اسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 21-5-2024 في الدقهلية    مجلس الخبراء الإيراني ينعقد تزامنا مع تشييع جنازة رئيسي    بنظام البوكليت.. انتظام طلاب الشهادة الإعدادية 110 ألف طالب وطالبة لاداء امتحان الدراسات الاجتماعية في الدقهلية    بحضور أسرته.. «القومي للمسرح والموسيقى» يكرم اسم عمار الشريعي 29 مايو    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية تنهي كافة الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    رغم انتهاء ولايته رسميًا.. الأمم المتحدة: زيلينسكي سيظل الرئيس الشرعي لأوكرانيا    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    ننشر بالأسماء ضحايا حادث العقار المنهار بالعياط    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    ترتيب الدوري المصري 2023-2024 قبل مباريات اليوم الثلاثاء    خالد عبد الغفار: مركز جوستاف روسي الفرنسي سيقدم خدماته لغير القادرين    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    وزير الصحة: لا توجد دولة في العالم تستطيع مجاراة الزيادة السكانية ببناء المستشفيات    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    أمير هشام: الكاف تواصل مع البرتغالي خوان لإخراج إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «سوليفان» يعد بالضغط على إسرائيل لصرف الأموال المحتجزة للسلطة الفلسطينية    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    وزير الصحة: صناعة الدواء مستقرة.. وصدرنا لقاحات وبعض أدوية كورونا للخارج    وزير الصحة: مصر تستقبل 4 مواليد كل دقيقة    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    قتلها وحرق الجثة.. ضبط قاتل عروس المنيا بعد خطوبتها ب "أسبوعين"    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    كأس أمم إفريقيا للساق الواحدة.. منتخب مصر يكتسح بوروندي «10-2»    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمرأة هزت الدنيا‏!‏..إنديرا غاندي‏..‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 03 - 2011

يلقبونها بالمرأة الهندية الحديدية في بعض الأحيان‏..‏ وفي أحيان أخري يقولون إنها المرأة التي هزت أركان الدنيا الأربعة‏!‏ويصفها البعض بأنها امرأة لبست لباس الديمقراطية والحرية ومارست في الوقت نفسه جبروت الحاكم الطاغي‏,‏ الذي لا يكاد يلتفت إلي شعبه‏.‏ أنصار حركة تحرير المرأة التي تفتحت ورودها وأوراقها الخضراء في منتصف القرن الماضي يتغنون بأمجادها ويشدون بإنجازاتها, ويضعون صورها فوق أغلفة المجلات والملصقات.. ولا عجب في ذلك.. ألم ترفع رايتهم عاليا في سماء المجد؟
إنديرا غاندي ابنة المعلم السياسي الكبير نهرو.. وتلميذة الشاعر الهندي العظيم طاغور.. ومريدة الزعيم الهندي الخالد غاندي الذي بهر العالم كله بصموده وصبره وجلده في مقاومة الاستعمار البريطاني, رافعا شعار( اللا عنف). امرأة كانت علي رأس السلطة, إذ حكمت أكبر دولة ديمقراطية في العالم لعقدين من الزمان..
ظلت طوال حياتها تناضل من أجل إعلاء قيمة الدولة في مواجهة الانتماء الطائفي.
امرأة أبحرت ضد التيار.. نصيرة الفقراء.. حليفة البسطاء.. تملك قلبا من حديد, لكنها مع ذلك وقعت في بحور الحب وغرقت في خضم أمواجه المتلاطمة!
وترملت وهي بعد شابة في ريعان شبابها.. شاهدت بعينيها موت ابنها الأكبر الذي كانت تعده لخلافتها.. حليفة الاتحاد السوفيتي..
وعدوة الولايات المتحدة الأمريكية.. خاضت حروبا ضد باكستان وانتصرت فيها وعززت من مكانتها في عالم السياسة..
امرأة آمنت بنبض الشعب.. أنصتت إلي أنينه وأوجاعه.. أدخلت الهند عالما جديدا عنوانه الديمقراطية والتحديث.
سقطت صريعة رصاصات الخيانة.. إذ فارقت الحياة علي يد حارسها الشخصي.. امرأة حيرت العالم بأسره..
فمن تكون إنديرا غاندي؟!
الكتاب الذي بين أيدينا اليوم إنديرا قصة حياة انديرا نهرو غاندي لكاتبته الأمريكية كاترين فرانك, ترجمة كوثر محمود محمد, صادر عن دار كلمات عربية, يعد بمثابة دراسة عميقة ومستفيضة لحياة إنديرا غاندي.. وهو الي جوار هذا يعد أيضا دراسة وعرضا بانوراميا للأحداث السياسية التي شهدتها الهند إبان منتصف سنوات القرن الماضي.. وهي أحداث عاصفة خلفت معها تغيرات هائلة وتحولات في خريطة العالم السياسية..
تختلط إذن الأوراق الشخصية الذاتية لأنديرا غاندي مع الأحداث السياسية العامة مشكلة معها سيرة حياة مذهلة وملهمة, لاتزال تدعو الي الدهشة حتي يومنا هذا..
والكتاب الذي يقع في أكثر من720 صفحة يعد أهم سيرة تصدر عن انديرا غاندي حتي الآن حسبما تؤكد الصحف الأمريكية والانجليزية علي حد سواء, فهو في عيون الناقدة جني موراي بمثابة سيرة مذهلة لم يتح لأحد أن يكتبها من قبل.. إنها سيرة امرأة انتخبت علي أساس أنها أهم امرأة ظهرت في القرن العشرين إنها امرأة دفعت دفعا الي ساحة المعترك السياسي من قبل الرجل, ثم أفسدت من قبل السلطة, ثم قتلت من قبل أولئك الذين ينبغي أن تثق بهم أكثر من غيرهم: حرسها الشخصي بالذات.
أما الناقد باتيرك فريتش فيقول: إنها أول ترجمة كاملة لحياة المرأة التي حكمت أكبر دولة ديمقراطية في العالم قرابة عقدين.. أحداثها تفوق الخيال..)
وربما تجدر الإشارة هنا أيضا الي مؤلفة هذا العمل الضخم كاترين فرانك, التي ولدت وتلقت تعليمها في الولايات المتحدة الأمريكية, وكانت أستاذة في جامعات إفريقيا الغربية والشرق الأوسط وبريطانيا.. وقد أمضت ست سنوات كاملة في كتابة قصة حياة سيدة الهند الأولي: أنديرا غاندي, في أثناء هذه السنوات الست زارت الهند عدة مرات, وأمضت في أرجائها فترات طويلة من أجل البحث في الأرشيف ومقابلة الشخصيات التي تعرف انديرا عن قرب..
هذه السطور تعيدنا من جديد الي السؤال الذي طرحناه في البداية: من هي انديرا غاندي..
المشهد الأول
في ذلك اليوم البعيد..19 نوفمبر عام..1971 في إحدي المستشفيات الهندية الراقية, كان المشهد يبدو متوترا..
الأب جواهر لال نهرو ينتظر في لهفة وشوق قدوم مولوده الأول الي الدنيا.. يظل يسير هنا وهناك في أروقة المستشفي في انتظار تلقي نبأ سعيد يبث في نفسه القلقة الطمأنينة.. وخارج أسوار المستشفي هناك جمهور كبير يشاركه القلق ويأمل في الوقت نفسه أن يكون المولود ذكرا..
فالأب ليس أبا عاديا.. انه جواهر لال نهرو أحد رموز العائلات الهندية المرموقة, وهو كذلك أحد قادة الحركة الوطنية الهندية المناضلة ضد الاستعمار البريطاني..
تلكأت الجدة بعض الشيء في إبلاغ النبأ الي مجلس الرجال.. فليس من السهل حقا أن تعلن للجميع في المجتمع الشرقي أن المولودة أنثي لا ذكر..
تلقي نهرو النبأ بسرور وسعادة.. فلم يكن الرجل شرقيا تقليديا, بل كان مستنيرا وعقلانيا.. رحب بقدوم ابنته, وقرر في أعماقه أن يربيها تربية مختلفة عن تلك التي تلقاها البنات, بل وان يعدها لأن تصبح زعيمة سياسية تقود بلادها نحو أفق المستقبل الرحبة..
كتب يوما رسالة الي أحد أصدقائه الذين يعملون معه يقول:
لي نظرة خاصة عن التربية, لا أريد لابنتي أن تكون مجرد امرأة تغسل الثياب وتنظف البيت.. أتمني أن تدخل معترك الحياة العامة كأي شخص آخر.. كأي رجل, ولهذا فمن المفضل أن تشتغل في معمل ما لسنة كاملة, مثلها في ذلك مثل بقية العمال والعاملات لا ينبغي أن تشعر بأنها متميزة عن الآخرين, فالعمل جزء لا يتجزأ من التربية وهو الذي يشكل الشخصية..
هكذا كان يفكر نهرو الأب والزعيم..
لقد دفع الرجل ابنته نحو الحياة العامة دفعا.. ارسلها الي الخارج كي تتلقي تعليمها في معاهد وجامعات أوروبا.. إذ كان لا يثق كثيرا في المدارس والجامعات الهندية, وكان يأمل وهو الأهم, أن تحظي بتعليم جاء صارما فتكتسب المعارف والعلوم المختلفة وينضج عقلها وتتسع خبراتها وتصبح جديرة بتحمل المسئولية..
وعلي الرغم من اجلاله الكبير لشاعر الهند العظيم طاغور, إلا أنه لم يكن مرحبا أن تتلقي انديرا تعليمها في المعهد الذي أسسه في شانتنيكيتان, إذ ساورته الشكوك بشأن المعايير الأكاديمية لهذا المعهد, ومع ذلك قبل الرجل أن تلتحق بالمعهد الذي أطلق عليه طاغور دار السلام, وهو معهد يعني بمزج الثقافة الهندية بكل تراثها العريق القديم مع الثقافة الأوروبية بمناخها وروافدها الغربية المختلفة تماما عن الهندية, وكان المعهد ينقسم الي ثلاثة أقسام: قسم الفنون الجميلة, وقسم الموسيقي, وقسم الثقافة الهندية.. وكانت الدراسة تتم وسط الغابات والطبيعة الهندية البكر.. في الهواء الطلق مما أكسبها خصوصية وتفردا..
هذه الفترة القصيرة في حياة انديرا كان لها تأثير عظيم عليها, إذ أنها وللمرة الأولي تشعر بالسكينة والهدوء في رحاب الطبيعة بعيدا عن أجواء الهند الصاخبة, كتبت خطابا لوالدها قالت فيه: وأخيرا ها أنذا في شانتنيكيتان.. كل شيء هنا بديع وفاتن وعلي طبيعته.. لم أعش أبدا في مكان هاديء.. عشت دائما في الزحام.. وكان ذلك الي حد ما السبب في شعوري بالمرارة الشديدة.. نما بداخلي قدر هائل من الكراهية والمرارة, وأظن أنني غسلت هذه المرارة والكراهية من نفسي في هذا المكان.. ما تعلمته هنا هو المقدرة علي الحياة بهدوء داخل نفسي بصرف النظر عما يحدث بالخارج, ولقد ساعدني هذا الدرس كثيرا علي مواصلة الحياة..
المشهد الثاني
زواج انديرا
محطة مهمة تتوقف لديها الكاتبة كاترين فرانك في حياة انديرا الخاصة, وهي زواجها من فيروز غاندي الذي التقت به كزميل دراسة في انجلترا.. لم يكن الأب نهرو موافقا علي هذه الزيجة..
ثمة شرخ عميق حدث في علاقته بابنته إبان زواجها.. مات شيء ما.. الرجل يعتقد أنها تزوجت كي تنسحب من الحياة العامة والمسئولية وهذا شيء يؤلمه جدا وكيف لا وهو يعد ابنته لخدمة الوطن..
لكن نهرو أذعن في النهاية وبارك زواجها حينما أدرك شدة تمسكها بالرجل الذي خفق قلبها إليه ووقف الي جوارها في معارضة الجميع لهذا الزواج لاختلاف ديانتهما من ناحية ولخروجهما عن الأعراف الهندية والتقاليد من ناحية أخري.
وأخيرا تم زفاف انديرا لفيروز وأجريت مراسم وطقوس الزواج بالطريقة الهندوسية وذهب العروسان الي كشمير لقضاء شهر العسل, وبدأت انديرا حقبة جديدة في حياتها..
نهرو الزعيم.. والأب
توقفت الكاتبة الأمريكية كثيرا وهي تسرد حياة انديرا غاندي عند نهرو الزعيم والأب, وتناولت باسهاب علاقته بابنته وأسلوبه في تربيتها كما عرضت بعضا من رسائله الشهيرة الي إنديرا.. فهذه الخطابات لم تكن فقط خطابات عاطفية يبثها أب لابنته, وانما كانت في الحقيقة نهجا في الحياة وأسلوبا في التربية ورؤي في الأحداث المؤثرة التي يشهدها العالم إبان تلك السنوات..
