صدر أخيرا العدد الثاني من التقرير العربي للتنمية الثقافية, الذي كان عدده الأول قد أثار جدلا واسعا حول أوضاع العرب الثقافية وحالة ثقافتهم ومستوي معرفتهم . والمقومات اللازمة لتنمية ثقافية لا بديل عنها لإنقاذ أمتنا من مصير مؤلم ينتظرها.. ويجيء هذا التقرير العربي الثاني للتنمية الثقافية استصحابا للرؤية ذاتها التي انطلق منها التقرير الأول. رؤية تحاول جاهدة أن تؤسس لمنهجية عمل ثقافي يتسم بالشمول والاستمرار. الشمول بحيث يغطي هذا التقرير ما يمكن اعتباره أهم المقومات الأساسية للتنمية الثقافية في حوالي عشرين دولة عربية. والاستمرار حيث يصدر هذا التقرير بصفة سنوية ليمثل مرجعية بحثية في الحاضر والمستقبل تتطلب متابعة دؤوب لحركة التنمية الثقافية في العالم العربي, وما تتسم به من تراكم وتجدد دائمين. ولعل الإحاطة بملامح هذا التقرير والتمهيد لقراءته يتطلبان إشارة أولية إلي التساؤلات التي يطرحها, والمنهجية التي يعتمد عليها, والمحتوي الذي يتضمنه. ويطرح التقرير العديد من التساؤلات الدقيقة بشأن قضايا محددة, ويحاول أيضا أن يقدم في ملفاته الخمسة إجابة عن عدد من التساؤلات الهامة والملحة في مجالات المعلوماتية والتعليم والإعلام والإبداع. ففي مجال المعلوماتية تتعدد الأسئلة: ما هي أوضاع عالمنا العربي طبقا لمؤشرات مجتمع المعلومات في ظل الاستراتيجيات الحكومية الحالية؟ وكيف تبدو هذه الأوضاع طبقا لمؤشرات البيئة الإبداعية, لاسيما في مجالات البحث العلمي والتعليم وصادرات التكنولوجيا؟. وعلي صعيد التعليم كان السؤال الأبرز حول أزمة الاستقلالية الإدارية والمالية في الجامعات العربية وهل أفضت معدلات الإنفاق علي التعليم العالي في البلدان العربية إلي تحقيق الجودة التعليمية المنشودة؟ وما هي هذه المعدلات التي تبدو في أكثرية الدول العربية أقل بكثير جدا من مثيلاتها في الدول المتقدمة؟.. وعلي صعيد الملف الإبداعي كان التساؤل في فضاء الإبداع الأدبي حول ملامح وهموم الرواية العربية عموما خلال العام.2008 وما هي أهم الروايات العربية الصادرة التي تميز بها العام المنصرم؟ لم تغب تساؤلات الشعر أيضا عن الملف الإبداعي سواء حول شعر الفصحي أم شعر العامية والنبطية. ولم يخل الملف الإبداعي من تساؤل هام حول قضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية, إذ ما هي المعايير الأدبية التي يخضع لها اختيار الروايات التي تترجم إلي لغات أجنبية؟. وجاء ملف الإبداع السينمائي والدرامي بدوره حافلا بالتساؤلات حول المهرجانات السينمائية العربية, لا سيما مفارقة التمويل السخي لبعض المهرجانات السينمائية من دون اهتمام مقابل بتمويل حركة إنتاجية أو دعم المبدعين في بعض البلدان.. وكان ملف الحصاد الفكري السنوي, آخر ملفات هذا التقرير, كاشفا عن تساؤلات عميقة حول انشغالات العقل العربي خلال العام2008 سواء من حيث موضوعات القضايا المثارة أم أولوياتها. وكان من أبرز هذه التساؤلات الجدل الدائر حول ممارسة الدور الإقليمي العربي وقضايا التنمية والتحول الاقتصادي وتداول المعلومات. وبخلاف هذه التساؤلات ذات' العمق' الفكري و'الظاهر' السياسي, فإن ثمة تساؤلات أخري فكرية صرفة بدت ملحة علي العقل العربي في العام2008 مثل التساؤل حول جدلية العلاقة بين العروبة والإسلام, وضعف الاهتمام العربي بالقوي العالمية الجديدة البازغة. الجدير بالذكر أن التقرير من إصدار مؤسسة الفكر العربي, ويتولي مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع مهمة توزيعه.