أحمد إبراهيم عامر «بنغازى وطن فى مدينة»، عبارة مكررة لن تغيب.. فبعد انتصار بنى غازى بشعبها وجيشها على أشرس وأضخم الجماعات الإرهابية فى العالم «داعش والقاعدة» بدأت المدينة فى نفض غبار الحرب، فدماء شهدائها التى روت الأرض للحفاظ على العرض من رجال الجيش الليبى البواسل ورجال وسيدات وأطفال المدينة، وأشرقت شمس الحرية وحملت نسمات الهواء كبرياء الانتصار، هذا ما تشعر به فور دخولك حدود مدينة بنغازى.
دخلنا المدينة المنتصرة على الإرهاب بعد تحريرها بكامل أحيائها من إرهاب عشش داخلها لمدة سنوات، ما عدا بعض المبانى التى يتحصن بها مقاتلو داعش من قناصة وبعض الشوارع التى لا تزال تحتوى على مفخخات وألغام، لنرى مشهدًا يقترب من مشهد خلية النحل، الكل يعمل، فالأهالى يتشوقون للذهاب لمنازلهم بعد تحرير مناطقهم، رجال المرور ينظمون حالة السيارات، البلديات بدأت العمل من داخل مراكزها برغم آثار الطلقات التى لا تزال على الجدران، أياد تغرس الأشجار وأخرى تجمع النفايات، دخلنا بعض المناطق المحررة من أيام قليلة وتحديدا حى الليثى الذى سجل أشرس المعارك بين رجال الجيش ومقاتلى الإرهاب، فكان أحد حصونهم المنيعة الذى تلاشى أمام صمود وعزيمة رجال المؤسسة العسكرية الليبية، وشاهدنا عائلات بالكامل تحاول محو آثار الدمار عن منازل تعتبر مهدمة بالكامل لبدء بنائها، عائلات تلو عائلات وبرغم المآسى الجميع يبتسم يضحك فرحا بالانتصار، ويفتخر بجيشه ورجاله، كل من تحدثنا معهم لا يهمهم حجم وضخامة دمار منازلهم بقدر تفاؤلهم بالقادم وثقتهم فى جيشهم، فالجميع يترك الحديث عن الدمار ويتحدث عن البناء، الجميع بلا استثناء يؤكد أن الجيش الليبى وقيادته العامة هى من تمثلهم ولا يثقون فى أى من الساسة لأى من الطرفين، بل كل ثقتهم وأملهم ودعمهم للجيش ورجاله فقط، بعد جولتنا مع الأهالى بالأحياء المحررة، وفى ثانى يوم لزيارتنا ذهبنا صباحًا لحضور حفل نظمته إحدى جمعيات المجتمع المدنى تحت اسم «فزعة بنغازى» الذى أقيم بمسرح الطفل لبيع الكتب والمنتجات اليدوية كبازار لدعم أسر النازحين، وتفاجأنا بنسبة الحضور وكأن كامل أهالى المدينة تزينوا ليوم عيد أو عرس بأبهج الملابس رجالا ونساءً وأطفالاً، تجمعهم الابتسامة وتملأ وجوههم البهجة، لنشاهد ونرصد حب الحياة، وبعد عدد من الساعات تحركنا لمستشفى «مركز بنغازى الطبى» والذى كان قد تعرض بعض مبانيه لصواريخ الإرهاب فى وقت الحرب، وهو يعتبر أكبر مستشفى بالمدينة لنتأكد أن المعركة حسمت، وأنه لم يستقبل أى حالة إصابة من صفوف جنود الجيش الليبى يوم زيارتنا بعد أن كان يستقبل المئات كل يوم خلال الأسابيع الماضية، زرنا جرحى الجيش وأيضا تفاجأنا برغم ألم الإصابات البالغة بابتسامتهم وفرحتهم بالنصر والانتصار، لنذهب لنادى أصدقاء الكتاب الذى كان ينظم فى نفس اليوم ندوة رثاء عن الشاعر العربى الليبى «على الفرجانى» بحضور الشاعرة خديجة البسكرى نائب رئيس هيئة الصحافة، والصحفية المميزة سالمة مدنى، وبحضور مميز بدأت الندوة بعدد من مثقفى بنغازى، لنخرج ونجد رجال الجيش والشرطة موجودين مساء بكل الشوارع يحمون المواطنين بابتسامة المنتصر، تحركنا مع الصديق والرفيق خالد الترجمان المستشار السياسى لمجلس النواب ورئيس فريق العمل الوطنى الليبى، بشوارع المدينة ليلاً، ومعنا ابنه علاء الترجمان، ذو الثلاثة عشر عامًا بكاميراته يسجل بأنامله كل تفاصيل زيارتنا للمدينة من الصباح الباكر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، لنحاول نقل بهجة مدينة تخلصت من سرطان الإرهاب منفردة بشعبها وجيشها فى ظل ضغط دولى بحظر استيراد السلاح للجيش الليبى، ليسجل التاريخ لهذا الشعب أنه استطاع أن ينجح فيما فشلت فيه جيوش وطائرات دول عظمى تتحالف للقضاء على داعش فى العراق والشام، ولم تستطع حتى الآن برغم آلاف الضربات الجوية ومليارات الذخائر والأسلحة، فكل التحية لمدينة البهجة العربية بنغازى «المالحة» كما يسميها أهلها.