وزارة الصناعة توضح حقيقة وقف استيراد السيارات لمدة ثلاثة أشهر    بعد وفاة أحد ركابها.. هبوط اضطراري لطائرة خليجية في مطار الكويت    "بعد التلميح بإمكانية عودته".. ماذا قدّم بنشرقي بعد رحيله عن الزمالك؟    رقم يكشف تصنيف الأهلي عالميا قبل مواجهة الترجي بنهائي أفريقيا    الأسباب الحقيقة وراء الإطاحة ب تشافي من برشلونة    الأهلي يخسر من الفتح في الدوري الأفريقي لكرة السلة    لحظة استخراج ضحايا عقار الإسكندرية المنهار (فيديو)    3 مديريات أمن تلاحق سفاح التجمع بعد الكشف عن هويته    الأعلى للثقافة يكشف عن الفائزين بمسابقة ديوان شعر الفصحى والعامية    التسجيل مجاني دون وسطاء.. وزارة العمل تعلن عن فرص عمل في اليونان وقبرص    أبو بكر القاضي: قانون"تأجير المستشفيات" يُهدد استقرار الاطقم الطبية    ميار شريف تقترب من الأولمبياد بعد التأهل لنهائي بطولة المغرب المفتوحة للتنس    أحمد سيد زيزو: الدوري لم يحسم بعد    تكنولوجيا التشويش الروسي تحبط فاعلية بعض الأسلحة الأمريكية في أوكرانيا    غدًا.. إعلان نتيجة المسابقة الدينية لأبناء الصحفيين بالإسكندرية    تكوين: لن نخوض مناظرات عقائدية تخص أي ديانة فهذا ليس في صميم أهدافنا    «من الهضبة ل محمد رمضان» نجوم أحيوا حفلات بطولات رياضية كبرى | شاهد    شيماء سيف تنفعل على ياسمين عز: «الستات بتشوفك عشان تحسبن عليكِ» (فيديو)    5 أعراض تدل على الإصابة بأمراض القلب    هل تعشق البطيخ.. احذر تناوله في هذا الوقت    الإسكندرية تضع 9 شروط لإقامة شوادر الأضاحي فى الشوارع.. تعرف عليها    15 درجة.. حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة    عبدالرحمن حسين يحصد 3 ميداليات ببطولة العالم للناشئين في رفع الأثقال    أحمد حلمي يستعد لعرض مسرحية "ميمو" في مصر    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    الوضع الكارثى بكليات الحقوق «2»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    عاجل.. مصرع طالب نتيجة حادث قطار مروع في الحوامدية    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    بري يؤكد تمسك لبنان بالقرار الأممي 1701 وحقه في الدفاع عن أرضه    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    أسعار ومواصفات سوبارو فورستر الجديدة بعد تخفيضها أكثر من 200 ألف جنيه    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من ميت سلسيل بالدقهلية    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    5 نصائح للتعامل مع منخفض جوي يضرب البلاد الأيام المقبلة.. تحذير من ظاهرة جوية    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نسقيّة الرّوح والجسد في نشيد الأنشاد
نشر في شموس يوم 11 - 10 - 2017

عندما نتحدّث عن العشق الإلهيّ، أو الحالة الصّوفيّة الّتي تعكس هذا العشق، لا بدّ من الارتقاء بمعنى الحبّ حتّى نتمكّن من خوض غمار هذا العشق والتّعرّف على سرّه الّذي يُستقى من الفعل الإلهيّ لا الإنسانيّ. فلو كان الحبّ فعلاً إنسانيّاً لما رأينا العالم في تراجع مستمرّ، ولما شهدنا حالات عنفٍ يسلك بها الإنسان بحجّة الحبّ. ولمّا كان الحبّ فعلاً إلهيّاً وجب الارتقاء إلى هذا المقام، أي إلى مستوى الكلمة الإلهيّة، حتّى نتبيّن أوّلاً كيفيّة السّلوك فيه، ونفهم إنسانيّتنا الباحثة عن الحبّ على ضوء الكلمة ثانياً.
ليس أفضل من سفر نشيد الأنشاد في الكتاب المقدّس، القصيدة الأعظم الّتي تترجم الحبّ الإنسانيّ والإلهي، وتحاكي فلسفة الحبّ كعلاقة بين رجل وامرأة (العروس والعريس) الّتي تتغلغل فيها صوفيّة العشق على المستوى الجسديّ والرّوحيّ معاً. ومن السّذاجة أن نقف عند مستوى الحرف في هذا النّشيد لنكتفيَ بالقول إنّ هذه القصيدة أو هذا النّشيد مجرّد قصيدة تعبّر عن الحبّ الجنسيّ. ولو دقّقنا في العبارات الواردة في القصيدة، لتبيّنّا التّماهي بين صوفيّة الجسد وصوفيّة الرّوح اللّتين تمتزجان حتّى تكوّنان الكيان الواحد، فلا يعود الجسد منفصلاً عن الرّوح.
إنّ الّذين اكتفوا بالمعنى الجنسيّ لهذا النّشيد، لم يروا حقيقةً من الحبّ إلّا الإشباع الغرائزيّ. وإن اقتصر الحبّ على هذا الأمر فهو حتماً ليس حبّاً وإنّما مجرّد نزوة تندرج في إطار الحبّ البشريّ المرادف للعاطفة، غير المرتقي بعد بمعاني الحبّ السّامية.
