أحمد أمين عرفات رغم أنه يقع فى قلب القاهرة التاريخية، وتحديدا فى شارع المعز ومنطقة بين القصرين، إلا أن الكثيرين قد لا يعرفون عنه شيئا، رغم أهميته التاريخية كمبنى أثرى وما يحويه من قطع نسجية تؤرخ لحضارتنا المصرية، إنه متحف النسيج المصرى الذى ذهبنا إليه وتجولنا فيه بصحبة مديره محمد صالح الذى كشف لنا الكثير والكثير عنه فى هذا الحوار الذى بدأه قائلا: هذا المتحف هو فى الأصل مبنى أثرى، على هيئة "سبيل" تعلوه مدرسة، وقد أنشأه محمد على باشا على روح ولده إسماعيل المتوفى بالسودان، وقد كان هذا المبنى على وشك الانهيار، لكن بدخوله ضمن مشروع ترميم القاهرة التاريخية، تم إنقاذه، حيث تم ترميمه بالفعل فى الفترة من 2000 وحتى 2004 وإعادته لحالة جيدة. لماذا تم تخصيصه ليكون متحفا للنسيج وليس لأى شيء آخر؟ لأننا بعد ترميمه اكتشفنا فراغات كثيرة فيه، فكان يجب أن نعيد استغلاله دون الإضرار به، خصوصا أنه يقع فى قلب القاهرة التاريخية، وعقدت لجنة من أجل ذلك، وقررت تحويله لمتحف، وأجمعت اللجنة على يكون متحفا للنسيج المصرى، خصوصا أن المتاحف الأخرى تضم بعضا من النسيج، لكنها تعرضها فى فاترينات غير مؤهلة، وعلى استحياء ولم تكن تعطيه اهتماما كباقى المعروضات لديها مثل القطع الحجرية والخشبية والمعدنية والزخرفية وغيرها. لماذا لم يقتصر على النسيج الإسلامى باعتباره يقع فى منطقة أثرية زاخرة بالآثار الإسلامية؟ بالفعل تم التفكير فى ذلك، لكن بعد الدراسات اكتشفنا أننا لكى نؤرخ للنسيج إلاسلامى، فلابد أن نؤرخ لتاريخ النسيج على مر تاريخنا، لأنه جزء لا يتجزأ منه، ومرحلة ضمن مراحل تطور كثيرة، بداية من الدولة القديمة وحتى العصر الحديث، لذلك كان القرار بأن يكون متحفا للنسيج المصرى بكل مراحله، خصوصا أننا اكتشفنا اكتشافات مذهلة، وهى أن بعض الوحدات الزخرفية الموجودة فى النسيج المصرى استمرت منذ الدولة الفرعونية حتى الأسرة العلوية، ومرورا بالعصر اليونانى والرومانى والقبطى والإسلامى، وهو ما أكد لنا استمرارية الحضارة المصرية، وإذا كانوا يقولون هذه الأيام إن المسلمين والمسيحيين نسيج واحد، فإن النسيج المصرى أثبت لنا أن الحضارة المصرية منذ نشأتها وحتى الآن نسيج واحد، والدليل على ذلك أن زهرة اللوتس نجدها فى الفن المصرى القديم واستمرت كذلك فى الفن اليونانى ثم الرومانى، وواصل المصريون استخدامها فى العصر الإسلامى، مما يؤكد أن الحضارة المصرية هى نسيج واحد فعلا برغم اختلاف عصورها وحكامها . كم يبلغ عدد القطع التى يضمها المتحف؟ ومن أين تم جلبها ؟ 676 قطعة، وقد قمنا بإحضارها من كل المتاحف المصرية التى لديها قطع نسجية مثل المتحف الإسلامى والمصرى والقبطى، علاوة على المناطق والمخازن الأثرية المنتشرة فى مصر . ما أشهرهذه القطع ؟ القطع التى يضمها المتحف متنوعة منها العباءات والستائر ذات الوجه الواحد وذات الوجهين بجانب المفارش، خصوصا التى تنتمى للعصر العثمانى وكانت توضع على الموائد، وكذلك الفوط والمناديل، علاوة على الأردية بأنواعها، فهناك قميصان ورداء من الدولة الفرعونية، ومن أشهر ما لدينا قطعة خاصة بتحتمس الرابع، وهى تعد رائعة من حيث الشكل الظاهرى والتكنيك، وتم تصميمها بطريقة الزخرفة المنسوجة، مما يؤكد أن هذه الطريقة المتبعة فى أوروبا وغيرها طريقة مصرية صميمة، كما لدينا عدد 2 جوانتى مصنوعين من الكتان الرقيق جدا وبطريقة غاية فى الدقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لدرجة أننا عندما رأيناها بالميكرسوب أثارت دهشتنا وتساءلنا فى حيرة: كيف تم صنعها وبأى نول تم استخدامه؟ كذلك لدينا قطعة هى عبارة عن جزء من مئزر توت عنخ آمون مصنوعة بدقة كبيرة وملمسها يكاد يشبه الحرير، ولولا إيماننا بأن الفراعنة لم يكن عندهم الحرير لقلنا إنه مصنوع منه بسبب دقته ورقته، أما بالنسبة للقطع التى تعود للفترة القبطية، فلدينا ثراء كبير فيها خصوصا التى تحوى عناصر زخرفية كانت تزين أرديتهم مثل أردية الصلوات المقدسة، وكان التوينك بما يتميز به من زخرفة هو أشهر رداء لديهم، وأيضا لدينا قطع عديدة من أردية العصر الإسلامى وما تلاه . كيف وصلت إلينا هذه القطع، رغم مرور آلاف السنين عليها وتعرضت لعوامل التعرية وغيرها ؟ النسيج المصرى من أجود الأنواع وهذا ساعد فى الحفاظ عليه، ربما لا يعرف الكثيرون أن مصانع النسيج فى عهد الدولة القديمة كانت تخضع للرقابة الحكومية، لذلك كان يخرج النسيح منها بجودة عالية ساعدت على بقائه كل هذه السنوات، وساعد على بقائها والحفاظ عليها طبيعة الجو فى جنوب مصر الذى يتميز بجفافه وكذلك التربة. هل هناك إجراءات معينة تقومون بها للحفاظ على هذه القطع النسجية؟ بالطبع، فلابد من طرق معينة نتعامل بها مع النسيج وإلا تعرض للتلف، فهناك فاترينات خاصة توضع فيها وبدرجات حرارة ورطوبة وإضاءة بنسب محددة لا تقل عنها ولا تتجاوزها، لأن اختلاف هذه الدرجات عن المعدل المطلوب يعرضها للتلف. كم عدد القاعات التى يحتويها المتحف؟ لدينا 11 قاعة، تشرح لنا مراحل تطور النسيج منذ الدولة الفرعونية وحتى نهاية الأسرة العلوية فى مصر، وكما قلت إن روح المصرى واحدة عبر كل هذه المراحل، ولولا بعض الزخارف والكلمات العربية الإسلامية ما استطعنا أن نفرق بين النسيج الإسلامى وما سبقه من مراحل، فقد ظل النسيح لفترة طويلة فى العصر الإسلامى يستقى روحه من الحضارات السابقة عليه، وظل كذلك حتى بداية الفترة الفاطمية التى أصبح له فيها شخصيته المستقلة، كما لدينا قاعة خاصة بكسوة الكعبة وبها آخر كسوة أرسلت من مصر عام 1356 هجرية، ولدينا منها 4 شرائط علاوة على ستارة باب التوبة وهو الباب الداخلى للكعبة وأجزاء من مقام الخليل إبراهيم وأخرى من مقام الرسول صلى الله عليه وسلم. إلى أى مدى اختلف نوع النسيج من مرحلة لأخرى؟ فى مصر القديمة كان الاعتماد الأساسى على الكتان، فنبات الكتان كان مقدسا طوال الدولة الفرعونية، ثم بدأت تدخل خامات أخرى فى العصور التالية مثل الحرير والصوف الملون كما فى الفن القبطى والإسلامى، وكذلك القطن الذى شاع استخدامه فى العصر العباسى . هل المتحف متاح فقط للمتخصصين أم للجمهور؟ المتحف متاح للجميع سواء كان جمهورا أو متخصصين، وبأسعار رمزية جدا، تتراوح من جنية واحد للطالب وجنيهين للمواطن العادى إلى 20 جنيها لغير المصرى، فما يهمنا هو أن يتعرف الجمهور العادى على عظمة الحضارة المصرية وكيف أن صناعة النسيج مصرية صميمة، وأن مصر هى التى علمت العالم هذه الصناعة، ويؤكد ذلك أن أغلب القطع المعروضة فى أوروبا تسير على نفس نهج النسيج المصرى، أما المتخصص فهو يجد لدينا ثراء وتنوع لن يجده فى أى مكان آخر، كما نتيح له بعد الحصول على الموافقات اللازمة الإطلاع على القطع ورؤيتها بالميكرسكوب وكل المعلومات نوفرها له بما يساعده فى دراسته وأبحاثه . هل هناك مشاريع أو خطط جديدة؟ نحن بدأنا العمل بالفعل من أجل إنشاء معمل للترميم، وكذلك عمل مكتبة متخصصة فى النسيج تحوى جميع الرسائل العلمية التى نشرت فى هذا الإطار، كما نجهز حاليا لجعل سطح المتحف مكانا للأنشطة الثقافية، فالمتحف يقع فى مكان عبقرى، حيث تحيطه القاهرة التاريخية من كل جانب ويقع فى شارع المعز ومنطقة بين القصرين، وبالتالى من يصعد أعلى سطح المتحف سيرى ما لم يستطع رؤيته من مكان آخر، كما نخطط لكى يعمل المتحف بالطاقة الشمسية ليكون أول متحف يعمل بها فى الشرق الأوسط، كما أن ذلك سيكون له مردود إيجابى على القطع النسيجية بالمتحف، لأنه سيحافظ على بقاء القطع فى درجة حرارة واحدة طوال اليوم، لأننا حاليا بعد الساعة الخامسة نقوم بإيقاف التكيفيات توفيرا للكهرباء حتى لا تكون هناك فرصة لحدوث حريق، وهو ما يؤثر على القطع المعروضة بسبب التغير فى درجات الحرارة، كذلك نقوم من خلال التعاون مع وزارة الثقافة بعمل الورش لتعليم الأطفال والنشء فى المنطقة التى تحيط بنا كيفية صناعة النسيج لكى نربطهم بحضارتهم، كما نجهز حاليا لكتاب ودليل ضخم عن مراكز النسيج فى مناطق مصر المختلفة، لكى نتعاون من خلاله مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى لكى تعيد فتح المراكز المتوقفة، فهناك الكثير منها أوقف نشاطه أو قام بتغييره، أيضا أوشكنا على الانتهاء من موقع إلكترونى للمتحف حتى نستطيع من خلاله عمل توأمة مع المتاحف الكبرى المتخصصة فى النسيج، وإمداد القارئ بكل شىء عن المتحف وتوعية الناس بنشاطاته.