في رحاب دار الأرقم جمعنا بالمسجد العملاق حشد رائع من علماء الدين.. كان الحديث عن ذلك المجهول الخفي داخل أعماق الإنسان والذي بدونه لا تصح عبادات ولا تصلح أعمال ولا تقبل صلوات, والذي به يتحول العمل الصالح إلي فاسد.. ويتحول العمل الفاسدالنية إلي صالح يتقبله الله ويجزي صاحبه. إنه النية.. ذلك الموقف.. الذي ينعقد داخل قلب الإنسان والذي اعتبره علماء السنة بمثابة ربع الإسلام.. واعتبره البعض الاخر ثلث الإسلام.. لأن الإسلام في نظرهم يقوم بالقول والعمل والنية.. وأهم عمل لهذه الثلاثة هو عمل القلب أي النية. ويجيء الحديث الهام: إنما الأعمال بالنيات ولكل امريء ما نوي. ليدخل- كما قال الإمام الشافعي- في سبعين بابا من العلم: في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج وكل العبادات والطاعات والمباحات والمحرمات. يقول الدكتور أيمن مصطفي محمد- الأستاذ بجامعة الأزهر: المقصود من هذه النية تميز العبادات من العادات, فقد يغتسل الإنسان بالماء للنظافة, وقد يغتسل من الجنابة.. فالأول عادة والثاني عبادة.. و النية.. التي تقال باللسان ليست كافية, ولكن يجب أن ينعقد القلب عليها وكل طاعة.. لابد لها من النية.. والمعني هنا أن يقصد بها وجه الله وحده. وفي المباحات.. النية تحولها إلي عبادات وطاعات.. فالأشياء العادية التي يفعلها الناس في حياتهم ممكن بالنية- كما يضيف د. أيمن مصطفي أن تتحول طاعة وعبادة, والأحاديث: ما من مسلم يغرس غرسا يزرع زرعا.. فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة. وهناك قسم لا تؤثر فيه النية وهو قسم المعاصي والمحرمات إذ إنها لا تنقلب إلي طاعات بالنية.. فلا يجوز للإنسان أن يكتسب المال الحرام بنية أن يبني مسجدا.. ولا يدفع منه زكاة والحديث الشريف يقول: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.. إن الخبيث لا يمحو الخبيث.. إن الله لا يمحو السييء بالسييء. من أجل هذا لا تنفع النية الحسنة في قبول المحرمات. و النية الصادقة.. قد تحقق للإنسان ثوابا كاملا لعمل لم يتم.. فيكمله الله له. في القرآن الكريم: ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله, وكان الله غفورا رحيما. وقد يقع العمل خطأ, ولكن النية.. تصححه. وفي صحيح البخاري أن رجلا خرج في الليل ليتصدق حتي لا يراه أحد, وكان صادق النية في التصدق.. وأعطي الصدقة في الظلام لرجل تبين بعد ذلك أنه سارق.. ثم أعطي الصدقة لامرأة تبين أنها زانية.. وظن أن صدقته لن تقبل.. فأتاه آت في نومه.. فقال له: أما صدقتك فقد قبلت.. وأما السارق فلعله يتوب عن السرقة وأن الزانية فلعلها تستعفف عن زناها لعل الذي دفعها إلي الزنا الحاجة. - والإنسان قد لا يعمل بالعمل الصالح, ولكن نيته.. تكتب له. في غزوة تبوك كان هناك أناس يتمنون أن يخرجوا مع الرسول صلي الله عليه وسلم وذهبوا إليه, فلما لم يجد ما يحملهم عليه عادوا وعيونهم تفيض بالدمع حزنا.. وهؤلاء كتب لهم أجر الجهاد وهم في بيوتهم لمجرد النية. وورد في الحديث لبعض الناس تكتب لهم الشهادة وهم في بيوتهم. في صحيح مسلم: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء, وإن مات علي فراشه.. بينما في حديث آخر ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته. إنسان يقتل بين الصفين ويقتل بأيدي المشركين والكفار وليس شهيدا.. وإنسان آخر يموت علي فراشه وهو في عداد الشهداء. النية.. وحدها هي التي تحدد مصير كل إنسان. وورد عن النبي.. صلي الله عليه وسلم: إن من نام وهو ينوي أن يقوم من الليل فغلبته عيناه.. كتب الله له ما كان ينوي أن يقوم به.. وكأن نومه عليه صدقة من ربه. والإنسان المسلم إذا أصابه مرض فأقعده عن خير كان يقوم به في صحته.. يكتب له ما كان يعمل وهو صحيح.. المسألة إذا مسألة النية. ويصل حساب النية.. إلي حد العفو عن الخواطر, ففي قول الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم. أحاديث النفس هذه في دائرة العفو إلا إذا خرجت إلي حيز التنفيذ أو الكلام. وتصل عدالة السماء إلي أقصاها في الحديث الصحيح. إذا التقي المسلمان بسيفهما.. فالقاتل والمقتول في النار.. قيل يا رسول الله: هذا القاتل فما بال القتول؟ فيجيب سيد الخلق إنه كان حريصا علي قتل صاحبه. وعن الإمام أحمد أن بالسنة ثلاثة أحاديث تجمع الدين الإسلامي كله أوله: إنما الأعمال بالنيات.. وهو ميزان الباطن الذي لا يكشفه إلا الله جل جلاله.. ثم حديث من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.. وهذا ميزان الظاهر في نظر العلماء والحديث الثالث الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات. هذه الأحاديث الثلاثة تقوم عليهم كل مباديء الإسلام{