يصوّر هذا النّشيد الحبّ الكيانيّ بين الرّجل والمرأة الّذي يعبّر عنه بتعابير بشريّة ترتكز على ألفاظ جسديّة. لكنّ القارئ ما يلبث أن يتبيّن ارتقاء في هذه العلاقة الجسديّة الرّوحيّة. ثمّ يلاحظ صوفيّة الجسد الّتي تدلّ على نقاء هذه العلاقة الحسّيّة المنصهرة بالعلاقة الرّوحيّة. ولعلّ هذا النّشيد يشرح ضمناً الفرق بين العلاقة الجنسيّة المحدودة بإشباع اللّذة وبين الحبّ. ولا ريب أنّ الفرق شاسع.
يتحدّث نشيد الأنشاد عن علاقة حبّ عميق بين رجل وامرأة، عروس وعريس، أي زوج وزوجة. ولم يتحدّث عن لقاء شخصين في حالة شهوة جنسيّة، حتّى وإن أراد البعض اعتبارها كذلك. فالدّلالات اللّفظيّة المدرجة في النّشيد تدلّ القارئ البالغ روحيّاً والنّاضج إنسانيّاً وإيمانيّاً على أنّ الإنسان رجلاً وامرأة، وعلاقة الحبّ بينهما، أبعد من لحظات تحدّدها الشّهوة وتأسرها اللّذة الجسديّة. فالعريس يناجي عروسه بكلمات ترشدنا إلى صوفيّة العلاقة. يخاطب العريس عروسه مستخدماً كلمة (أختي) خمس مرّات، و(رفيقتي) و(حمامتي). كذلك العروس تستخدم لفظ الأخ، لتأتي هذه الكلمات في سياق عشقيّ فريد يسمو بالحبّ إلى العالم السّماويّ.
وإن استخدمت الدّلالات الحسّيّة الجسديّة (القبلات/ الفم/ الثّدي/الخدّين/ العنق…) فللدّلالة على كيانيّة العشق وعدم انفصال الجسد عن الرّوح. ولئن كنّا أمام وحدانيّة الجسد والرّوح ارتقت هذه العلاقة العشقيّة إلى مستوى العشق الإلهيّ، أي الحبّ المستمدّ من الله والمنسكب في قلب العروسين. تشير إلى هذا الحبّ الآية (3:6): "أنا لحبيبي وحبيبي لي"/ والآية (10:7) "أنا لحبيبي وإليه اشتياقي". وهنا ترتسم ملامح العلاقة الحميمة من جهة، ومن جهة أخرى تتجسّد وحدانيّة الصّورة بين الرّجل والمرأة اللّذين يكوّنان معاً صورة الله. "خلق الإنسان على صورته كمثاله، ذكراً وأنثى خلقهم" (تكوين 27:1). هذه العلاقة ليست روحيّة بحتة، بل هي علاقة كيانيّة اتّحاديّة، ولكي تبلغ مقامها الّذي على صورة الله لا بدّ أن تستمدّ الحبّ منه. فتستحيل العلاقة عشقيّة إلهيّة بامتياز.
وعلى الرّغم من أنّنا نقرأ حواراً بين الحبيب والحبيبة أو العريس وعروسه، إلّا أنّنا نشهد الحبيب يبحث عن محبوبته ويبذل جهداً لتقبله عريساً لها والعكس صحيح. وذلك ليدلّ على أنّ هذا الحبّ القائم بين الرّجل والمرأة حركة أبديّة لا تنتهي ولا تحدّها حدود. هي علاقة يغذّيها الشّوق المستمرّ الّذي لا يهدأ ولا
يستكين:"أحلّفكنّ يا بنات أورشليم إن وجدتنّ حبيبي أن تخبرنه أنّي مريضة حبٍّ" (8:5)/ "أنام وقلبي مستفيق. ها صوت حبيبي يدقّ: افتحي لي يا أختي، يا رفيقتي! يا حمامتي، يا كلّ شيء لي، رأسي امتلأ بالطّلّ، وجدائلي بندى اللّيل".
نلاحظ في عبارة (صوت حبيبي يدقّ) أنّ الحسّيّ يمتزج بالرّوحيّ، فالصّوت يلحّ على اللّقاء كاليد الطّارقة على الباب. وعبارة (مريضة حبّ) تبيّن انغماس الشّخص في ذروة العشق.
إنّ التّفاصيل الدّقيقة والشّاملة الّتي يتناجى بها الحبيب والمحبوبة وتحاكي الجسد تبرهن على عشق يتدرّج تصاعديّاً حتّى يبلغ الاتّحاد الكيانيّ العشقيّ. "اجعلني كخاتم على قلبك كخاتم على ساعدك لأنّ المحبّة قويّة كالموت والغيرة قاسية كالهاوية، لهيبها لهيب نار لظى الرّب" (6:8). إنّ النّار الّتي تضطرم في قلب الحبيبين هي نار الحبّ الإلهيّ الّذي يزهر شوقاً مستمرّاً، وتوقاً مستديماً حتّى لا تخبو نار الحبّ ولا تخمد. "اهرب يا حبيبي وكن كالظّبي أو كغفر الأيائل على جبال الأطياب" (14:8). وليس طلب الهروب في هذه الآية إلّا تعبيراً عن طلب المزيد من الشّوق، واستبعاد اللّقاء الزّمنيّ المكانيّ، ورجائه كاملاً في قلب الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.