سؤال انتشر على مدار الاسابيع الاخيرة حول ماهية اسباب الارتفاع المبالغ فيه في اسعار صرف الدولار امام الجنيه المصري وانتشار المضاربات عليه وهو ما يعود في الاساس الي الارتفاعات المبالغ فيها وغير المبررة للدولار بالسوق الموازية التي جانب اساسي منها ناتج عن مضاربات وشائعات من أطراف تبغي الضرر بالوطن ويجب محاسبة من يتفوه بمثل الأخبار الكاذبة لأنه يضر الأمن القومي والمواطن والاقتصاد المصري ككل، ويحقق ضررا كبيرا بالصناعة المصرية وبالاستقرار . ورغم ذلك فلا يمكن إغفال أن ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء يعود ايضا إلى نقص المعروض منه فى البنك المركزى والبنوك المصرية، وإن ما يعلنه البنك المركزى من ضخ كميات من الدولار فى عطاءاته لا يكفى حاجة مصر من الاستيراد كما ان تلك الضغوط فى الطلب على العملة الأمريكية تزامنت مع تأخر التدفقات النقدية المتوقعة نتيجة أسباب داخلية وأخرى خاصة بالأسواق الخارجية، مثل العودة البطيئة لاستثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى. لكن يجب التأكيد أن البنك المركزى لن يعمل منفردا بعيدا عن الحكومة التى لم تتدخل فى وضع برنامج لجذب الاستثمارات فى ظل انخفاض قيمة الجنيه المصرى، الذى يعتبر بيئة جاذبة للاستثمار، فمع استمرار نقص موارد العملة بعد انهيار السياحة وتراجع الصادرات وعدم قدرة الحكومة على طرح برامج استثمارية لجذب مشروعات تدر العملة مرة أخرى، سينفد الاحتياطى الدولارى بالبنوك. ونشير الي أن هناك دلائل علي قيام شركات وافراد تقوم بتجميع الدولار من المصريين العاملين بالخارج فى دول الخليج مثل السعودية، والإمارات والكويت، وتعرض عليهم أسعار السوق السوداء لبيع الدولار مقابل منح ذويهم فى مصر للجنيه المصرى بضمانات كاملة فى الحصول على حقوقهم، و هذه الجهات هى الوسيلة المطروحة حاليا لجمع الدولار ومنع دخوله مصر، وهو ما تستفيد منه الشركات الوسيطة بعيدا عن الاقتصاد القومى لهذا فهناك ضرورة لقيام البنك المركزى بتفعيل قيام فروع البنوك المصرية المنتشرة فى جميع دول العالم، أو أى جهة مصرفية أجنبية أخرى خارج مصر، يراها البنك المركزى لجذب وتجميع وشراء مدخرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، حتى لا يتم استقدامها بطرق غير شرعية للمضاربة بها داخل مصر، ولمنع خلق سوق تحويلات موازية من جانب جهات مختلفة قد تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطنى مع إلغاء اي رسوم للتحويلات من المصريين في الخارج الي مصر تشجيعا لهم لهذا فان «المحتفظين بالدولارات لن يتخلوا عنها إلا إذا شعروا أن هناك مكسبًا ما أو أن تنخفض قيمتها، وكلا الأمرين غير متوفر فى الوقت الراهن». كما انه يجب الاستمرار في تقديم محفزات لجذب استثمارات دولارية خارجية مثل طرح اراضي مشروع بين الوطن او مزارع مميزة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان او الاسراع في بيع تراخيص الجيل الرابع للاتصالات . من الواضح أن سياسة الحفاظ على قيمة الجنيه عملت على إرساء مبدأ استقرار اسمى للعملة الا أنها ايضا لها تأثير على زيادة تآكل القدرة التنافسية لمصر، حيث إن قوة الدولار الأمريكى وارتفاع معدلات التضخم المحلى نتج عنهما ارتفاع حاد فى سعر صرف الجنيه الحقيقى بشكل فعال بالمقارنة بمتوسط النسبة منذ عشر سنوات. كما أن استمرار التقلبات المتعددة فى أسعار صرف العملة المحلية فى مقابل العملات الأجنبية يمثل قلقاً مستمراً لدى أصحاب رءوس الأموال الراغبين فى الاستثمار بمصر، بالاضافة الي أن هذه التقلبات تغير تقييمات الفرص الاستثمارية المتاحة كل حسب المجال الذى ينتمى له، ومدى ارتباط نشاطه سواء بالتصدير أو الاستيراد مؤكدا أن أسعار صرف العملات الأجنبية فى السوق المحلية ما زالت التحدى الأكبر أمام المستثمرين الراغبين فى دخول مصرو هو ما دفع البنك المركزى الي زيادة مرونة سعر الصرف فى العام الحالى لضمان موازنة أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه. الاساس في الازمة الحالية سواء علي المستوي النقدي او الاقتصادي هو عدم قدرة الاقتصاد علي تنمية موارده بالعملات الاجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الاجنبية المباشرة بصورة كافية وتراجع ايرادات الصادرات وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء مما يضطر الدولة لاستيرادها وأيضا اعتماد الكثير من الصناعات القائمة علي المدخلات المستوردة وضعف المكون المحلي بنسب متفاوتة تصل في بعض الأحيان إلي مجرد التعبئة. ويستلزم علاج هذه المشكلات اقامة تنمية صناعية مستدامة في ظل هيكلة اقتصادية قد يمتد تنفيذها لعدة سنوات لاقامة صناعات لتحل محل الواردات من ناحية وتنمية التصدير من ناحية اخري وتظهر بوادر هذه الاستراتيجية حاليا في استراتيجية تنمية وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة واقامة تجمعات زراعية تصنيعية متكاملة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان . انه من المفيد لتعظيم النتائج اتباع استراتيجية لسياسة نقدية مرنة تسهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى قدرتها على تجميع فائض المدخرات من القطاعات الاقتصادية المختلفة لاعادة توظيف هذه المدخرات فى تمويل عمليات الاستثمار والتبادل التجارى مع ربط معدلات التوسع النقدى بمعدلات لنمو الدخل المحلى الاجمالى وتحقيق التوازن الداخلى والخارجى على السواء والمحافظة على استقرار سعر صرف حقيقى وأن تتواءم وتتفاعل ديناميكياً السياسة النقدية مع باقى السياسات الاقتصادية وتحقيق اهدافها بأقل اختلافات ممكنة وتحقيق اقصى ما يمكن من استفادة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية من خلال إطار مؤسسى للدولة. أعيد التأكيد ان إجراءات البنك المركزي لن تكفي وحدها لمعالجة الازمة الاقتصادية ولابد من وجود سياسة مالية واستثمارية رشيدة ومحفزة لمساعدة المتضررين من محدودي الدخل، بالإضافة الى ضرورة اصلاح اختلال هيكل ميزان المدفوعات الناجم عن خلل الميزان التجارى، وإعادة النظر في سياسة التصدير وتنافسية الصادرات المصرية. نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار