مع انتشار شذا ربيع الديمقراطية الذي غمر أريجه كل أرجاء عالمنا العربي, يحتار المرء في الأسباب التي تدعو حكامنا إلي التشبث بالسلطة علي هذا النحو, بالرغم من الرفض الشعبي لهم, حتي أن حاكما كالقذافي أعلن بكل سفور أنه سيحارب شعبه من بيت إلي بيت في سابقة هي الأولي في التاريخ. التي يقدم فيها حاكم علي الزحف غير المقدس ضد شعبه, وقد استخدم كل أنواع الاسلحة برا وبحرا وجوا وكأنه يحارب جيشا معاديا لا شعبا يريد الحياة والخلاص من أسر قهر وظلم وفساد عاني منه الليبيون علي مدي24 سنة وهو ما أدي إلي التدخل الدولي عسكريا في ليبيا. ثمة قصة ذات دلالة ولها مغزاها قد تعيننا علي تلمس الإجابة عن سؤالنا الحائر: لماذا كل هذا التشبث بالسلطة؟. فحوي القصة أن تجربة أجريت بالولايات المتحدةالأمريكية طلب خلالها من مجموعة من الأفراد أن يمثلوا دور المساجين مقابل مبالغ مالية يتقاضونها, بينما طلب من أفراد آخرين القيام بدور السجانين. بعد نحو أسبوع من بدء التجربة لم يستطع المساجين تحمل القهر والذل وقمع الحرية وطالبوا بوقف التجربة فورا, بينما استمتع( السجانون) بالسلطة المطلقة. في شرح نتائج هذه التجربة, يقول د. أحمد عكاشة عالم النفس المعروف إن هذا النوع من السلطة وتأليه الحاكم تصاحبه لذة أفيونية, ففي مخ كل منا مستقبلات أفيونية تمنح لذة معينة في الحياة تماما كمن يتعاطي الأفيون أو الهيروين, والاستفتاء عنها يكون له نفس أعراض انسحاب هذه المخدرات من الجسم, فهي سلطة لا يمكن التنازل عنها. وهو ماحدث مع الرئيسين السابقين التونسي والمصري, وهو مايحدث الآن( ولاندري ماذا سيحدث غدا) للرئيسين الليبي واليمني والبقية تأتي. إن التنازل عن السلطة لكل هؤلاء الحكام أقرب إلي الخيال أو بالأحري الوهم, إذ لا يمكن تخيل استجابة أي منهم لمطالب شعبه بالتنحي... فهؤلاء لايمكنهم الاستغناء عن السلطة ولكن يجبرون علي ذلك في كل الأحوال حين يحل أجلهم أو حين تنقلب عليهم جيوشهم أو شعوبهم. ونلاحظ مايلي: إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة, ولأن الحكومات العربية عامة تنتهج آليات السلطة المطلقة, فقد استشري الفساد وتعامل الحكام مع دولهم وكأنها ضيعة أو عزبة خاصة, فنهبوا كل شيء فيها, وشاركهم في عمليات النهب والسلب أفراد العائلة والبطانة الفاسدة من حولهم( انظر إلي نهب المليارات في تونس ومصر).يؤمن الحكام الطغاة بقاعدة ذهبية تقول( من القصر إلي القبر) بمعني أن يظل الحاكم جاثما علي صدر شعبه حتي يجيء أجله. الآن وبعد انبلاج ضوء ثورة52 يناير1102 المجيدة فإننا نريد رئيسا لمصر يتقي الله, وعلينا أن نقلص من سلطاته. نريد رئيسا يخدم الشعب لا رئيسا يستعبد الشعب وينهب كل ثرواته... نريد رئيسا طاهرا نقيا يستوعب التاريخ جيدا ويعرف أن مآل الطغاة دائما إلي مزبلة التاريخ. د. محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية