بداية يطيب لي أن أهنيء أمتنا المصرية بالانجازات الشعبية وبداية مسيرة الديمقراطية, فقد أنجز الشعب الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري, وما هي إلا أيام حتي يلتئم المجلسان من أجل انتخاب لجنة صياغة الدستور الجديد. وبدأت إجراءات اختيار رئيس جديد للبلاد بالاعلان عن فتح باب الترشح في10 مارس, ثم تحديد الاجراءات العملية للانتخابات الرئاسية ثم مراجعة قانون انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس الشعب وتعديل بعض مواده, وهذا الحراك السياسي الذي دب في مجتمعنا بعد سنوات عجاف من تجريف كل مناحي الحياة في مصر, في ظل مستنقعات راكدة من الفساد والمحسوبية, ونهب ثروات الشعب وتكبيل ارادته والوصاية علي مقدراته, أوجد مناخا لممارسة الديمقراطية الحقة, وها هو الشعب علي أعتاب اختيار رئيس للبلاد وهي المرة الأولي التي يقرر فيها الشعب من يحكمه أقصد من يخدمه, وهناك مهام جسيمة وتحديات عظيمة في انتظار الرئيس القادم, وعليه أن ينتشل مصر خلال الأربع سنوات القادمة من الحالة الراهنة تمهيدا للانطلاق نحو حقبة جديدة من التقدم والازدهار, ولكي يحقق الرئيس القادم انجازات ملموسة, فعليه أن يضع أولويات حاكمة لخططه وبرامجه, وفي تقديري فإن في مقدمة هذه الأولويات تحقيق الشفافية في كل مؤسسات الدولة وممارساتها, ومكافحة الفساد, والشفافية تعني الافصاح الموضوعي والتدقيق المستمر علي أهداف الادارة العامة وبرامجها ومواردها وأنشطتها وكل أجهزتها والتأكيد علي أن جمهور المواطنين له الحق في أن يعلم كل الحقائق عن أداء الحكومة وسلوك الموظفين العموميين. وهذا يعني أن علي السلطات الحاكمة أن تتيح المعلومات للأطراف ذات المصلحة وان تمكنهم من الاطلاع علي هذه المعلومات بالقدر الكافي وان تساعدهم في فهمها ومراقبتها وأن تزيد سهولة الوصول إليهاAccessability, وذلك في إطار سيادة القانون والمساءلة بما يحد من ممارسات الفساد وسلوك المفسدين, وقد وجد أن هناك علاقة بين درجة الشفافية في المجتمع وبين انتشار ظاهرة الفساد فهي علاقة عكسية بمعني أن زيادة درجة الشفافية تقترن بمستويات منخفضة من الفساد بشتي أنواعه. والفساد طبقا لمنظمة الشفافية الدولية الفساد(TI) يعني استعمال السلطة لتحقيق مكاسب خاصة وغياب التشريعات التي توفر حق الوصول إلي المعلومات, والسماح بالتالي لصناع القرار في التصرف من دون محاسبة. وهذه المنظمة العالميةTransperencyInternational تصدر تقريرا سنويا عن حالة الفساد بالعالم, اعتمادا علي مؤشر يقوم علي دراسات مسحية وتحليل بيانات واتجاهات كثير من المحللين, من داخل وخارج البلد التي يقومون بمسحها, ملاحظاتهم حول مدي فساد البلد, ثم تنشر النتائج سنويا وتصدر ترتيبا بحالة الفساد في كل دولة طبقا لمؤشر مدركات الفساد'CorruptionPerceptionsIndex' ويعبر المؤشر عن مقياس لمستوي الفساد في الدولة يتراوح بين(10) أي خلو الدولة من الفساد إلي(0) أي الأكثر فسادا في العالم, وقد نشرت المنظمة أحدث تقاريرها الشهر الماضي عن وضع الفساد بالعالم في2011, وتضمن التقرير ترتيب183 دولة, وطبقا للتقرير فقد سجلت نيوزيلندا أدني مستوي فساد(9,5) تليها الدنمارك(9,4) فالسويد(9,3) ثم سنغافورة(9,2), وجاء ترتيب مصر112 مسجلة(2,9), وظل هذا المعدل منخفضا وقد تدهور من3,4 في عام2002 إلي2,8 في2007, وهو ما يعكس استشراء الفساد بكل صوره في العهد البائد, ووصل ذروته في الخمس سنوات السابقة لثورة يناير, وهي نفس الفترة التي شهدت تدهورا ملحوظا في مؤشرات اداء المجتمع من حيث مستوي المعيشة والتنمية البشرية والتنافسية الدولية, وقد أدي تنامي الفساد واستفحاله بمصر في ظل رعاية رسمية من النظام السابق وحاشيته, إلي صدور تقارير دولية منددة بشيوع الفساد في قطاعات واسعة وأهمها الاسكان والضرائب والجمارك والمناقصات الحكومية, وطبقا لتقرير من منظمة الشفافية الدولية فقد تم اهدار39 مليار جنيه في2010 بسبب الفساد, وندد التقرير بتزوير انتخابات2010 والتشويه المتعمد لقانون الانتخابات ووقائع التعذيب في السجون وغيرها من مظاهر الفساد السياسي والمالي, وقد أرجعت المنظمة ذلك إلي غياب الجهود الحكومية لمحاربة الفساد وسوء استغلال السلطة وتضارب المصالح والتدخل السياسي وضعف تطبيق القانون ومحدودية امكانية الوصول إلي المعلومات. وقد وجد أن للفساد تكاليف باهظة سياسيا( عائق أمام الديمقراطية والمساءلة) واقتصاديا( هروب الاستثمارات وتآكل ثروة البلد وشيوع البؤس والفقر) واجتماعيا,( ذيوع الرشوة والسلوك الانتهازي والفساد الأخلاقي) وبيئيا( تلوث البيئة وتعظيم مكاسب بدون مخالفات), وخلاصة القول أن علي حاكم مصر القادم لكي يطبق معيار الشفافية ومكافحة الفساد أن يتبني هدفا قوميا محددا وقابلا للقياس وهو وصول مصر لدرجة5 علي مؤشرCPI خلال أربع سنوات, وذلك من خلال اجراءات محددة ومنها حرية تداول المعلومات والافصاح عن الموازنة العامة للدولة وحسابات الحكومة والمناقصات الحكومية, واصدار قانون مكافحة الفساد, واصلاح نظامي الضرائب والجمارك وترشيد التوظيف الحكومي وإصلاح نظام أجور موظفي الحكومة حيث إن قطاع الخدمة المدنية بمصر هو الحاضن الأكبر لظاهرة الرشوة وهي أم كل داء. أستاذ إدارة الموارد البشرية بجامعة حلوان [email protected]