العبادات شرعها الله تهذيبا للنفوس, وتواصلا بين العباد وخالقهم, وإعلاء لقيم الأخلاق والفضائل التي نحن في أشد الحاجة إليها طوال العام، وليس في رمضان فقط كما يفعل كثير ممن غفلوا عن حكمة عبادة الصيام التي ربطها الله بالتقوي حتي ننال الرحمة والمغفرة والعتق من النار, وإذا كان بعض الناس, خصوصا الشباب, يؤجلون فعل السوء لما بعد رمضان, فهل يصح صيام هؤلاء برغم توافر النية بالعودة إلي المعاصي وهجر الصلاة والقرآن وارتكاب ما يغضب الله عز وجل بعد رمضان؟! في البداية يلفت الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق, نظر هؤلاء إلي قول النبي صلي الله عليه وسلم أحب الأعمال إلي الله أدومه وان قل فيجب علي من ذاق حلاوة الطاعة في هذا الشهر الكريم, أن يستمر عليها وأن يجتهد فيها بل وأن يكون في زيادة وليس في نقصان وقد قال السلف رضي الله عنهم من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ومن استوي أمسه وغده فهو مغبون ومن كان أمسه خير من غده فالنار أولي به وعلي المسلم ألا يتوقف بعد انتهاء رمضان عن إصلاح نفسه وتهذيبها وتحسين علاقته مع الله ومع الناس, بل يجب أن يستمر هذا بعد انقضاء شهر رمضان, فرب رمضان, هو رب شوال, وهو رب المحرم, وهو رب الشهور كلها, وما رمضان إلا محطة وقود يتزود منها العبد لباقي الشهور, فلا تكن من عباد رمضان, ولكن كن من عباد الله عز وجل,فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان شهر يولي وينقضي, ومن كان يعبد الله فإن الله حي باق لا يموت, ورب رمضان هو رب كل الشهور والأزمنة المطلع علي كل صغيرة وكبيرة في كل الأزمنة والأمكنة ومن صبر عما يحل من الطعام في الصيام وثبت عن مجافاة كل طعام حرام في الصيام وفي غير الصيام ومن ضبط شهوته طواعية في الصيام أمسك بحزم عن أي فعل من أفعال اللئام. فإذا كان الصيام قد ضبط شهوة البطن والفرج بتدريبه شهرا كاملا علي ذلك فلا أقل من أن نعيد التدريب ولو بصيام يومين من كل أسبوع الاثنين والخميس أو حتي علي الأقل الثلاثة أيام القمرية من كل شهر عربي ليثبت بإذن الله علي ذلك. ومن أقلع عن الذنوب والآثام والغيبة والنميمة وشهادة الزور وكثرة الكلام في شهر الصيام سهل عليه أن يضبط نفسه طوال العام ومن تصالح مع خصومه وهجر الخصام وصالح جيرانه وأحسن معهم الفعل والكلام فلا أقل من أن يلزم نفسه ذلك الخلق الرفيع بقية العام حتي يصبح له ذلك خلقا ومن تاب وأناب وصدق مع الله وتقرب إليه بالنوافل حتي أصبح عابدا ناسكا في رمضان لا يرضي لنفسه أبدا أن يكون مبارزا لله بالمعاصي بعد رمضان. وعن توافر نية السوء لما بعد رمضان يقول الدكتور مبروك عطية, الأستاذ بجامعة الأزهر, من كان عاصيا قبل رمضان او عاقدا العزم علي فعل السوء بعد رمضان يتقبل الله صلاتهم وصيامهم بشرط التوبة إلي الله توبة نصوحا, والعزم علي ألا نعود إلي هذا الذنب بعد رمضان أبدا, ولا أحد يستطيع أن يحجر علي رحمة الله عز وجل ولا أن يحول بين العبد وربه الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير, وأما نية السوء التي تكمن في صدور البعض ويؤجلون فعلها لما بعد رمضان فهي دليل علي عدم معرفتهم بشرع الله عز وجل حين وعد عباده بمغفرة منه وجنة عرضها السماوات والأرض, وقال فيهم:والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون وقوله سبحانه: ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون وهذا إصرار منا علي سوء ما فعلنا ينأي بنا مع الأسف عن رحمة الله ربنا, ولا عصمة لبشر إلا لرسول, والمسلم يقع في المعاصي ثم يتوب ثم يعود إليها ويتوب والله يقبله متي عاد علي غير إصرار.