سيد محمود حسن - يعرف المتابعون لحركة الثقافة العربية في الغرب الدور الذي يلعبه المستشرق الألماني شتيفان فايدنر في التعريف بالثقافة العربية، ليس فقط بحكم إشرافه على تحرير مجلة “فكر وفن" التي يصدرها معهد جوتة باللغة العربية، وإنما أيضا بحكم اهتمامه بشئون العالم العربي كمعلق وصحفي له حضور بارز في وسائل الإعلام الألمانية للتعليق على كل مكا يرتبط بعالمنا. وأخيراً أولى فايدنر عنايته بالتغييرات التي يعيشها العالم العربي منذ اندلاع الثورة التونسية وحتى الآن وراقب عن كثب هذه التطورات وحررا كتابا عنها بعنوان: دليل صراع الحضارات. لماذا يعتبر الإسلام تحديا. صدر عن دار نشر Verlag der Weltreligionen. ويهدف إلى التوعية فيما يتعلق بالإسلام والعالم الإسلامي ونظرتنا لهم. وبحسب صفحة معهد جوته تساعد التقارير والحوارات الصحفية لشتيفان فايدنر على تكوين نظرة جديدة وغير متحيزة لواحدة من أكثر القضايا جدلاً في هذا العصر. كما تثبت أنه: يمكن للمرء أن يكون رأياً واضحاً ونقدياً عن الإسلام دون الوقوع في براثن النمطية. وقبل هذا الكتاب أصدر فايدنر كتابه الذي ترجم الى العربية بعنوان “الاسئلة المخفية، محاولة للاقتراب من الإسلام" (دار الجمل 2007 وتضمن سلسلة من النصوص التي تتراوح بين المذكرات الشخصية والمقالات التحليلية والمحاضرات المدونة تدور كلها حول شغف المؤلف بالإسلام وقضاياه على نحو نقدي يربط الخبرة الشخصية بالمعرفة المعمقة لثقافة المنطقة. وشتيفان فايدنر من مواليد عام 1967 ودرس العلوم الإسلامية والآداب الألمانية والفلسفة في جامعات جوتينجن ودمشق وبيركلي وبون. وهو يعمل كمؤلف ومترجم وناقد أدبي ويشغل منذ عام 2001 منصب رئيس تحرير مجلة “فكرٌ وفن" والتي يصدرها معهد جوتة من أجل الحوار مع العالم الإسلامي. ولقد قام بترجمة أعمال الكثير من الشعراء من اللغة العربية ومنهم أدونيس ومحمود درويش.. وهنا حوار معه عما يجري في المنطقة ورؤيته لما تعيشه الثقافة العربية المعاصرة من تحولات. من واقع معرفتك بالعالم العربي كيف تتأمل ما يجري فيه من تحولات ارتبطت بما يسمى بالربيع العربي؟ الثورات ملك العرب وشأنهم وليس شأننا، ولكن لهذه الثورات أهمية في الغرب، لأنها غيرت صورة العرب هناك، أنت تعرف أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت هذه الصورة سلبية تماما، ومعظم الألمان على سبيل المثال كانوا يفكرون بأن العرب لا يوجد لهم طموحات سياسية ولكن طموحاتهم دينية، بسبب افتقار الوعي سياسي أو الطموح الديمقراطي، الآن تغيرت هذه الصورة بشكل واضح، تغيير أقرب للصدمة بفضل تلك الثورات. شخصيا كنت سعيدا بذلك لأني كنت أدافع عن العرب وأنفي عنهم تلك الصور المسبقة، ولأول مرة بعد الثورة لاحظت أن هناك تغييرا بالنسبة لأراء الألمان والغرب عن العرب، لكن هذا التغيير أيضا هو مبكر نسبيا، فالصدمة الثانية التي أحدثها وصول الإسلاميين إلى السلطة التشريعية والبرلمانية لم تكن إيجابية أيضا.. الان نحن المستشرقين مطالبين بأدوار أكبر علينا مثلا أن نشرح أن ما يجري تطور طبيعيا وعلينا أن نعترف أن أكثرية الشعوب العربية انتخبت التيارات الإسلامية، وعلينا أيضا ألا نخاف من هذا التطور، لأن استلام الأحزاب الإسلامية للحكم في إطار ديمقراطي هو خطوة إيجابية في المطلق، فبالإمكان أن ينتخب العرب حكومات أخرى في المرة المقبلة، لأن إطار الديمقراطية يسمح بالتعددية ودولة الحقوق، فلا مكان للخوف، بالعكس علي الأحزاب الدينية في مصر وتونس أن تعترف بما تريد حقيقة ونعرف هل لديهم برنامج سياسي أو اقتصادي حقيقي أم مجرد شعارات.. وهل موقف التيارات الدينية من الغرب يشكل مخاوف بالنسبة لقطاع كبير من المفكرين والسياسيين في الغرب؟ الخوف موجود لكن الآراء الإيجابية مازالت قوية، علينا أن نتفائل فلا يوجد خيار آخر وهذه وجهة نظر السياسيين أيضا، والسياسة لا تخاف من الإسلام بل تتعاون معه، في السعودية كانت تتعامل مع المجاهدين في أفغانستان، وفي أحداث 11 سبتمبر كانوا معظم المختطفين سعوديين برغم ذلك علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية مع السعودية من أفضل العلاقات بين الدول، لكن هناك تخوفا من بعض المثقفين والسياسيين في الغرب الذين لا يعرفون العالم العربي جيدا. لكن هل تعتقد أن وجود معرفة بالعالم العربي مؤسسة علي تقاليد أكاديمية تجعل ألمانياوفرنسا مؤهلتين أكثر من غيرهما لبناء جسور ثقافية في هذه المرحلة الجديدة؟ اعتقد أن ألمانيا تلعب هذا الدور بالفعل، ليس لوجود مؤسسات استشراقية، ولكن لانها لم تكن صاحبة تاريخ استعماري في الدول العربية، وبالتالي هي مصدر ثقة إلى حد كبير وأنا كألماني ألاحظ أن الشعوب العربية ترحب بنا، ربما لأننا لسنا أصحاب تاريخ سياسي سييء في العالم العربي، مثل فرنسا وإنجلترا، أما الاستشراق فهو لا يزال مرتبطا بالأماكن الأكاديمية المغلقة وهي غير مهمة لصناع السياسة أو تفاصيل الحياة اليومية أنا مثلا تركت المجال الأكاديمي لأن الوضع يسير ببطء ولا يوجد فيه التغيير الكبير. في سياق عملك مترجم لاحظت أنك تهتم بترجمة الكتاب الأكثر انتشارا وليس الأكثر تأثيرا؟ في ظني أن مفهوم الانتشار لا يختلف عن التأثير، هناك نوعان من التأثير الأول الكمي وهو تأثير تجاري والثاني الكيفي وهو تأثير مرتبط بالأفكار، ومن الطبيعي أن الأفكار الغريبة غير منتشرة تواجه صعوبة في صنع التأثير، وما هو قابل للانتشار دائما ما هو معروف ومنتظر، وأنا كمثقف مع تأثير الأفكار الجديدة، لكن يجب أن أعترف بأن هذا تأثير محدود بين نخبة من المثقفين، وما نحتاجه تأثير شعبي لعامة الناس! وما تفسيرك لانتشار أعمال كتاب عرب في الغرب، وبينما أعمالهم في بلادهم هي مثار سؤال كبير عن قيمتها وأسباب رواجها؟ لا شك أن القراء الألمان يقرأون بشكل مختلف عن القاريء العربي لأنهم لا يوجد لديهم خلفية معقدة عن الكاتب أو حتى مسار تطور النوع الأدبي الذي يكتب فيه، فالألمان يفضلون الروايات السلسة والبسيطة، لكن لابد أن نعترف أن كاتبا علاء الأسواني يكتب للقاريء العام وهي مسألة جميلة ومهمة، كانت غير شائعة وبالتالي كان بالإمكان نقل رواية مثل “عمارة يعقوبيان" للقاريء الألماني دون أن مشكلات في تلقيها، فالقاريء الغربي استطاع من خلالها اكتشاف عوالم جديدة. هل مفارقة أن ينجح عمل أدبي في بلده مثل أعمال الأسواني وتنجح في الغرب أيضا؟ أتصور أن هذا الأمر نادر نسبيا، فالشاعر نزار قباني مشهور في البلاد العربية، لكنه لا يمثل شيئا للغرب، فالظروف الاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تلقي الأدب، وهي مختلفة كليا بين العرب والغرب، فلهذا هناك معجزة عندما يحقق الكتاب نجاحا في الجانبين. لكن علينا أن نفرق بين نجاح قصير النفس وهذا النجاح وجدته رواية “برهان العسل" لسلوى النعيمي ونجاح آخر طويل الأجل يعرفه عبد الرحمن منيف أو حتى أعمال علاء الأسواني التي أعطتها الثورة المصرية أيضا مبررات للعيش الأطول ربما بفضل مناصرة مؤلفها للثورة لأنه تحول إلى كاتب معروف في الغرب وظل القراء في انتظار تعليقاته اليومية على الأحداث في المنطقة وهي ميزة تحظى بها قلة من الكتاب. هل تعتبر كتابك “الأسئلة المخفية عن الإسلام" الذي صدر قبل عدة سنوات تضمن نبؤة ما علي ما يمكن أن يحدث من تحولات مع وجود فضاء إسلامي في المجتمعات العربية الآن؟ شكرا على هذا المديح، لكن لم يكن هذا غرضي، فقط كنت أريد أن أعبر عن شعور متناقض يتملكني، وهو أنني أحب العرب، لكن أيضا لدي شعور كبير أحيانا بالاغتراب عنهم، أحب أن أسافر إلي بلادهم لكن أحيانا أتعب وأنا هناك، وهذا التناقض جعلني أن أكتب هذا النص الذي لا يعبر فقط عن شعوري بل شعور من يري البلاد العربية من الخارج، وربما كتبته لأنني شخص متمزق من الداخل. وأنت تعرف أنني كتبته بالألمانية ثم ترجم للعربية، كتبته بكل حرية ولم يكن في بالي أبدا أنه سيتاح للقاريء العربي، وإجمالا هو يعبر عن قلق باحث ألماني لديه شغف بالعالم العربي. أنت أيضا رئيس تحرير مجلة “فكر وفن" العريقة التي يصدرها معهد جوتة منذ سنوات وتوجه للعالم العربي هل تعتقد أن معاركك وحضورك في الثقافة العربية يفيد المجلة أما يذهب بها إلي مصير غامض؟ هذا سؤال جيد، في بعض الأحيان تستفيد المجلة من حضوري في الترويج والتسويق، فكلما يتناقش الناس حول شيء أكتبه حتي ولو بشكل سلبي تستفيد المجلة من ذلك، فنحن نحتاج إلي التسويق وإثارة الانتباة. وماذا عن معركتك مع جمال الغيطاني الذي اتهمك باتهامات كثيرة فهل أثرت هذه الاتهامات في وضع المجلة؟ علي أي قاريء أن يقرأ المجلة ويحكم بنفسه، قرأت هذا الكلام الذي كتبه الغيطاني وفوجئت به، هو يقول مثلا “أنني أشتم العرب، لكن الحقيقة أن مجموعة من اليمين في ألمانية، يرون أنني أريد أن أسهم في “أسلمة ألمانيا" فأنا أهاجم دائما في ألمانيا لأني قريب من العرب، وأهاجم من العرب لأني قريب من الغرب، لكن في ظني هذا أفضل شيء. فقد كان المستشرق الأمريكي الكبير برنارد لويس يقول إنه فخور لأن عملاء ومديروالمخابرات الإسرائيلية وحزب الله وحماس يقرأون كتبه، كنت أعتبر أن هذه إشارة سيئة لكتبه لأن هذا يعني أنها تتضمن رؤية مزيفة للعالم الإسلامي لكنها أيضا كتب اشكالية، أنا أفتخر وإن كان المتطرفون من أي جهة ضدي المتطرف اليميني الألماني، والمتطرف القومي أو الإسلامي من جهة أخرى. هل تعتقد أن مؤسسات ثقافية معنية بالتبادل والحوار الثقافي مثل “جوتة" عليها دور أكبر الآن أم أن التطورات التي تجري في المنطقة أكبر منها؟ التطورات دائما أكبر من أي مؤسسة أو معهد غربي أو رئيس أو حكومة، لكن في الحقيقة تزداد أهمية هذه المؤسسات وهذا ملحوظ خصوصاً عندما انتبهت المحكمة والحكومة المصرية لدور تلك المؤسسات بعد تلك السنوات من العمل، ودورها هو دعم التيار الديمقراطي والتغييري الذي يدافع عن دولة الحقوق.