شاهيناز العقباوى تعتبر قضية البطالة في مصر نقطة ارتكاز سلبية تنطلق منها معظم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها البلاد كالجريمة والتطرف والإدمان، لذا جعل دعم مراكز التدريب المهني، التي أجمع خبراء اقتصاديون على أهميتها واعتبارها المدخل الفاعل لحل أزمة البطالة، خصوصاً أن مصر لديها إمكانات واعدة وجيدة لتطور أنظمة التدريب يمكن من خلالها علاج الخلل والتشوهات الموجودة في سوق العمل عبر إعادة تأهيل خريجي المدارس الفنية والجامعات للعمل في مهن جديدة تحتاج إليها سوق العمل بالفعل. تتفاوت الأرقام الخاصة بمعدل البطالة في مصر، إذ كشفت إحصاءات الجهاز المركزى للمحاسبات عن أن معدل البطالة ارتفع إلى 13.4 % في الربع الأخير من عام 2013 مقارنة ب 13 % في الفترة نفسها من عام 2012 كما كشف تقرير منظمة العمل الدولية إن معدل البطالة بين الشباب فى مصر بلغ %25 خلال العام الماضى. وقال تقرير صادر عن منظمة اليونيسيف: إن نسبة البطالة بلغت في مصر %13، بينما تبلغ نسبة البطالة بين الذكور في القوى العاملة %10، وبين الإناث في القوى العاملة %25. هذا فضلا عن إن 78 % من العاطلين عن العمل شباب تبلغ أعمارهم من 15 إلى 29 عاماً، بينما تبلغ نسبة العاطلين بين 20 و24 عاماً نحو %46، ومن 25 إلى 29 عاماً تبلغ النسبة %22. و90 %من العاطلين عن العمل يحملون شهادات جامعية وأكاديمية، منهم 53 % يحملون شهادات متوسطة وفوق متوسطة، و37 % يحملون شهادات جامعية. وتعتبر أرقام جهاز الإحصاء شديدة التواضع، إذا ما قيست بأرقام أخرى دولية تصل بالبطالة إلى ما بين 17 و%18، بل إن تقريرين ل«منظمة العمل العربية» و«الأممالمتحدة»، وصلا بها إلى معدل %25. فقد أعلن المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية لمنطقة شمال إفريقيا، يوسف القريوتي في فبراير الماضي، أن معدل البطالة بلغ في مصر خلال العام الماضي %25. وقدر المدير السابق لإدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي، خالد إكرام، معدل البطالة في مصر بنسبة %25 ، ودعا إكرام الحكومة المصرية لاستغلال المساعدات المالية الخليجية لتوفير فرص عمل للشباب، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وطالب بإعادة فتح 1500 مصنع أغلقت أبوابها منذ عام 2011. ورهن البنك الدولي انخفاض معدل البطالة في مصر بحلول عام 2020 بتحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة %6، وأظهر الموجز الاقتصادي الذي أعده البنك الدولي الزيادة التي لحقت بعدد العاطلين في الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2013 لتصل إلى 30 ألفاً، بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي وتصاعد حدة العنف. وأظهرت البيانات الرسمية أن ما بين 700 ألف شخص إلى 800 ألف من الباحثين الجدد عن العمل، يدخلون سوق العمل كل عام، وهو ما يزيد جزئياً على العدد الكبير بالفعل من العاطلين عن العمل والبالغ عددهم 3.6 ملايين. وأشار إلى اتساع الفجوة القائمة في معدلات البطالة بين النساء والرجال، التي تعود إلى ما قبل ثورة 2011، حيث بلغ معدل البطالة بين الرجال %8.9، في حين وصل المعدل بين النساء إلى 25.1 % في نهاية سبتمبر. وأوضح أن قرابة 74 %من العاطلين عن العمل تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وأن نسبة 42 % منهم في الشريحة العمرية بين 20 و24 عاماً، كما أن أكثر من 76 % من العاطلين عن العمل متعلمون، ويحمل %30 منهم درجات جامعية أو ما فوقها. أسباب ارتفاع البطالة وأرجع الموجز ارتفاع معدلات البطالة إلى انخفاض الاستثمارات في السنة المالية 2012 - 2013 بالمقارنة بالسابقة، بسبب حالة الترقب من جانب المستثمرين المحليين والأجانب، إذ انخفض إجمالي الاستثمارات بنسبة 2 % ليصل إلى 14.3 % من إجمالي الناتج المحلي في 2012 - 2013 بعد أن كانت وصلت نسبته إلى %16.4– 2012 هذا فضلا عن أن مصر كانت تستقبل نحو 9 مليارات دولار استثمارات خارجية قبل ثورة يناير سنوياً، ولم تستقبل خلال 2011-2012 أى استثمارات جديدة واستقبلت فى 2013 نحو 3 مليارات دولار بسبب عدم استقرار الأوضاع، مما أدى إلى تفاقم أوضاع البطالة. وأضاف أن مايحدث فى سوريا وليبيا من اضطرابات سياسية أدى إلى عودة العمالة المصرية من تلك الدول والآن هناك مزيداً من التفاقم لهذه المشكلة، لاسيما أن معظم الاستثمارات الجديدة فى مصر تتركز فى صناعة الملابس الجاهزة وهى صناعة ليست ذات مردود اقتصادى عال ينتج عنه فرص عمل وقيمة مضافة للنشاط الاقتصادى، مما يدفع الكثير من الشباب للعزوف عن الوظائف الهشة. كما أرجع تقرير المركز الديموغرافي المصري