا جدًا بالمواشى والفضة والذهب. وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض (أى فلسطين)" ( تكوين–13). وفى قصة النبى يوسف (وهو حفيد النبى إبراهيم)، تؤكد التوراة أيضا "الوجود الفلسطينى" فى هذه الأرض، بينما كان بنوإسرائيل يقيمون فى مصر: "فصعد يوسفُ يدفن أباه (يعقوب) وصعد معه جميع عبيد فرعون وشيوخ بيته وجميع شيوخ أرض مصر..فلما رأى أهل البلاد الكنعانيون المناحة قالوا مناحة ثقيلة للمصريين" (تكوين–50). ونلحظ هنا قول التوراة: "فلما رأى أهل البلاد (أى فلسطين) الكنعانيون". وقد أقام الكنعانيون مدينة القدس (أورشليم) فى الألف الثالث ق.م وظلت مدينة كنعانية منذ ذلك الوقت، ثم عُرفت ب"يبوس"، نسبة ل"اليبوسيين"، وهم أبناء "يبوس بن كنعان"، ولم يقم بها يهودىٌ واحد حتى القرن 10 ق.م. وتذكر التوراة أن أحد اليهود قال لآخر: "تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين (يقصد القدس) هذه ونبيت فيها. فقال له سيده لانميل إلى مدينة غريبة حيث لا أحد من بنى إسرائيل هنا" (القضاة-19). وهو ما يؤكد أن اليهود كانوا يخشون الإقامة فى القدس وقتئذ، لأنها مدينة اليبوسيين (الكنعانيين). وظلت القدس (يبوس) تحت سيطرة الفلسطينيين حتى أيام الملك داود (1010–970ق.م) الذى استولى عليها من"اليبوسيين". وكانت هذه المرة الأولى التى يسيطر فيها اليهود على القدس، أى أن المدينة المقدسة ظلت "فلسطينية" قرابة ألفى سنة قبل أن يستولى عليها اليهود، تقول التوراة: "وذهب الملك (داود) إلى أورشليم إلى اليبوسيين (الفلسطينيين) سكان الأرض. فكلموا داود قائلين. لاتدخل إلى هنا ما لم تنزع العُميان..وأخذ داود حصن صهيون. وأقام داود فى الحصن وسماه مدينة داود"صموئيل الثانى-5).ويحمل هذا المتنُ إشارات هامة، منها وصف التوراة اليبوسيين بأنهم "سكان الأرض "، وهى القدس، لأنهم سكان المدينة الأصليين، وتلك هى الحقيقة التى تؤكدها توراة اليهود. ثم عُرفت المدينة لمدة طويلة باسم "يبوس"، وذكرتها التوراة بهذه التسمية مرات عديدة. ولم تدم سيطرة اليهود عليها طويلاً، فبعد موت الملك "سليمان بن داود" (930ق.م) انهارت مملكة اليهود فى أرض فلسطين، ثم دمر البابليون أورشليم سنة 587ق.م، وسُبى اليهود إلى بابل، وهو ما يُعرف ب"السبي البابلي". ثم سماها الرومان مدينة "إيليا كابيتولينا" نسبة لامبراطور روما "إيليوس هادريان"، ولهذا لما فتحها المسلمون كانت تُدعى "إيلياء"، أو إيليا. ولاريب أن تلك "المتون التوراتية" المهمة التى أوردناها آنفاً لتؤكد الحق العربى في "أرض فلسطين"، وتأكيد عروبة القدس، مهما حاول الإعلام الصهيونى طمس الحقائق، وتزييفها، فإن قوة تلك الأدلة ترجع إلى أنها وردت فى توراة اليهود وليس أي مصدر آخر، وشهد شاهد من أهلها.