تشهد مدينة القدس وبالأخص المسجد الأقصي الشريف أولي القبلتين وثالث الحرمين وواحد من أهم المقدسات الإسلامية عدوانا متكررا من الكيان الصهيوني منذ احتلال المدينة المقدسة عام1967 م وإلي اليوم من حرق المسجد الأقصي إلي تغيير الملامح الإسلامية للمدينة إلي حفر شبكة الأنفاق تحت المسجد الأقصي بغية الكشف عن آثار تثبت الهوية اليهودية لمدينة القدس, ومن يدرس تاريخ هذه المنطقة دراسة مكثفة وعميقة يجد أن مدينة القدس منذ تأسيسها إلي تاريخ احتلالها عام1967 هي مدينة عربية خالصة, ومن خلال هذه المقالات نسرد نبذة عن تاريخ الأرض المقدسة بما فيها مدينة القدس والأحداث التي شهدتها منذ إنشائها وإلي اليوم. والمقصود بالأرض المقدسة هي الأرض التي اختصها الله سبحانه وتعالي بنزول الرسالات السماوية لهداية البشرية إلي الطريق المستقيم, وهي الأرض التي تقع ما بين نهر الفرات ونهر النيل وجزء من شبه الجزيرة العربية, فلقد حدد الله سبحانه وتعالي الجنس البشري الذي سيعمر الأرض بعد حادثة الطوفان بنسل أبناء سيدنا نوح الثلاثة سام وحام ويافث طبقا لما ورد في القرآن الكريم( وجعلنا ذريته هم الباقين)(سورة الصافات/77), وما ورد في الحديث الشريف للرسول صلي الله عليه وسلم أن( سام ابو العرب ويافث ابو الروم وحام أبو الأحباش) وطبقا للنصوص التوراتية أن سام هو الابن الأكبر لسيدنا نوح, كان عمره98 سنة عند حدوث الطوفان وعاش500 عام, ويعتقد ان العرب والعبرانيين والأشوريين والآراميين انشقوا من سلالة سام, وحام الابن الأوسط لسيدنا نوح ويعتقد أنه والد الشعوب الإفريقية, ويافث الابن الأصغر وأن من سلالته شعوب أوروبا والفرس والأكراد. ولو عدنا إلي نسل سام فلقد تمركزت القبائل السامية في شبه الجزيرة العربية بما يعرف بالخزان البشري للقبائل السامية, ونتيجة الجفاف المتكرر في هذه المنطقة انطلقت منها موجات الهجرة الجماعية إلي منطقة الهلال الخصيب إلي أرض العراق والشام ومصر فكان أولها هجرة الكنعانيين إلي أرض فلسطين والثانية هجرة الاكادين والكلدانيين أجداد سيدنا إبراهيم إلي جنوب نهر الفرات. فمنذ عام3000 قبل الميلاد حدثت الهجرة الكنعانية من الجزيرة العربية إلي أرض فلسطين واستوطنوا هذه المنطقة, فهم أول من سكن أرض فلسطين وأول من بني حضارة عليها وهم كلهم عرب, وكان الكنعانيون شعبا مسالما وكانوا مدافعين عن أنفسهم ولم يكونوا مهاجمين واشتهروا بالزراعة وبرعوا في التعدين وصناعة الخزف والزجاج والثياب وفي فن العمارة يقول المؤرخ( فيليب حتي) إنه لم يعتن شعب سام بالغناء والموسيقي كما عني به الكنعانيون, واليبوسيون هم الذين أنشأوا مدينه القدس وهم احد بطون القبائل الكنعانية التي هاجرت إلي فلسطين عام2500 ق م وقد سميت المدينة باسم مدينة( يبوس) الذي ورد اسمها في التاريخ المصري القديم باسم( يابيث)أو( يابيثي) وتقع أطلال هذه المدينة في الهضبة التي تدعي اليوم باسم( جبل صهيون). وفي عهد الملك اليبوسي التي يعرف باسم( ملكي صادق) والذي حكم اليبوسيين خلال جزء من القرن العشريين ق. م تغير اسم المدينة إلي( اورشليم) أي مدينة السلام.وهكذا نجد ان مدينة القدس قد بناها اليبوسيون الكنعانيون وسكنوها مدة طويلة قبل مجيء العبرانيين بل ان المصادر العبرية نفسها تعترف بان إبراهيم الخليل عليه السلام حينما وصل إلي ارض كنعان( فلسطين) مهاجرا من موطنه( مدينة اور) بجنوب نهر الفرات وبصحبته زوجته سارة وسيدنا لوط وهي بداية وجود العبرانيين بأرض كنعان كان يدفع ضريبة العشر الي ملك القدس( ملكي صادق) نحو عام1920 ق.م وان هذا الملك الكنعاني كان ملكا موحدا ودليل ذلك أنه بارك إبراهيم عليه السلام بقوله( مبارك الله العلي الذي اسلم أعداءك في يدك).كما ورد اسم أورسالم فيما يسمي بنصوص اللعنة وهي تتضمن أسماء البلدان والمدن والحكام الذين كانوا في حالة صراع مع فراعنة مصر ويرجع تاريخ هذه النصوص إلي عصر حكم الملك الفرعوني سيزوستريس الثالث(18781842 ق م), كما ذكر اسم( أورشليم) بعد هذا التاريخ بنحو خمسمائة عام في ما يعرف بألواح تل العمارنة, وهي عبارة عن ست رسائل أرسلها حاكم أورسالم( عبدي هيبا) إلي فرعون مصر إخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد يطلب منه العون العسكري للدفاع عن مدينة أورسالم وذلك في فترة تبعية أرض كنعان إلي مصر في ذلك الوقت, ويضاف علي ذلك أن اسم اورشليم بالذات ليس عبريا وإنما هو تسمية كنعانية حيث إن الألواح المكتشفة في مدينة( ايبلا السورية) القديمة التي تم تخريبها علي يد الأكاديين قبل وصول العبرانيين إلي المنطقة بوقت طويل ذكرت وجود مدينة اورشليم في المنطقة, بل إن التوراة نفسها تعترف بأن القدس غير عبرية حيث ورد اسم القدس في التوراة أحيانا باسم مدينة اليبوسيين وللحديث بقية. لمزيد من مقالات د. محمد رضا عوض