عشت عمر وزمان وظروف الأحباب والمخطوبين، وهم يبحثون عن شقة تمليك أو شقة «خلو رجل»، ولم أعش مع الأسف رفاهية شباب اليومين دول، فى الشقة الإيجار بدون خلو رجل، تسير إسعاد يونس «أنجاچيه» مع الحبيب لتغنى أنا «دوبت وجزمتى نعلها داب من كتر التدوير على الأحباب..». وصنعت الأفلام غير الرومانسية فى قفزة السبعينيات من القرن الماضى، وقصص وحكايات ضياع الحب على العتبة غير الخضراء للشقة الإعجاز، التى تفشل أى قصة حب لا تجمع بين الأحباب. وبعيدا عن أرض الواقع أعيش مع أحمد بهجت رومانسيته التى تعوضنى فشلى فى الجمع بين الحسنيين، الشقة والحبيب، وفى الحقيقة هى لا تعوضنى وحدى، إنما جيل بأكمله هو جيلى، شباب أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، الذى اختار التخلى عن سكن الروح، واللجوء إلى سكن المادة المتمثل فى الشقة، مساحتها وموقعها وتشطيبها، مع غض البصر والنظر الذى قد يصل إلى العمى، فى اختيار الحبيب سكن الروح الذى يعرف الإنسان جزءا من حقيقة الجنة! كما يقول أحمد بهجت. بعد أن داس دون قصد أو بقصد على أزمة المساكن الروحية التى أصابت جيلين أو ثلاثة أجيال من بداية السبعينيات إلى نهاية التسعينيات، فهو يرى أن اهتمامنا وحديثنا عن أزمة المساكن المادية، طغى على جوهر الحياة السليمة، لأن أزمة المساكن الروحية هى الأخطر والأصعب، وأنه منذ 14 قرنا من الزمان تحدث الخالق سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم عن الزواج باعتباره سكنا من المودة والرحمة «خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها». وإن أعظم الآلام البشرية، تنبع من سكن روح عظيمة، فى روح أقل عظمة، أو سكن روح صغيرة فى روح واسعة، وإن أزمة الاختيار هذه هى الأزمة الحقيقية، وأنه إذا كانت راحة الجسد أمرا ضروريا للإنسان، فإن استقرار الروح أمر أكبر أهمية. ومن هذا المنطق الروحانى، الصوفى، الجميل يهمش أحمد بهجت فكرة السكن المادى أمام السكن الروحى. ويندهش من الناس التى تدقق فى اختيار مساكنها، أكثر مما تدقق فى اختيار الأرواح التى تنوى السكن إليها. لا أنكر أننى قرأت فلسفة أحمد بهجت عن الحب، لكننى اعتبرتها مجرد فلسفة، والفلسفة من وجهة نظر الغالبية، وأنا واحدة منهم، هى مجرد جلسة ونظرية ومناقشة مع فنجان شاى أو «اثنين» كوب «ليمونادة» فى الكافيه الذى كان كازينو أو كافتيريا أو ناديا زمان. مجرد كلام جميل وكلام معقول على رأى الست ليلى مراد، وهى فى دويتو مع أنور وجدى، لكن خيال حبيبها المجهول لن تجد له مثيلاً. وبعد مرور الزمن وخيبة الأمل اللى راكبة جمل، راجعت كلام العبقرى أحمد بهجت بعد أن أصبح الجيل وما قبله وما بعده جيل «المطلقات والمطلقين»، لأوافق على كلامه الذى يقول إن الحب الحقيقى هو سكن لروح فى روح أخرى واكتشاف الروح لنفسها خلال هذا السكن الجديد. وإن السلام الحقيقى فى النفس يكمن فى العثور على هذا الملاذ الروحى الأمين، وفى هذه اللحظة يعرف الإنسان جزءا من حقيقة الجنة. والآن، أيتها الأجيال السابقة والحالية، هل فهمتم سر الغليان المادى داخل المنزل وخارجه؟ هل وضح سر حرارة الجو على الكرة الأرضية، الذى ألصقوا تهمته بثقب الأوزون، وهو فى الحقيقة ثقب فى الروح أدى إلى كتمة النفس التى نفخت القولون وتسببت فى شعوب عالمية من الكروش العظيمة.