'لن تكون هناك معوقات للتصنيع الزراعي في مصر' هكذا تؤكد توصيات لجنة الصناعة والطاقة تحت قبة البرلمان المصري. وبرغم اعتراف المشاركين باللجنة بوجود حزمة من المشكلات. والتى التي تواجه هذا القطاع الحيوي كتعدد الجهات الراقابية والتشريعات المشددة, فإن المتفائلين لهم رأي مختلف ،حيث يرون أن النهوض بالتصنيع الزراعي سيرفع القيمة المضافة من المحاصيل الزراعية ويقلل الفاقد ويزيد دخل الفلاح بتمكينه من التعاقد علي بيع محاصيله للمصانع حتي قبل الزراعة بأسعار مجزية, ويشجع الاستثمار الزراعي واستصلاح أراض جديدة. القضية ثرية, متعددة المحاور, كثيرة التفاصيل نحاول معا مناقشتها ولا يفوتنا أن نعرض ما انتهت اليه اللجنة من توصيات, وهي ذاتها المعوقات التي تقف حائلا دون تقدم هذا القطاع العريض. في البداية يقول الدكتور منير خليل فهمي وكيل معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية أن التصنيع الغذائي صناعات تحويلية تقوم علي الخامات الزراعية لانتاج الأغذية والمشروبات, مثال ذلك صناعة اللحوم والأسماك, الخضر والفاكهة, الطحن والغلال, المشروبات والعصائر وصناعة الألبان. ويلعب التصنيع الزراعي دورا مهما في تقليل الفاقد الزراعي وتعطي السلع قيمة مضافة وتقلل الفاقد الزراعي وتستوعب نسبة كبيرة من الأيدي العاملة وتحقق جزءا كبيرا من الأمن الغذائي.. ولعل من أهم فوائد التصنيع الغذائي أنه يقوم بتوفير سلعة أساسية وضرورية تحقق الأمن الغذائي وتساهم في تنمية الاقتصاد القومي باستغلال الموارد المتاحة.. ويعتبر الانتاج الزراعي والتصنيع الغذائي وجهين لعملة واحدة, لذلك نري أن عدم التنسيق بين خطط التصنيع الزراعي وخطط الانتاج الزراعي من أهم المشاكل التي تواجه الصناعات الغذائية.. وعلي هذا ينبغي انشاء مراكز زراعية صناعية كبيرة, كذلك تطوير الصناعات الغذائية ذات الحجم الصغير وحيث ان التصنيع الزراعي الغذائي يعتمد علي تصنيع الفائض بعد الاستهلاك الطازج, لذلك يجب عمل دراسة تسويقية لمعرفة احتياجات الاسواق.. والتوسع في زراعة المنتجات المطلوبة للسوق المحلية وبغرض التصدير. ويؤكد أن التصنيع الزراعي يعتبر مؤشرا علي التنمية الوطنية, كما تعتبر نسبة المنتجات الزراعية المصنعة مؤشرا علي تقدم قطاع الزراعة في المجتمعات المختلفة وانعكاسا للتنمية الوطنية.. لهذا يجب تطبيق التحكم الدقيق النسبي علي سلسلة الانتاج بداية من المنتج الخام الي أخطر خطوات التصنيع. والمعروف أن نظام التحكم الدقيق يساعد علي تحديد نقطة التركيز في المواد الخطرة في الأغذية.كما أنه لابد من ايجاد اطار تشريعي يجرم عدم اتباع هذه الضوابط وذلك للحفاظ علي القدرة التنافسية للسلع. وعن الاستراتيجية التي وضعتها وزارة الزراعة لتعظيم الاستفادة من امكانيات التصنيع الزراعي يقول أنهاتتمثل في ثلاثة محاور, أهمها حل مشاكل السلع الاستراتيجية بمختلف انواعها التي تحقق اكتفاء ذاتيا, ادخال تكنولجيات لحل مشاكل السلع الاستراتيجية, كذلك ادخال تكنولوجيات تساهم في الوصول الي بيئة نظيفة من خلال تدوير المخلفات. ويأتي تنفيذ خطة الوزارة من خلال تشجيع الاستثمار في مجال التصنيع الغذائي وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من التصنيع الزراعي, توفير احتياجات المستهلك من المنتجات الغذائية وزيادة التصدير للمنتجات الزراعية الغذائية كما أن له ميزة نسبية في مواسم الانتاج.. والاستفادة من المخلفات الزراعية لانتاج الأعلاف والسماد العضوي كذلك الحد من الفاقد الزراعي عن طريق التصنيع لسد احتياجات السوق المحلية والخارجية للتصدير. ولا ننكر ولا يزال الكلام للدكتور منير فهمي أن المشكلات التي تواجه الانتاج الزراعي كثيرة ويمكن حصرها في غياب سياسة تطبيق التصنيع الزراعي وعدم ربطها بسياسات الانتاج وتفتيت الحيازات الزراعية في الأراضي القديمة, والذي يعوق استخدام التقنيات الحديثة ويحد من فرص تعظيم القيمة المضافة من الزراعة في تلك الأراضي, فضلا عما يترتب عليها من اهدار واضح وعدم كفاءة في استخدام الموارد المائية المحدودة بطبيعتها نتيجة اتباع أساليب الري بالغمر في تلك الأراضي. ضعف انتاجية العمالة في القطاع الزراعي يحتل المركز الثالث للقطاع بين القطاعات التي تتسم بانخفاض انتاجية العمالة الي جانب تراجع نصيب القطاع الزراعي في الاستثمار القومي, حيث وصل في العام2007 الي5% فقط مقابل10% عام204, بما يشير الي تراجع واضح في تنافسية القطاع الزراعي وقدرته علي جذب الاستثمارات الجديدة. أيضا غياب الدور الفاعل للتعاونيات والارشاد الزراعي, وتزايد مشكلات الائتمان الزراعي بالاضافة الي تدني مستوي الانفاق علي البحوث والتطوير في القطاع الزراعي. كما أن عدم الاهتمام الكافي بحياة الفلاح المصري, وعدم تأمين حياته ومستقبله, اذ لابد من تحسين أحواله ودفع قدراته من خلال حزمة من الاجراءات لتشجيعه علي زراعة المحاصيل الاستراتيجية وتطبيق برنامج المساندة للحاصلات الزراعية. وفي نهاية حديثة يقول إن هناك ضرورة ملحة لتحديث المصانع القديمة وتطويرها بما يتناسب مع استغلال الطاقات التصنيعية والبشرية ورفع كفاءتها وذلك من خلال تطوير خطوط الانتاج ورفع كفاءة العاملين بما يتناسب مع الانتاج ذي الجودة العالية والأسعار المنافسة, كذلك تأتي أهمية وجود العمالة المدربة ذات الكفاءة العالية التي لديها خبرة تتناسب مع مستلزمات المنافسة العالية والجودة العالمية, علاوة علي ضرورة فتح أسواق جديدة مثل الدول الافريقية وجنوب شرق أسيا بالتوازي مع السوق العربية والأوروبية. يقول عمرو عسل رئيس هيئة التنمية الصناعية أنه رغم التطور الكبير الذي شهدته العديد من المنشآت العاملة في التصنيع الزراعي لا سيما الغذائي في السنوات الأخيرة بما انعكس علي توسعها المحلي وزيادة صادراتها الي نحو9 مليارات جنيه في عام2009, ويبلغ عدد العاملين بها280 ألف عامل, وبلغت استثماراتها82 مليار جنيه, ووصل عدد المنشآت الصناعية العاملة في التصنيع الغذائي6218 منشأة, فإنه ما تزال هناك امكانات كامنة هائلة في قطاع التصنيع الزراعي حيث ان ما يتم استخدامه في الصناعة من الحاصلات الزراعية وتحديدا الغذائية يعد محدودا مما يكشف عن الفرص المتاحة للتوسع في هذه الصناعات. ويمثل القطاع غير الرسمي معوقا آخر حيث تمثل شركات الصناعات الغذائية المحلية والمسجلة رسميا في الدولة وقانونا في سجلات غرفة الصناعات الغذائية النسبة الأقل من مجموع منتجي السلع الغذائية المعروضة في السوق, والتي تطبق عليها المواصفة فقط, والباقي يطلق عليها العشوائيات حيث يقوم بهذا العمل مصانع عشوائية غير مرخصة قانونا, وتعمل في أماكن مستترة, وتقدر نسبة المصانع غير القانونية نحو75% من اجمالي حجم المصانع الغذائية في مصر وفقا لبعض التقديرات. اما في مجال البيئة فيعيد التصنيع الزراعي عملية تدوير المخلفات الزراعية مثل: قش الأرز ومخلفات المحاصيل, والحيوانات, في صناعات مثل الأعلاف والأسمدة وفي تصنيع الورق والخشب( من مخلفات قصب السكر). ويعظم القيمة المضافة من هذه المخلفات. علاوة علي أن المزايا التنافسية لقطاع الزراعة في مصر سواء ما يتعلق بالقدرة علي انتاج محاصيل طوال العام, وارتفاع انتاجية الأراضي, وارتفاع جودة المحاصيل, وتوافر مصدر دائم للري وانخفاض تكاليف العمالة, والفرص التصديرية الكبيرة المتاحة والقرب من أسواق التصدير الكبري, والارتفاع غير المسبوق في أسعار الغذاء والخطة الطموحة لاستصلاح مزيد من الأراضي, كلها عوامل ايجابية ينبغي أن تنعكس علي أداء قطاع التصنيع الزراعي وحجم استثماراته وصادراته. معوقات تشريعية ورقابية أما مواطن الضعف فتتمثل في تعدد القوانين والتشريعات المنظمة لانتاج وتداول الغذاء, كذلك تعدد الجهات الرقابية التي تتابع المصانع الغذائية العديدة, وتتبع حوالي10 وزارات مما يؤدي الي التداخل والتضارب وتنازع الاختصاصات وبالتالي يؤدي الي عرقلة العمل في المصانع الشرعية الملتزمة. كما أن بعض مستلزمات الانتاج لا يمكن توافرها ومنها عدم اقبال المزارعين علي زراعة المحاصيل الزيتية بصفة خاصة مثل فول الصويا وعباد الشمس لأن العائد من زراعتها غير منافس قياسا بالمحاصيل البديلة الأخري, عدم توافر الكميات من الأسماك وبخاصة سمك التونة اللازم لصناعة الأسماك المحفوظة, انخفاض كمية النخالة وارتفاع اسعارها, وارتفاع اسعار كسب القطن والصويا وهي المواد الخام الأساسية لصناعة الأعلاف. هذا علاوة علي ارتفاع أسعار الطاقة نتيجة عدم وصول الغاز الطبيعي الي بعض المصانع وارتفاع أاسعار المازوت وقد نجحت اللجنة في الاتفاق علي برنامج لتوصيل الغاز الي بعض المصانع. كذلك هناك معوقات متعلقة بشئون التصدير وتظهر في ضعف الأثر المنشود في المعارض وهو استقطاب الأسواق العالمية المتخصصة في هذا المجال وغياب المعلومات عن الأسواق الخارجية. بالاضافة الي عجز اسطول النقل المبرد المصري عن نقل الصادرات فضلا عن ارتفاع تكلفة النقل وخدماته خاصة للمنتجات الغذائية المجمدة التي تحتاج الي تجهيزات خاصة عند نقلها علاوة علي عدم وجود معاهد لتدريب كوادر التصدير بالشركات المنتجة والمصدرة.. وعدم توافر المعلومات عن تشريعات العديد من الدول ينتج عنه جهل المنتجين والمصدرين بها مما يتسبب في منع دخول المنتجات المصرية الي أسواق هذه الدول لعدم مواءمتها لقوانينها. ويؤثر ضعف البنية التحتية لسلسلة التوريد وضعف جودة شبكات الطرق سلبا علي جودة المنتج ويزيد من خسائر المنتج فقد تسبب ضعف امكانية الاعتماد علي السكك الحديدية والطرق المائية في سيطرة النقل البري بوصفه الوسيلة الوحيدة للشحن. ويؤثر سوء جودة شبكات الطرق البرية( بسبب الطرق غير المستوية والوعرة) سلبا علي جودة المنتج, ويزيد من خسائره, كما تقلل من الكفاءة وامكانية الثقة في الوصول الي الموارد والاسواق. كما تفتقر شبكة سلسلة التوريد ايضا الي شاحنات تبريد, سلاسل تخزين باردة, مما يعوق كفاءة توزيع المنتجات سريعة التلف مثل الفراولة, ويؤدي غياب المعرفة الفنية الي تزايد الخسائر, اذ أنه غالبا ما تتم تعبئة المنتجات في اقفاص خشبية بسيطة غير معالجة دون توفير الاحتياجات الضرورية لنقل المنتجات الزراعية سريعة التلف. كما أن الأسواق تعاني أوجه قصور كثيرة نظرا الي التأخر الشديد الذي تعاني منه أسواق التجزئة التقليدية, مع وجود عدد قليل من الاسواق التجارية الضحمة الهايبر ماركت وسلاسل السوبر ماركت المتقدمة, كما أن معظم أسواق المنتجات المحلية خاصة خارج المدينة مكشوفة, حيث تعرض المحاصيل تحت الشمس مما يجعلها تتأثر بشدة بالطقس والتلوث.