حسناء الجريسى تصوير - موسى محمود عرف الشاعر «سعيد شحاتة» بصوته الواضح والصريح فى انتقاد ما يراه من أوجه فساد فى وزارة الثقافة، بما فى ذلك الهيئة العامة لقصور الثقافة، التى يعمل بها، وجاء فوزه بجائزة أحمد فؤاد نجم التى تمنحها سنويا مؤسسة ساويرس الثقافية، ليعطى معنى لما يكتبه فى شعر العامية، فالقيمة التى خاصمتها جائزة معرض القاهرة للكتاب، تتحقق هنا عبر مؤسسة خاصة، تمنح جوائزها طبقا لمعايير الجودة، لا المحاباة والمجاملة. سعيد شحاتة هو ابن بحيرة البرلس التى علمته الشعر، من خشونة الأيادى وآهات الصيادين، وعيون أمه، كل هذا كان سببا مباشرا لدخوله عالم الشعر، والتفاصيل فى هذا الحوار. ماذا تمثل لك جائزة ساويرس التى حصلت عليها؟ الجوائز فى حياة أى مبدع قيمة لا يمكن إغفالها، محطّة تؤكد لصاحبها أنه يسير على الدرب الصحيح، نقطة انطلاق لمن يتعامل معها باعتبارها مرحلة تنتهى بانتهاء الاحتفال بها، درع توضع أمام عين المبدع لتذكره أنه وصل إلى مستوى معين وعليه أن يتخطاه فى أقرب وقت حتى لا يتوقف عنده، سطر من نور فى سيرة أى كاتب يسعى إلى ما هو جيد قدر المستطاع، أما عن «جائزة نجم» فهى جائزة من نوع خاص، تحمل اسم مقاتل ضل طريقه إلى الشعر، تاريخ من الكفاح والنضال والمعاناة والحرمان، مبدأ دفع صاحبه لأجله كل غال، جائزة تحمل اسم زاهد جاءته الدنيا أكثر من مرة فتركها ليعيشها كما يريد، تركها حتى لا تملى عليه شرطًا واحدًا من شروطها، حتى يملى هو عليها شروطه، جائزة نجم أسعدتنى جدًّا لأنها تحمل اسم الكبير دائمًا أحمد فؤاد نجم. البعض يعتبر الشغب وسيلة لتحقيق الأحلام وهناك من يراه اعتراضا على واقع مرير؟ كيف ترى هذا الأمر؟ الشغب والشاعر كيان واحد، مزيج من صنع الله سبحانه وتعالى، وهو ليس شغبًا بما تحمله الكلمة من معنى ولكن يمكن أن نطلق عليه تمرد، هذا التمرد لا يمكن للشاعر اصطناعه من أجل تحقيق حلم، أو من أجل مكسب رخيص لا يمت لكينونة الشاعر بصلة، أنا عن نفسى أكتب ما أشعر به، وأقول ما أود أن أقوله، لا تحكمنى قيود ولا أخشى فى الحق لومة لائم والحمد لله، علمتنا حياة الصيد فى بحيرة البرلس، هذا منذ الصغر، رأيناه فى نظرات أهالينا، وتعلمناه من خشونة أياديهم، وتجرعناه من صلابة أمهاتنا فى هذه البيئة، ومن حناجر آبائنا، وإن كنت أرى أن هذا الأمر يكلّف الشاعر فى مثل هذا المجتمع الكثير ويحمّله ما لا طاقة لبشر به، إلا أن هذه طبيعة لا يمكن تغييرها، أرى أيضًا أن هناك شاعرًا متمردًا بطبيعته وشاعرًا مقلدًا فى كل شيء، حتى فى التمرد، فالتمرد بالنسبة للشاعر الجاد اعتراض على واقع مرير وثورة معلنة على كل رديء ومتكلّف، وإن كانت الخسائر أعمارًا تضيع على أرصفة الطرقات وفوق كراسى المقاهى من أجل إعادة هيكلة العالم وفق معايير الجمال التى يراها الشاعر. دواوينك تميل للغناء أكثر منها للقصيدة ما تعليقك؟ كل شخص له الحق فى أن يقول ما يريد، لكن «البينة على من ادّعى» والحجة بالحجة، فعلى صاحب هذا الرأى أن يتكرم بقراءة دواوينى أولا، ثم يقوم بتعريف القصيدة ويضع الفروق بين القصيدة من وجهة نظره وبين ما أكتب، وسأمتثل لقوله إذا اقتنعت بتعريفه للقصيدة، الالتزام بالتفعيلة ليس جرمًا وإنما هو عين المنطق فى كتابة العامية التى نترجم من خلالها –إذا جاز التعبير- واقعنا المعاش، نحن نأخذ كتابتنا من على ألسنة البياعين وأصحاب الحرف ومن حذاء الصيادين وغناء الفلاحين فى مواسم الحصاد، فليس من المعقول أن أقدم لهم معاناتهم إلا من خلال عروضهم الخاص بهم وتفعيلاتهم التى يعشقون. البعض يقول إنك تمتلك أدوات فنية جيدة فمن أى الينابيع تستقى أشعارك وكلماتك؟ من حياتى التى أحياها، من عينى أمّى هذه الفلاحة البسيطة التى بدأت حياتى بترجمة ما بعض ما تكنه عيناها لى من محبة، من ملابس والدى الصياد - الذى لم أتذكر ملامحه - من تلفيعته المعلقة على رف الدولاب منذ أن وضعها واستسلم للموت إلى الآن، من بحيرة البرلس ورائحة السمك وأشواكه، من غزل الصيادين وحنيّة أخشاب المراكب، وصهد الشمس، من مطاردة الحكومة لأهالينا فى البحيرة لتجفيفها، من أشياء كثيرة أهمها "نحن". الموروث الشعبى يلعب دورا كبيرا فى ثقافتك وقصيدتك فماذا عنه؟ الموروث كنز وضع أجدادنا أسسه ودعائمه وقواعده الأولى ورسّخوا له وأحكموا قبضتهم وقلوبهم عليه واحتفظوا به لأجيال لا تقدر معناه ولا تعرف قيمته ولا تستطيع تثمين محتواه، ففى صعيد مصر نجد العديد من ألوان الفنون التى قاربت على الاندثار بفعل عوامل تعرية العقل البشرى والمدنية المدعاة، لا يختلف الأمر كثيرًا فى شمالها، العقلية التى حفظت ورددت وأبدعت ساعدتها الظروف على ذلك فجددت وأضافت، والعقلية الاستهلاكية المضطرة إلى الجلوس أمام شاشات التلفاز والمجبرة على اختزال عمرها بين قوسى الشبكة العنكبوتية باعتبارها الأمل والإنجاز والتفرد والعبقرية وتحقيق الطموح الزائف؛ شوّهت وأضاعت وتخلّت، فصارت بلا ظهر تستند إليه، الاستهلاك ظاهر فى كل شيء، فى الجمل المعادة والتراكيب المتهالكة والمفردات البائسة، والتراخى الممل، ظاهر حتى فى التقليد الأعمى للمستهلك الخائب الذى نهب وشوّه فأنجب ما لا عين تريده ولا تشتهيه أذن ولا يسعى إلى معرفته قلب بشر. أنت دائم الهجوم على مؤسسات وزارة الثقافة لماذا؟ وزارة الثقافة بالفعل تحتاج إلى إعادة نظر من قبل المهتمين، تحتاج إلى إعادة هيكلة وإعادة صياغة لمواكبة العصر وممارسة الدور التى ينتظره الجميع منها بالشكل المطلوب، فغير معقول أن تكون هناك وزارة بهذا الحجم ونكتشف أنها حبرا على ورق، إذا رأينا حالة الشارع المصري، الدور المطلوب من وزارة الثقافة فى العصر الراهن يختلف تمامًا عن الدور الذى طلبه مبارك منها فى فترته، وعلى المسئولين أن يدركوا حجم التغيير الذى حدث على أرض مصر، مبارك رحل ووزارة الثقافة مازالت تسير بآلياته ومنهج حزبه، نحن نحتاج إلى حركة تنويرية حقيقية فى الشارع الآن، لأن محاربة التطرف لن تكون على عاتق الجيش وحده، الفكرة لا تقتل بالرصاص، الفكرة تحتاج إلى فكرة تتفوق عليها حتى يستقيم الرأس ويعتدل المنهج. كيف ترى الوضع الحالى فى الهيئة العامة لقصور الثقافة؟ بالتأكيد شأنها شأن الوزارة التابعة لها، وما قلته بشأن الوزارة ينطبق على توابعها، نحن بحاجة إلى ثقافة جادة وليس ثقافة تستيف أوراق. قلت إن الذائقة العامة فى مصر اختلط بها الحابل بالنابل لماذا؟ الذائقة العامة فى مصر بالفعل اختلط فيها الحابل بالنابل، فالعديد من الأعمال التى سجلت أرقاما فى المبيعات وحازت على لقب الأعلى مبيعًا معظمها ضعيف فنيًّا ولا يرتقى لمستوى النشر وهذا يرجع إلى أن بعض دور النشر الخاصة التى تبحث عن رواج تحتكم إلى العمل المهترئ الذى يشبه وجبة التيك أواي، كما تسعى لترويجه بكل الطرق والوسائل، وهذا لا يقتصر على الإبداع فقط، لأن السينما والأغانى الهابطة قضيبان يسير عليهما قطار الذائقة، الغثاء دائما يطفو على السطح فى تلك الآونة، مما أدى إلى اختلال المعايير. أما الأعمال الأكثر ثقلا ورسوخًا فمؤلفها بالتأكيد من الموهوبين الذين لا يملكون من حطام الدنيا ما يسمح لهم بدفع تكاليف دور النشر الخاصة "الباهظة" لذا لا يستطيع نشره إلا فى المؤسسة بعد صراع طويل مع لوائحها وطوابيرها، وعلى الرغم من أن العمل مخدوم من قبل مؤلفه أى جيد، وتم فحصه قبل نشره من قبل المؤسسة، أى أنه عمل راق وتمت مراجعته بشكل جيد قبل طباعته، وتم النظر على غلافه من أكثر من ناقد فنى قبل التوجه به إلى المطبعة، فضلا عن أنه بسعر فى متناول الجميع، ومتوفر عند كل بائع جرائد، فإن العمل لا يلقى أى ترحاب إلا من قبل مؤلفه وبعض أصدقائه، لأنه يطرح فى الأسواق دون أى خبر ويسحب من الأسواق دون أن يعلم عنه أحد أى شيء، لذا أرى أن المؤسسة يجب أن تروج لمطبوعاتها بشكل لائق، وأن تحتفى بكتابها كما ينبغي، الأمر لا يقتصر على الطباعة ومكافأة النشر الهزيلة، الأمر صناعة كتاب، وهذا ما يجب أن يضعه كل مسئول نصب عينيه، أما بعض دور النشر الخاصة فعلى العكس تمامًا لكنها تجيد تسويق العمل وتنجيم المؤلف حتى لو كان العمل لا يرقى والمؤلف ضعيفًا، و"زاب ثروت" شرّ مثال، أما عن روايات أصدقائى الكتّاب الحقيقيين فأعتقد أنها لا تبيع إلا نسخًا محدودة، وأعتقد أن هذا الأمر يرجع لجودتها ورصانتها، لذا لا تحقق مبيعات. كيف أثرت البيئة فى تكوينك وكيف تصف المدينة؟ أمّا عن المدينة فأعشقها ولا أتحملها، لأن بساطة القرية وبكارة طبيعتها تستحثاننى دائمًا على العودة من حين لآخر، لذا آثرت أن أربّى أولادى هناك، فى حضن هذه الطبيعة بعيدًا عن الضجيج والزحمة، فكلما سألتنى زوجتى القاصة سماء فهمى عن سبب وحدتى فى القاهرة، أخبرتها على الفور أن أبنائى بحاجة إلى هنا –أقصد القرية - فهنا يمكنهم أن يتشكلوا وفق عادات وتقاليد البسطاء، وهذا أفضل بكثير. من من الشعراء والكتاب الذين لعبوا دورا بالغ التأثير فى حياتك؟ فؤاد حداد وصلاح جاهين وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور وبيرم التونسى وثنائية نجم/إمام، وفؤاد قاعود وعمر نجم ومجدى نجيب، والكثير من الأسماء التى أضافت وحفرت وعانت كمجدى الجابرى والكثير من الشعراء الحقيقيين. طالبت ببيت ثقافة فى كل قرية هل تعتقد أن هذا المطلب يمكن أن يتحقق؟ لن يتحقق شيء فى ظل وجود القائمين حاليًا على وزارة الثقافة، ولكن للحلم أشرعة وللطريق دهاليز، لن أكف عن المطالبة بكل ما أحلم به حتى أحقق ما أريد إن شاء الله.