الطائرات الإسرائيلية التى تقصف غزة يتدرب طياروها فى أجواء تركيا قبل القصف 60 اتفاقية عسكرية بين تركيا وإسرائيل تغطى التدريبات الجوية وتحديث الدبابات
أردوغان سمح بدخول الإسرائيليين، ومنح تل أبيب صفقة تحديث طائرات مقاتلة تركية
هناك وجهان للعلاقات التركية الإسرائيلية، الوجه الأول وهو الحقيقى يقوم على العلاقات الحميمة والمتميزة والإستراتيجية بين تل أبيب وأنقرة تؤكده المناورات الجوية الإسرائيلية فى الأجواء التركية، فالطائرات الإسرائيلية التى تقصف الأطفال فى غزة يتدرب طياروها فى الأجواء التركية، والدبابات الإسرائيلية التى تدك حدود غزة تأخذ النفط والغاز من الرئيس أردوغان، لكن هناك “ الشو الإعلامى “للرئيس التركى الذى يدعى فيه أنه متعاطف مع الشعب الفلسطينى ضد الممارسات الإسرائيلية، فما طبيعة العلاقات التركية - الإسرائيلية؟ ولماذا يحرص أردوغان على تقديم كل المساعدات اللوجستية والعسكرية لإسرائيل ضد الشعب الفلسطينى الأعزل؟
العلاقات التركية - الإسرائيلية
تعد تركيا من أكثر الدول التى ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، وتعترف صحيفة يديعوت أحرونوت بهذه العلاقة مشيرة إلى أن هذه علاقات نمت بحسب مسارها التاريخى وبشكل كبير خلال حكم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، وتراجعت خلال حكم الحكومات المدنية.
وتوضح الصحيفة أن العلاقات العسكرية التركية الإسرائيلية بقيت كما هى ولم تتأثر على الإطلاق، حيث كان التعاون وثيقا بين الطرفين، ويعترف معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى بأهمية العلاقات مع تركيا، مشيرا إلى أن إسرائيل كانت المنفذ الوحيد لتركيا، بعد فرض عدد من العقوبات الأوروبية الأمريكية على تركيا جراء غزوها شمال جزيرة قبرص عام 1978، حيث قامت إسرائيل بتحديث الجيش التركى، وكانت الشركات الإسرائيلية لاعبا أساسيا فى الحقل العسكرى التركي.
وبرغم إعلان تركيا تعليق التعاون العسكرى بين البلدين، فى أعقاب الهجوم الإسرائيلى على قافلة المساعدات التركية إلى غزة عام 2010، ومقتل عشرة أتراك على متن السفينة «مافى مرمرة» التى هاجمتها البحرية الإسرائيلية، فإن تقارير عدة أشارت إلى استمرار هذا التعاون، من خلال اتفاقات موقعة بين البلدين يزيد عدد العسكرى منها على 60 اتفاقية.
تعاون معلن
ويوضح المعهد أن تركيا وإسرائيل عقدتا سلسلة من التعاون بينهما، لعل أبرزها اتفاق التعاون العسكرى بين أنقرة وتل أبيب عام 2013، حيث ذكرت مصادر بالحكومة التركية أن عددا من الشركات العسكرية الإسرائيلية زودت تركيا بمعدات لازمة لها، وهى المعدات التى كان الجيش التركى يحتاجها بشدة.
وقالت المصادر إن شركة «إيلتا» الإسرائيلية تحديدا سلمت تركيا أجهزة إلكترونية بقيمة 100 مليون دولار لأربع طائرات مزودة بنظام الإنذار والمراقبة المحمول جوا (أواكس)، وحمل عام 2010 معه قفزة نوعية فى العلاقات العسكرية. فقد زار حينها وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك أنقرة، ووصفت الزيارة بأنها نجحت فى إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسار إيجابي، وكشف التليفزيون الإسرائيلى فى تقرير له أن هناك ما يقرب من 60 معاهدة سارية المفعول للتعاون المشترك بالقضايا الأمنية
معاهدات عسكرية
اللافت للنظر أن عدداً من وسائل الإعلام الإسرائيلية تكشف وبصورة تفصيلية عن أدق بنود معاهدات التعاون المشترك بين إسرائيل وتركيا، وعلى سبيل المثال وقعت تركيا وإسرائيل منذ قرابة الأعوام الثلاثة على معاهدة تقوم إسرائيل بمقتضاها بتقديم المساعدات الفنية العسكرية إلى تركيا، وهى المعاهدة التى تقضى بتزويد تركيا إسرائيل بعشر طائرات تجسس مقاتلة بلا طيار من طراز «هارون» الإسرائيلية الصنع، بالإضافة إلى الاتفاق على تحديث طائرات «فانتوم» التركية المقاتلة فى مصانع شركة سلاح الجو فى تل أبيب، تحديث دبابات تركية قديمة، وتعاون أمنى واسع فى إطار «مكافحة الإرهاب»، بجانب إجراء تدريبات مشتركة على القتال، جوا وبحرا وبرا، فضلا عن إجراء تدريبات مشتركة على الإنقاذ وتزويد الجيش التركى بأجهزة اتصال ذات تقنية إلكترونية حديثة. وتوضح صحيفة معاريف أهمية هذه الاتفاقات الأخيرة، مشيرة إلى أن أهميتها تنبع أيضا من كونها تعتمد فى الوقت ذاته على تبادل المعلومات فى مجال الأمن وغيرها.
وتوضح دراسة وضعها معهد الأبحاث الإستراتيجية التركى أن العلاقات التركية الإسرائيلية بدأت قبل 60 عاما لكن فى ال50 عاما الأولى كانت محدودة جدا، وكانت إسرائيل فى كل مناسبة تسعى إلى تطوير وزيادة هذه العلاقات، وتعترف هذه الدراسة أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يهاجم إسرائيل فى كل صباح ومساء وفى كل مكان، فى المقابل فإن العلاقات الإسرائيلية - التركية التى يبلغ عمرها 60 عاما تضاعفت عشرات المرات خلال حكم أردوغان فى العشر سنين الماضية، وتتفق صحيفة زمان المعارضة التركية مع هذا الأمر، قائلة: إن أردوغان، وعلى سبيل المثال قام برفع التأشيرات للإسرائيليين من جانب واحد وقامت ببيع مياه نهر منفجات، الذى يصب فى المتوسط ومنحت الشركات الإسرائيلية تحديث طائرات مقاتلة تركية قديمة.
وبجانب كل هذا أيضا قامت تركيا بشراء طائرات دون طيار من إسرائيل، ووصل حجم التجارة فى المجال الزراعى إلى القمة كما فى المجال السياحي، الأهم من كل هذا أن تركيا سعت إلى خدمة إسرائيل وبناء قواعد خاصة لها، وتشير الصحيفة إلى إنشاء قاعدة للإنذار المبكر فى كوراجيك بمدينة ملاطيا، وهى القاعدة التى تعتبر حماية أمن إسرائيل هو أحد وأبرز أهدافها.
العلاقات التجارية
وتحرص تركيا دائما على إخفاء بنود ونتائج الاتفاقات الرسمية بين تركيا وإسرائيل، غير أن مركز الإحصاء فى تركيا أصدر عام 2014 تقريره للتجارة الخارجية التركية، وهو التقرير الذى أشار إلى تضاعف حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل فى الأشهر الستة الأولى مقارنة بالأشهر الستة الأولى لعام 2013، وأوضح المركز أن مجموع حجم التجارة بين البلدين وصل إلى واحد مليار و617 مليون دولار، وهذا يعنى أن حكومة أردوغان تستورد من إسرائيل ستة أضعاف ما تصدر وإليها.
