بدأت منذ أيام قليلة أيام وليالي شهر رمضان الكريم ومعها بدأت المنافسة بين الذين يتاجرون مع الله تجارة لن تبور ، فشهر رمضان الفضيل هو شهر التجارة الرابحة بين المسلمين وخالقهم عز وجل، فيه يضاعف لهم الحسنات ويغفر السيئات ،وتقال العثرات وينادي مناد من قبل الله تعالي ( يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر) ، وفيه تفتح أبواب الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، فرمضان يعد بحق فرصة عظيمة وموسما للمتاجرة مع الله، ولذلك وجب علينا التشمير عن ساعد الجد من أجل الاستثمار الأمثل لهذا الشهر الكريم ، وإعمار كل أوقاته بالطاعات والعبادات والتقرب إلي الله بكل ما يحبه ويرضيه ،وطرق كل سبل الخير والتجارة مع الله كي نكون ضمن صفوف المتنافسين ونحصل علي الخير والعطاء الجزيل الذي يمنحه الله لنا في الدنيا والآخرة ،، يقول د محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة : بالفعل رمضان موسم التجارة الرابحة فهو شهر عظيم ، وموسم كريم ، شهر تضاعف فيه الحسنات ، ففي شهرنا هذا من تقرب لله فيه بخصلة من خصال الخير، كان كمن أدي فريضة فيما سواه، والفرائض هي أحب ما يتقرب به العبد المؤمن إلي ربه تعالي، فهو القائل في الحديث القدسي: من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه.. وفي رمضان تفتح أبواب الجنات ، وتقفل أبواب النيران ، وتقبل فيه التوبة إلي الله من ذوي الآثام والسيئات ، فالشهر أوله رحمه ، وأوسطه مغفرة ،وآخره عتق من النار. يضيف د. الدسوقي: وعلينا استثمار الشهر بشكر المولي عز وجل علي ما انعم علينا به من مواسم الخير والبركات ، وما خصنا به من أسباب الفضل ،وأنواع النعم السابغات ، من خلال اغتنام كل أوقاته وذلك بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات والتزام بحدود الله، وأن نتحري في كل أعمالنا سنة رسولنا " صلي الله عليه وسلم" وهديه في الشهر الفضيل فهو "صلي الله عليه وسلم "المتبوع والمقتدي به ، وعلينا التوبة النصوح والإقلاع عن أية معصية . والمحافظة علي الصلاة ، وعلي قيام الليل، الإكثار من قراءة القرآن الكريم ، وحفظ السمع والبصر واللسان عن المحرمات، وصلة الرحم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إيتاء الزكاة. وذلك حتي نفوز بطيب الحياة ويكون الأجر الجزيل والثواب ونكون من الفائزين الرابحين ، فالصيام المرجو ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، فرب صائم، حظه من صيامه الجوع والعطش، كما ورد في الحديث الشريف ، ولكنه صيام الجوارح عن معصية الله وانطلاقها في طاعته سبحانه. ورمضان أيضا هو شهر الصبر ، والصبر جزاؤه الجنة ، وكفي بها جزاءً، وبالصبر تقوي الروح وتسبح في مدارج العلو والرفعة والنقاء والطهر، تلك الروح التي حبسناها أحد عشر شهراً في هذا الجسد الطيني، اشتاقت إلي بارئها وحنَّّت إلي خالقها، فهي تنتظر هذا الشهر، لتؤدي دورها في إصلاح الجسد وقيادته نحو معالي الأمور. فيا للصوم من مدرسة لتقوية الإرادة وشحذ العزيمة ورفع الهمة والتحليق في سماء القرآن العظيم. إن رمضان يحاول إعادة شيء من التوازن بين كفتي الروح والجسد، كفة الروح التي خفَّت وضعفت، لقلة غذائها وضعفه من القرآن والذكر، وكفة الجسد التي ثقلت بذلك الجسد المترهل المشبع، بما لذّ وطاب من الطعام والشراب. إصلاح الدين والدنيا وتقول د.آمال يس عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالقليوبية بنات بجامعة الأزهر : اختص الله سبحانه وتعالي شهر رمضان بالصيام لأنه هو الشهر الذي انزل فيه القرآن الكريم علي النبي "صلي الله عليه وسلم" ، ولهذا استحق أن يعبد الله فيه بتلك العبادة البدنية الروحية الخالصة وهي الصيام. قال الله تعالي يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون« وقال تعالي »شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه«. وتضيف د. آمال يس: ما شرع الله لنا إلا ما فيه صلاحنا، فلكل عبادة غاية، والصوم عبادة افترضها الله علينا في العام مرة، ومن يتفكر في هذه الفريضة، يجد أنها تصب في مصلحة العباد، وأن هدفها إصلاح الدين والدنيا معًا، والمسلم الفطن هو من يحقق في هذا الشهر الفوز العظيم ويدخل مع الله في تجارة لن تبور بل إنها تجارة رابحة فالذي يكافئ عليها هو الرحمن الرحيم صاحب الفضل العظيم هو الجواد الكريم الذي يضاعف الجزاء والثواب لمن يشاء من عباده ، ونحن عباده يجب أن نكون مدركين للنعم التي ينعم الله علينا به في هذا الشهر ، نعي كم هي واسعة رحمة الله بنا ومغفرته ، كم يمنحنا من الفرص لكي نعود لطريق الحق ، ولكي نعبده سبحانه وتعالي العبادة الحقه التي تليق بجلال وجه تبارك وتعالي ، فعلي كل مسلم منا أن يشمر ساعده ويدخل مع نفسه في سباق وتنافس يحرص خلاله كل الحرص علي الطاعة وعلي أداء العبادات والفرائض والتقرب إلي الله بالنوافل وبفعل الخيرات وسبل الخير في هذا الشهر كثيرة ولا تحصي فعلينا بر الأهل ، وصلة الرحم ، وعلينا بالصدقة فهي تطفئ غضب الله وتقي مصارع السوء، وتزيد الرزق وتطيل العمل وتشفي المرضي ، والإحسان للفقراء والمساكين ، ورعاية الأرامل والأيتام ومد يد العون إليهم وإظهار صور التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع الإسلامي بالشكل الذي أمرنا به ديننا وحثنا عليه، كما أن علينا الحرص علي قراءة القرآن وتدبر معانيه وفهم ما جاء فيه والعمل به والاحتكام إليه فهذا الشهر هو شهر القرآن الكريم شرفه المولي بنزول القرآن فيه . علينا محاسبة أنفسنا علي أي تقصير في العبادة ،يقول رسول الله " صلي الله عليه وسلم": "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمني علي الله " . رواه الترمذي ، فينبغي للمسلم أن يتجرد من القيم السلبية ويتجافي عما يخضعه لوسوسة الشيطان وصراع النفس الأمارة بالسوء حتي يكون في رمضان عبدا ربانيا يسارع في الخيرات، ومن ثم يكتب مع الفائزين في نهاية هذا السباق . شهر المنحة الربانية يقول د.حامد أبو طالب العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: رمضان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة الإسلام ،و ما أحوجنا اليوم إلي اغتنام هذا الشهر الكريم لنقوي صلتنا بالمولي عز وجل »الخالق القدير سبحانه وتعالي« العظيم تبارك وتعالي الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، نطلب منه المغفرة والرحمة ، والفرج والعزة والنصر. والفضائل كثيرة في هذا الشهر الكريم فينبغي علينا أن نغتنم هذه الأيام والساعات التي قال عنها سبحانه وتعالي " أياما معدودات " فسرعان ما تنقضي وتمر و ترحل، فلو مرت علينا دون أن نستثمرها ونتنافس فيها لتحقيق التقوي وطاعة الله كنا من الخاسرين .. ويضيف د. أبو طالب : والأجدر بالمسلم في هذا الشهر المبارك أن يقضي وقته في العمل والعبادة، وأن يثابر علي قراءة القرآن؛ إذ إن فيها هدي وطمأنينة وهداية للنفس، وأن يتذكر أن للشياطين وساوس إن رضخ لها فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ومشاهدة ما يحرم النظر إليه بلا شك يؤثر علي صيامه وينقصه، فالحكمة من الصيام هي التقوي يقول سبحانه وتعالي: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُُتب علي الذين قبلكم لعلكم تتقون". وعلي المسلم أن يحفظ صيامه عما حرم الله ويجعل شهر رمضان مصرفًا للطاعة والعبادة وفعل الخير، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا يقومون بالاستعداد لاستقبال الشهر الكريم بعقد حلقات الذكر وحلقات العلم النافع وبالسؤال عن كيفية أداء صلاة التراويح والتهجد، وعن الأعمال التي يجب أن يحرص المسلم علي أدائها والصيام تهذيب وتقويم للنفس وعمل وعبادة وليس مجرد امتناع عن تناول الطعام.