بلا شك أن أعظم ما منحه الله لمصر هى ثروتها البشرية وأعظم ما فى هذه الثروة أصحاب المواهب المتميزة فى مختلف المجالات ؛ وإذا كنا قد فقدنا وأضعنا لظروف عديدة ليست مواتية مرت بها مصر مواهب العديد من الكبار فلدينا كل الأمل والاهتمام بمواهب الصغار ، ليس فقط لأن الطفل المصرى هو أكثر أطفال العالم موهبة، ولكن أيضا لأن الاهتمام بمواهب الأطفال هو أفضل استثمار لمستقبل لمصر ، وهو ما أكدته فى أطروحتى لنيل الماجستير والتى كانت عن دور برامج الأطفال فى التليفزيون المصرى فى تنمية مواهبهم ،لذا فأنا أختلف مع من يرى أن الإعلام المصرى الرسمى خصوصا المرئى لايهتم بمواهب الأطفال الصغار، فهذا يجافى الواقع بدليل أننى على سبيل المثال أقدم برنامجين أسبوعياً لاكتشاف مواهب الأطفال، الأول مواهب على الهواء بالقناة الثالثة وقدم لمصر عشرات المواهب فى الشعر والغناء والفن التشكيلى والتمثيل والعزف وغيرها، أيضا أقدم برنامج مماثل فى قناة صحتى وهى قناة حكومية ،وغيرى عشرات الزملاء ..وإن كنت أعترف بأن الاهتمام بمواهب الأطفال أقل من طموحات المصريين ،بما يتناسب وجينات الإبداع المتوارثة فى الطفل المصرى على مدار عشرة آلاف سنة، والأهم أن نتعامل مع هذه المواهب بأسلوب علمى يحقق للوطن المرجو منها، فوفقاً لأحدث الدراسات تبيَّن أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم نحو 90% ، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10% ، وما إن يصلوا إلى سن الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط . مما يشير إلى أن أنظمةَ التعليم والأعرافَ الاجتماعيةَ تعمل عملها فى إجهاض المواهب وطمس معالمها، مع أنها كانت قادرةً على الحفاظ عليها، بل تطويرها وتنميتها أن لكلِّ طفلٍ ميزةً تُميِّزه من الآخرين ، كما نؤمن أن هذا التميُّزَ نتيجةُ تفاعُلٍ ( لا واعٍ ) بين البيئة وعوامل الوراثة . ومما لاشكَّ فيه أن كل أسرة تحبُّ لأبنائها الإبداع والتفوُّق والتميُّز لتفخر بهم وبإبداعاتهم ، وهذه الحقيقة يدعمها الواقع ودراساتُ المتخصِّصين التى تلفت النظر الى عدة نقاط منهاضرورة أن نكون قدوة حقيقية لأطفالنا وعلينا أن نتوجَّه إلى نقد الفعل الخاطئ ، لا نقدِ الطفل وتحطيم شخصيته . أيضا على المؤسسات المعنية تنظيم المواهب فقد يبدو فى الطفل علاماتُ تميُّز مختلِفة ، وكثيرٌ من المواهب والسِّمات ، فيجدُر التركيز على الأهم والأَوْلى وما يميل إليه الطفل أكثر، لتفعيله وتنشيطه وأن تدعم طفلك بلقب يُناسب هوايته وتميُّزه ، ليبقى هذا اللقب علامةً للطفل، ودعم الموهبة بالمعرفة ، وذلك بالإفادة من أصحاب الخبرات والمهن، وبالمطالعة الجادة الواعية ، والتحصيل العلمى المدرسى والجامعى ، وعن طريق الدورات التخصصية . وأمر حسن أن يمتهن الطفل مهنة توافق هوايته وميوله فى فترات العطل والإجازات ، فإن ذلك أدعى للتفوق فيها والإبداع، مع صقل الموهبة والارتقاء بها من خلال الممارسة العملية . من وسائل التعزيز والتحفيز: ذكر قصص السابقين من الموهوبين والمتفوقين، والأسباب التى أوصلتهم إلى العَلياء والقِمَم ، وتحبيب شخصياتهم إلى الطفل ليتَّخذهم مثلاً وقدوة ، وذلك باقتناء الكتب ، أو أشرطة التسجيل السمعية والمرئية و CD ونحوها . مع الانتباه إلى مسألة مهمة ، وهى : جعلُ هؤلاء القدوة بوابةً نحو مزيد من التقدم والإبداع وإضافة الجديد ، وعدم الاكتفاء بالوقوف عند ما حقَّقوه ووصلوا إليه . ومن وسائل التعزيز والتشجيع : الاحتفاءُ بالطفل المبدع وبنتاجه ، وذلك بعرض ما يبدعه فى برامج التلفزيون وكذلك فى مكانٍ واضحٍ أو بتخصيص مكتبة خاصة لأعماله وإنتاجه ، وكذا بإقامة معرض لإبداعاته مع الحرص على اقتناء الكتب المفيدة والقصص النافعة ذات الطابع الابتكارى والتحريضى ، المرفق بدفاتر للتلوين وجداول للعمل ، وكذلك مجموعات اللواصق ونحوها ، مع الحرص على الألعاب ذات الطابع الذهنى أو الفكرى ، فضلاً عن المكتبة الإلكترونية التى تحوى هذا وذاك ، من غير أن ننسى أهمية المكتبة السمعية والمرئية ،هكذا تكتمل منظومة الاهتمام بمواهب الصغار حتى نضمن لهذا الوطن غدا أكثر إشراقا وألقا وتقدما. * كبير مخرجين بالتلفزيون المصرى