البطالة إلى عوامل عدة أهمها الزيادة السكانية المستمرة التي أدت إلى ارتفاع حجم قوة العمل الداخلة لسوق العمل سنوياً، وتمثل نحو مليوني نسمة سنوياً، من دون أن تقابلها زيادة متوازنة في استيعاب سوق العمل، وتخلي الدولة عن سياسات الالتزام بتشغيل الخريجين سنوياً بدءاً من منتصف الثمانينيات، وترتب على ذلك ارتفاع سن الخريجين العاطلين الباحثين عن عمل، وانكماش الطلب على العمل والعمالة المصرية في سوق العمل العربية، خصوصاً ظروف الفوضى التي تشهدها ليبيا، والتي كانت تجتذب أعداداً هائلة من العمالة المصرية بتنوع فئاتها، وسياسات الإحلال للعمالة الوطنية في بعض الدول، فضلاً عن منافسة العمالة الآسيوية التي تقبل العمل بهذه الدول بأجور متدنية، ما جعل هناك عمالة عائدة كبيرة، خصوصاً من دول الخليج العربي والعراق. كذلك تسبب تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي، منذ بداية التسعينيات من دون مراعاة للبعد الاجتماعي، الذي نتج عنه برنامج الخصخصة، وتحرير الأسعار، ما تسبب في فقدان أعداد هائلة وظائفهم، علاوة على ضعف حجم الاستثمار الذي يفتح فرص العمل لاستيعاب القوى العاملة الجديدة، وما أعقب أحداث ثورة يناير حتى الآن من خلل أمني واقتصادي، خصوصاً في السياحة التي تمثل دخلاً مهماً جداً في الاقتصاد المصري، ما جعل الاستثمار الأجنبي والمحلي متردداً خائفاً أو هارباً أحياناً. حلول الأزمة ولحل هذا الأزمة يجب أن تعيد الدولة النظر فى سياساتها الاقتصادية لكى تخلق فرص عمل، ولن يمكن التغلب على مشكلة البطالة إلا إذا كان العمل على خلق فرص عمل هو محور عملية التنمية، لاسيما أن البطالة هي المسئول الأول عن تخريب النسيج الاجتماعي في مصر ودفع الشباب نحو الإدمان والتطرف والجريمة. حيث أكدت دراسة حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة العاطلين المتهمين بقضايا المخدرات بلغت 39.1 % من إجمالي المتهمين بقضايا المخدرات عام 2011. كما بلغت نسبة المتهمين في قضايا المواد المخدرة 43.2 %في الفئة العمرية من 30 سنة فأكثر، وانخفضت في العام 2012 إلى %41.2. ويجد المتابع لمناطق التوتر أنها في الوجه البحري والقاهرة، وهي التي يوجد فيها نسب كبيرة من الشباب والعاطلين، حيث تحتل محافظات الوجه البحري أعلى نسبة لقضايا المواد المخدرة 38.4 % عام 2011. وأكدت إحصاءات الجهاز أن حجم المنفق على المخدرات في مصر تجاوز 13.8 مليار جنيه عام 2011، وهو يمثل 38.4 % من عائدات قناة السويس كما يعادل 7.6 % من عائدات الصادرات، 21.2 %من عائدات السياحة وبالتالي، فهذه أرقام مفزعة بما يشير إلى الحجم المتزايد للتجارة المحرمة والاقتصاد وخطورته على الاقتصاد القومي. وطالب خبراء في مجال التشغيل الحكومة بضرورة تأسيس هيئة قومية تتولى الإشراف على منظومة التدريب في مصر، بعد أن أثبتت التجربة أن فقر وتدني مستويات مراكز التدريب الموجودة من أهم الأسباب الرئيسة لتردي أوضاع سوق العمل واستفحال أزمة البطالة، لاسيما أن مصر لديها إمكانات واعدة وجيدة لتطور أنظمة التدريب المتاحة لديها التي يمكن من خلالها علاج الخلل والتشوهات الموجودة في سوق العمل، من خلال إعادة تأهيل خريجي المدارس الفنية والجامعات للعمل في مهن جديدة تحتاج إليها سوق العمل بالفعل. وطالبوا بضرورة التعرف إلى احتياجات أصحاب الأعمال من المهن، حتى يمكن تصميم برامج تدريب جديدة تلبي هذه الاحتياجات وتوفر لهم المهن التي يحتاجون إليها، خصوصاً أن مصر لديها 1200 مركز تدريب تتبع 26 جهة حكومية وخاصة، وأصبح من الضروري العمل على توحيد مسميات المهن حتى يمكن توحيد برامج ومستويات التدريب، مؤكدين ضرورة تضافر الجهود بين الوزارات والجمعيات الأهلية لتدعيم منظومة التدريب في مصر. وشدّد الخبراء على ضرورة قيام الحكومة بتبني فكرة التصنيع المحلي لمعدات وأدوات التدريب، لأنه من الممكن أن تنشأ صناعة عملاقة في مصر لدعم هذا النشاط وتوفر الكثير من فرص العمل للشباب، وبالتالي نجاح جهود مواجهة البطالة، مؤكدين أن البنية الأساسية للتدريب في مصر موجودة، ولكن تواجهها مجموعة من المشكلات أبرزها العجز الشديد في أعداد المدربين وعدم الاعتماد على برامج متطورة في مجال التدريب وخلو مراكز التدريب من الحوافز التشجيعية التي تجذب الشباب إليها. وطالبوا بضرورة ربط مراكز التدريب بكليات الهندسة والفنون التطبيقية في مختلف الجامعات المصرية، وحصر التخصصات الموجودة في مراكز التدريب قبل البدء في عمليات تطويرها حتى تتم الاستفادة منها، منوهين بأهمية توفير الدعم المالي اللازم لصندوق تمويل التدريب حتى يسهم بفاعلية في تمويل عمليات التدريب التي يتم تنفيذها.