ويشير المركز إلى أن هذا الفارق الشاسع بين الصادرات والواردات يأتى من الأسلحة والمعدات التى تشتريها تركيا من إسرائيل، فمثلا قامت حكومة أردوغان بدفع مبلغ 900 مليون دولار للشركات الإسرائيلية لتحديث أسطولها الحربى من طائرات «فانتوم إف 4 واف 5»، ودفعت أيضا 500 مليون دولار لتحديث 170 دبابة من طراز إم 60، كما يوجد اتفاق على شراء صواريخ «دليلة» التى بلغ مداها 400كم، كما أن الكونجرس الأمريكى وافق لإسرائيل على بيع تركيا صواريخ «أرو» المشتركة الصنع بقيمة 150 مليون دولار، كما أن تركيا ما زالت تنتظر بقية صفقة طائرات «هارون» دون طيار وهى عشر طائرات بلغت تكاليفها 183 مليون دولار، اللافت للنظر أن المواقع الإخبارية الإسرائيلية تهتم بهذه النقطة، حيث أشار موقع المصدر الإسرائيلى فى تقرير له إلى قوة التبادل التجارى بين تركيا إسرائيل، وقال الموقع إن شهر إبريل من العام الماضى شهد وصول أكبر بعثة مصالح تجارية تركية عرفتها إسرائيل أخيرا، مشيرا إلى أن هذه البعثة التجارية التركية الرسمية هى أكبر بعثة تصل إلى إسرائيل منذ فترة كبيرة
ويشير الموقع إلى مشاركة أكثر من 100 ممثل عن شركات تركية من قطاعات أعمال مختلفة فى منتدى المصالح التجارية حول العلاقات التجارية الإسرائيلية - التركية، وأجروا لقاءات تجارية مع شركات إسرائيلية، بهدف إنشاء تعاون اقتصادى واسع، وشارك فى البعثة ممثلون كبار عن عدة اتحادات تصدير، حيث يمثلون عشرات آلاف شركات التصدير فى أنحاء تركيا، وقال “الموقع” إن من بين ممثلى البعثات ممثلين عن شركات: أطعمة ومشروبات، نسيج وموضة، حديد، مواد بناء، أثاث، كهرباء وإلكترونيكا، معدّات طبية، تصنيع كيماويات، محاماة، مجال المصارف، وغيرها. وقال إيتان نائيه، السفير الإسرائيلى فى تركيا، إنه لا يعتمد على استقرار العلاقات السياسية، ولكنه أكد أن واقع العلاقات التجارية مختلف تماما، حيث يصل حجم التجارة بين كلا البلدين فى وقتنا هذا إلى 4 مليارات دولار سنويا تقريبا، ويدعى أن هناك احتمالا كبيرا أن يتضاعف.
من جانبه يشير التليفزيون الإسرائيلى أيضا إلى أن العلاقات الاقتصادية الواسعة بين إسرائيل وتركيا شهدت تحسنا بعد حادثة أسطول مرمرة وقطع العلاقات الطويل بينهما. ففى عام 2012 (العام الذى شهد بدء الأزمة بسبب أسطول مرمرة)، وصل حجم تصدير البضائع الإسرائيلية إلى تركيا إلى 1.3 مليار دولار. بالمقابل، فى عام 2011، بينما شهدت العلاقة بين البلدين توترا “ظاهريا” ازداد التصدير الإسرائيلى إلى تركيا بنسبة 40% ووصل إلى 1.84 مليار دولار. يبدو أنه رغم الأزمات، تحتل تركيا المرتبة السادسة فى قائمة التصدير الإسرائيلى بمبلغ نحو 4 مليارات دولار سنويا. تصدر إسرائيل إلى تركيا مواد خام، مواد كيميائية (%67)، معادن (%5)، وآلات (%4). وماذا تستورد إسرائيل من تركيا؟ إنها تستورد بشكل أساسيّ سيارات (19 %)، حديد (16 %)، آلات (10 %)، وملابس
وقال ليئيل فى هذا الحوار: إن الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة نيتانياهو مهتمة بدفع هذه الاتصالات قدما، لأن هذا سيزيل عنها الكثير من الضغوط بسبب تفجر الأوضاع جنوبى إسرائيل. عموما فإن العلاقات التركية - الإسرائيلية كانت وستظل واحدة من أهم العلاقات المحورية بالشرق الأوسط، ومهما حاول الأتراك إنكار هذا الأمر، فإن الكثير من الشواهد الواقعية على الأرض تؤكد وتثبت غير ذلك والأهم أنها تعكس رغبة إسرائيلية وتركية مشتركة للإبقاء على جودة وقوة هذه العلاقات.