من بين177 دولة جاء ترتيب مصر في المرتبة114 وفقا لمؤشر مدركات الفساد لعام2013, وهو مؤشر سنوي يصنف الدول وفقا لمدي التزامها بمعايير الشفافية ومكافحة الفساد, وتصدره منظمة الشفافية الدوليةTransparencyInternational. وقد حازت مصر علي32 نقطة من أصل100 نقطة تمثل أعلي مستوي للشفافية وانعدام الفساد. هذا في حين كانت مصر في المرتبة118 من إجمالي174 دولة مرتبة تنازليا وفقا لهذا المؤشر عام2012, بنفس الدرجة100/32. هذا الترتيب المتأخر لمصر علي مقياس مدركات الفساد يثير القلق, كما يثير العديد من التساؤلات عن مدي كفاية وكفاءة الأجهزة الرقابية القائمة علي تعددها, وما إذا كانت تحتاج إلي إعادة هيكلة لصلاحياتها وسلطاتها وأسلوب عملها وعما إذا كنا في حاجة إلي استحداث أجهزة جديدة, هذا جانب. والجانب الآخر يتمثل في مراجعة التشريعات( قانون العقوبات, وقانون الوظيفة العامة,وقانون الكسب غير المشروع, والقوانين الاخري ذات الصلة بمكافحة الفساد).. هل مازالت صالحة ؟ وإلي أي مدي ؟ هل يكتفي بتعديلها؟ هل نحن في حاجة إلي إصدار قوانين جديدة ؟ الأمر أصبح يتعلق- إذن- بضرورة تكوين البنية المؤسسية والقانونية القادرة علي التعامل بحسم مع ظاهرة الفساد وتحجيمه, ووجود آليات فعالة للرقابة والمحاسبة, وخلق الردع المجتمعي الكافي الذي يحصر الفساد ويحاصره, وهذه كلها أمور ضرورية ولكنها ليست كافية في ظل غياب الشفافية والمعلومات. هناك اعتقاد واسع مفاده أن الشفافية والمساءلة هما دعامتا الحكم الرشيد, وأن المزيد من الشفافية والمساءلة هو الضمان للحد من الفساد والإفساد. إن نظام المعلومات المصري لم يعد مناسبا للتطورات المتلاحقة محليا ودوليا, سواء فيما يتعلق بإنتاج المعلومات وتحليلها, أو حرية تداولها. كما أن هذا النظام لا يستجيب لاحتياجات التنمية من عدة جوانب منها: - تقاعس الاجهزة الحكومية عن توفير البيانات بالتفاصيل اللازمة لحساب المؤشرات المعبرة وذات الدلالة. - افتقاد المصداقية لبعض البيانات والمؤشرات المنشورة. - ضعف الشفافية في تطبيق القانون الذي يمنع الجهات المختلفة( القطاع الخاص, المجتمع المدني, الجهات البحثية) من المشاركة في توفير المعلومات( من خلال دراسة أوضاع السوق والبحوث الميدانية) بدون إذن مسبق. وتتطلب الشفافية توضيح معايير هذا الإذن والمدة الزمنية للاستجابة للطلب وآليات التظلم من التعسف في التطبيق. لذلك كان من الضروري ومن المفيد التعجيل بإصدار قانون لحرية تداول المعلومات, انطلاقا من الحقائق التالية: - الحق في المعرفة: إن حق المواطن في المعرفة يأتي تلبية لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية, وترسيخ حق المواطن في المعرفة يعبر عن الشفافية بما يدعم المحاسبة والمساءلة ويتسق مع خطوات الاصلاح السياسي. - إرشاد ودعم صانع القرار: إن قدرة مصر علي الاستجابة لتحديات التنمية, وعلي المنافسة في الاسواق الدولية وجذب الاستثمارات مرهون بتوفير بيانات تتسم بالشمولية والدورية والجودة, وإتاحتها وسهولة الوصول إليها, مع التوظيف الأمثل للمهارات التكنولوجية والفنية في تنظيم تلك البيانات وتحليلها واستقراء دلالاتها. - توسيع دائرة المشاركة: إن المفاهيم التنموية الحديثة تدرك أهمية توسيع دائرة المشاركة بحيث يصبح المواطن والقطاع الخاص والمجتمع المدني شركاء في التنمية مع ما يستتبعه ذلك من مسئوليات وحقوق للأطراف المختلفة في توفير البيانات والمعلومات والاستفادة منها. من هذا المنطلق أصدرت العديد من الدول قوانينها الخاصة بحرية المعلومات, ويعني ذلك قدرة الافراد علي الحصول علي المعلومات من المؤسسات الحكومية والاطلاع علي السجلات ذات الصلة. كما توسعت بعض الدول في حرية الحصول علي المعلومات لتشمل حتي الحصول علي المعلومات من المنظمات غير الحكومية والشركات التي تحصل علي مال عام لتنفيذ مشاريع عامة. إن دعم منظومة الشفافية, بإصدار قانون لحرية تداول المعلومات, وكشف المستور بالسماح بنشر تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات وغيره من الاجهزة ذات العلاقة يعزز القدرة علي المحاسبة والمساءلة, وبالتالي تقويض عمليات الفساد وهدر المال العام, وتمكين المجتمع من إطلاق قدراته وتعظيم نموه.