تكتسب السياسة التجارية أهمية كبيرة فى مرحلة التحول الاقتصادى التى تمر بها مصر حاليا، ذلك أن السياسة التجارية هى السياسة التى تؤثر فى حجم وتكوين التجارة، ومن ثم فإن التجارة الخارجية يمكن أن تكون إما محفزة للنمو الاقتصادى أو معطلة له، وتفسير ذلك أن التجارة الخارجية يمكن أن تحفز النمو إذا استطاعت الدولة زيادة تنافسية إنتاجها ما يسهم فى زيادة الصادرات وما يترتب على ذلك من زيادة الدخول وإتاحة فرص العمل، وكذلك فإن استيراد الدولة للسلع الرأسمالية يعنى زيادة الطاقات الإنتاجية ونقل التكنولوجيا، وينطبق ذلك على استيراد السلع الوسيطة ولكن لمرحلة زمنية محددة وذلك لإتاحة المجال لإحلال الإنتاج المحلى محل الواردات، ما يدعم تنافسية الإنتاج ويخفض فاتورة الواردات، وكذلك تسهم الواردات فى كسر حدة الاحتكار المحلى حيث يسهم فتح باب الاستيراد للسلعة المحتكرة فى إجبار المحتكرين على خفض أسعارهم. ومن هنا فإن العرض السابق يشير إلى أهمية كفاءة السياسة التجارية لتحفيز الإنتاج والنمو فى مصر بما يسهم فى تعظيم الاستفادة من المشروعات القومية الكبرى لصالح معظم طبقات المجتمع من خلال إيجاد فرص عمل تتيح العدالة فى توزيع الدخل. وتعتمد السياسة التجارية على العديد من الأدوات لتحقيق أهدافها تتمثل أهمها فى التعريفات الجمركية ويتم استخدام هذه الأدوات وفق معايير تتماشى مع قواعد منظمة التجارة العالمية، بما يتيح التوازن بين عدالة وحرية التجارة بين الأطراف المشاركة من ناحية ومن ناحية أخرى تحقيق المصالح الاقتصادية للدول. وهنا نأتى للتساؤل المطروح وهو: هل تناسب السياسة التجارية الحالية الوضع الاقتصادى فى مصر؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب ما يلى: 1- تحليل هيكل التعريفات الجمركية لبنود السلع وفق تصنيفها إذا ما كانت سلعا رأسمالية أو وسطية أو استهلاكية أو نهائية على أن يكون التصنيف محددا ليس فقط لبند السلعة ولكن للمواصفات أيضا، ويتم تبويب هذه السلع وفقا لكل صناعة فى إطار تأثير كل بند فى تنافسية الصناعة ما يتطلب تحديد العلاقة بين أسعار السلع المنتجة فى الداخل مقارنة بالمستوردة. وفى هذا الإطار يتم رفع التعريفة مع زيادة درجة التصنيع بما يسمح للمنتج المحلى من منافسة المستورد ويشجع على إحلال الواردات ويعمل على زيادة القيمة المضافة، مع تقديم جميع التسهيلات للسلع الرأسمالية، ويجب أن يتسق ذلك مع رؤية الدولة فى دعم التصنيع من خلال تحديد الصناعات التى سيتم تشجيع تصديرها فى الفترة القادمة (5 سنوات) وكذلك الصناعات التى سيتم تشجيع زيادة فرص سلاسل الإنتاج من خلال إحلال الواردات، ويواكب ذلك بناء نظام للمتابعة والتقويم يتيح تتبع نتائج تطبيق السياسة التجارية وأثرها فى الحوافز على أن يشارك فى ذلك اتحاد الصناعات وممثلو الصناعات الصغيرة والغرف التجارية وجمعيات رجال وسيدات الأعمال. 2- مراجعة سياسة الدعم النقدى للصادرات حيث أثبت العديد من الدراسات الميدانية أن أشكال الدعم غير النقدى (تسهيلات المعارض، النقل، الخدمات الفنية لرفع جودة الإنتاج، فتح منافذ للتسويق) أكثر كفاءة فى التأثير فى قدرة المنتجين على التصدير. 3- إعادة النظر فى توجه الدولة مع تحرير سعر الصرف إلى المغالاة فى رفع التعريفات الجمركية كوسيلة لمنع الواردات وزيادة الإيرادات الجمركية، خاصة فى ظل تطبيق ضريبة القيمة المضافة التى تزايدت قيمتها بشكل كبير مؤخرا، حيث لم ينجح ذلك فى خفض معدل زيادة الواردات من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأثر طويل الأجل على الحوافز الإنتاجية ومن ثم تنافس الإنتاج المحلى أكثر أهمية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتأمين إيرادات ضريبية مستقبلية أعلى. 4- تطوير الإطار المؤسسى للسياسة التجارية من خلال الربط بين الآليات المؤسيية فى وزارة التجارة والصناعة وتلك القائمة فى الجمارك التى تتبع وزارة المالية، وهو ما يتطلب الميكنة الكاملة لنظم الجمارك ورفع قدرات الموارد البشرية والمتابعة المستمرة للأداء. - إن افتقاد مصر لسياسة تجارية تتفق مع هذه المرحلة المهمة من مراحل التحول الاقتصادى التى نشهدها حاليا إنما تمثل تحديا كبيرا يجب أن يحظى باهتمام صانعى السياسة الاقتصادية ما يمكن من الانطلاق بمشيئة اللٌه إلى آفاق أرحب للتقدم والنمو الاقتصادى.