جدل كبير حول مشروع قانون الجمارك الجديد المطروح للحوار المجتمعى من رفع أو خفض الحدود العليا للتعريفة الجمركية وموقف الإعفاءات التى منحتها القوانين السابقة لعدد من السلع وما حققته عبر عقود للاقتصاد الوطنى. ويكشف عبدالفتاح الجبالى وكيل أول المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والمستشار السابق لوزير المالية أن دراسة السياسة التجارية المصرية خلال الفترة الماضية، وما لحق بها من تغيرات وعلى رأسها هيكل التعريفة الجمركية، شهد تغييرات أساسية، فبينما حرصت الحكومات المتعاقبة خلال الأعوام 2004 و2007 و2009 و2013 على تخفيض الحدود القصوى للضريبة الجمركية والتى تمثلت فى خفض الحدود العليا للتعريفة من 160% إلى 30%، مع استثناء بعض السلع التى تتعارض مع الاعتبارات الدينية والقيمية والصحية والاقتصادية مثل الكحوليات والسجائر والسيارات أكثر من 1500 سم3، وتخفيض المتوسط العام المرجح للتعريفة، جنباً إلى جنب مع خفض عدد فئاتها من (27) فئة إلى (6) فئات فقط. وذلك لتبسيط هيكل الضريبة الجمركية ولتحقيق المزيد من الشفافية والحد من المنازعات التى تنتج عن كثرة فئات التعريفة وتفادى حالات الاجتهاد الشخصى من جانب العاملين بالجمارك. وعلى العكس من ذلك، جاءت التعريفات الجمركية منذ مارس 2013 وحتى الآن لترفع من معدلات التعريفة بصورة كبيرة. ويقول ل«الوفد» إن ذلك أدى إلى هبوط المتوسط العام للتعريفة من 20% عام 2005 إلى 16.5% عام 2012 ثم عاود الارتفاع إلى 17.6% عام 2016 و19% عام 2017 وبعبارة أخرى فقد أصبحت أداة للجباية أكثر منها وظيفة أخرى لذلك ارتفعت الإيرادات الجمركية من 17.7 مليار جنيه عام 2013/2014 إلى 34.3 مليار عام 2016/2017 وتقدر فى موازنة العام الحالى بنحو 45.3 مليار جنيه وكذلك ارتفعت ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة من29 ملياراً إلى 62 ملياراً وتقدر بنحو 119 ملياراً فى موازنة العام الحالى وعلى الجانب الآخر توسعت الحكومات المتعاقبة كثيراً فى سياسة الإعفاءات الجمركية المطبقة وفقاً للقانون رقم 186 لسنة 1986 سواء من حيث الجهات أو الأنشطة التى تستحق الإعفاء الجمركى حيث شملت الآلات والمعدات ووسائل النقل لإنشاء مشروعات التعمير واستصلاح الأراضى وكذلك قطاع البترول ناهيك عن الأسواق الحرة والسياحة رغم عدم جدوى هذه المسالة. ويشير إلى أن القانون فتح الباب على مصراعيه بالفقرة الخامسة من المادة الثالثة والتى تمنح البعض صلاحيات فى تقرير الإعفاء لبعض السلع. فضلاً عن الإعفاءات الخاصة بالاتفاقيات التجارية الموقعة من جانب الحكومة المصرية سواء كانت جماعية أو ثنائية مثل الكوميسا والدول العربية. الخ. كما أدى إلى اتساع عمليات التهريب للسلع الواردة إلى مصر بشتى الطرق والسبل مع استخدام البعض للنظم المعمول بها فى هذا الهدف مثل نظام الإفراج المؤقت أو المناطق الحرة العامة والخاصة وغيرهما. ناهيك عن تقاعس المصلحة عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتحصيل الرسوم والضرائب الجمركية المستحقة على بعض السيارات المفرج عنها مؤقتاً برسم إعادة التصدير بضمان بعض السفارات أو الوزارات أو الهيئات أو بضمان دفاتر المرور الدولية من نوادى السيارات والتى انتهت صلاحية تسييرها داخل البلاد، ولم يتم إعادة تصديرها وفقاً للقانون، ناهيك عن استخدام السيارات المعفاة أو منخفضة الجمارك فى غير الأغراض المخصصة لها، والتصرف فيها بطرق احتيالية قبل فترة انتهاء مدة الحظر الجمركي. ومثال ذلك السيارات الفارهة التى تجوب البلاد طولاً وعرضاً وتحمل لافتة سياحة وتستخدم فى غير ذلك، ناهيك عن التلاعب فى الفواتير وغيرها مما يساعد على دخول منتجات رديئة الجودة وغير مطابقة للمواصفات الصحية والبيئة مما يضر بالمستهلك والصناعة الوطنية والاقتصاد القومى ككل. وأشار إلى أن هذه الأمور تؤكد عدم انتهاج سياسة جمركية متسقة ومتكافئة بين الخدمات اللازمة للصناعات الوطنية ومستلزمات الإنتاج المستوردة وبين المواد والسلع تامة الصنع الأجنبية، إذ ظلت التعريفة الجمركية تتسم بتحيز واضح إلى جانب المنتجات تامة الصنع على حساب مستلزمات الإنتاج وقطع الغيار والأمثلة على ذلك عديدة ومتنوعة حتى فى التعريفة الأخيرة وذلك على العكس من المعمول به فى البلدان الصناعية الكبرى حيث تتدرج التعريفة فى التصاعد وفقاً لمستويات التصنيع ولا ينبغى أن يتشدق البعض بحرية التجارة لأنها شعار يرفع لخدمة الدول المتقدمة والشركات المتعددة الجنسية فقط، فعند الضرورة يلجأون إلى الإجراءات الحمائية لمعالجة العجز التجاري. ويضيف أن جوهر المشكلة هو لماذا لم تتطور الصناعة المصرية رغم هذه الإجراءات الحمائية ولم تهبط الأسعار؟ وهما الهدفان الأساسيان للسياسة الجمركية ويمكننا إرجاع السبب فى ذلك إلى عدم توافر العديد من العناصر الأساسية التى تحقق هذه الأهداف، يأتى على رأسها وجود جهاز إنتاجى متنوع وقادر على الإحلال محل الواردات التى سيتم التحكم فيها وكذلك سهولة وإمكانية الانتقال لعناصر الإنتاج بين القطاعات الاقتصادية وبعضها البعض لكى تنتج المزيد من هذه السلع وتكون قادرة على المنافسة الدولية، بما فى ذلك جودة الإنتاج، وأيضاً يستطيع سد حاجة الطلب المحلى كما يتطلب أن تكون السوق المحلية على أعلى درجة من التنافسية حتى لا يتعرض المستهلك لسيطرة القلة من المحتكرين على الأسواق، كما هو الحال فى الواقع المصرى المعيش، وبالتالى تؤدى إلى وقوع المستهلك أسيراً فى يد هؤلاء ومن ثم المزيد من ارتفاع الأسعار أو الحصول على المنتج غير الجيد، خاصة أن الاعتماد على رفع الأسعار وحده، للحد من الواردات يؤدى، عند مستوى معين، إلى الاستمرار فى الاستيراد، مما يترتب عليه، إما ارتفاع تكلفة الإنتاج، أو انخفاض حجم الإنتاج وتدهور الطاقة الإنتاجية، لأن جانباً كبيراً من الواردات يمثل مدخلات لإنتاج سلع صناعية وقطع غيار للآلات والمعدات، ويعنى نقص المعروض منها عدم تشغيل المصانع بطاقتها وظهور طاقة إنتاجية معطلة. وأرجع سبب ذلك إلى خصوصية الحالة المصرية، التى تتميز بارتفاع المكون الأجنبى فى الإنتاج المحلى والاعتماد الشديد على الواردات فى تلبية الطلب المحلى، الأمر الذى يؤدى إلى المزيد من الأضرار، فى ظل استمرار العجز التجارى ويفضى إلى التدهور المستمر للعملة المحلية. وبالتالى يتطلب الأمر إعادة صياغة السياسة التجارية للبلاد بما يجعلها كفؤا لبناء قاعدة اقتصادية للنمو. وللأسف فإن المشروع الجديد لم يتعامل بالشكل المطلوب مع هذه القضايا.