كان نهرو بالنسبة لانديرا ليس فقط أبا يهتم بابنته ويرعي شئونها وأحوالها.. ويبثها حبا وحنانا لكنه كان أيضا صديقا ومعلما ومثلا أعلي.. فثمة علاقة عميقة وفريدة ربطت بينهما.. لقد كان دائما حاضرا معها عبر كل مراحل حياتها.
وبعد موته عام1964 شعرت بوحدة شديدة وألم بها مرضا نفسيا..
لم تكن تتوقع أن والدها شخصيته القوية وحضوره الطاغي سوف يموت مثل بقية البشر..!
مسيرة سياسية حافلة
والحديث عن الحياة السياسية الحافلة التي شهدتها انديرا غاندي يطول في الحقيقة إذ يصعب سرده هنا في سطور قليلة مختصرة وكلمات مختزلة..
وعبر أجزاء الكتاب الثلاثة بفصولها المختلفة, يتتبع القاريء عن قرب هذه المسيرة السياسية الطويلة والشاقة, والتفاصيل العديدة التي توردها الكاتبة الأمريكية كاترين فرانك تكسبها خصوصية وأهمية..
نعرض هنا لسيرة حياة امرأة غير عادية..
امرأة آمنت باستقلال بلادها وضرورة الخلاص من الاستعمار البريطاني والاعتماد علي الذات في سد احتياجات الشعب والحفاظ علي وحدة الهند ورفض الاقتتال الطائفي..
كثيرا ما تأثرت انديرا بالزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي.. وسارت علي نهجه الفكري والسياسي, فشكل الي جوار أبيها نهرو دعامة وركيزة راسخة في مبادئها وعقائدها, حتي أنها باتت تنسب إليه وأصبح يطلق عليها انديرا غاندي وارتدت علي طريقته الشهيرة الرداء الهندي المصنوع يدويا من القطن لتؤكد لشعبها مدي حبها وايمانها بهذا الرجل العظيم..
ثلاثة رجال شكلوا في الحقيقة حياة هذه المرأة الهندية: الأب جواهر لال نهرو بعاطفته ووعيه ونضوجه الفكري وإيمانه بمستقبل ابنته ورغبته العارمة في أن تكمل مسيرته السياسية وتقود الهند نحو طريق التقدم والتحديث..
المهاتما غاندي الذي آمن بالحرية ومبدأ الاعتماد علي النفس في سد احتياجات الهند ورفع شعار( اللاعنف) في مواجهة الأعداء..
وأخيرا الزوج فيروز غاندي الذي أحبته انديرا حبا جارفا وأصرت علي الارتباط به برغم معارضة الأهل والمجتمع..
هؤلاء الرجال الثلاثة كان لهم تأثير كبيرعلي مسار حياتها الشخصية والعامة علي السواء..
المشهد الثالث
امرأة تقود الهند.
كان عام1966 عاما حاسما في حياة انديرا غاندي, بل في الحقيقة في حياة الهند بأسرها..
ففي هذا العام انتخبت كرئيسة للوزراء.. وشعر الجميع وقتها بأنها ورثت والدها الذي رحل منذ عامين فقط.. ها هي تجسد بصورة ما شخصيته القوية ذات الحضور الطاغي.. وقد اختارتها مجلة التايم الأمريكية كشخصية العام ووضعت صورتها علي غلافها بالألوان وكتبت تحتها معلقة: الهند المضطربة بين يدي امرأة.
في الواقع إن وصول انديرا غاندي الي رئاسة الوزارة في الهند تزامن مع ظهور حركات تحرير المرأة في الغرب..
وعلي الرغم من أنها قالت في العديد من المناسبات إنها ليست امرأة متحررة علي الطريقة الغربية, إلا أن صحافة الغرب النسائية راحت تستخدم صورتها كشعار لها, وراحت المجلات النسائية تقول: اذا كانت انديرا غاندي تحكم بلدا كبيرا كالهند, فهذا يعني أن المرأة قادرة علي كل شيء.
لم يكن وصول انديرا غاندي في الحقيقة الي هذا المنصب السياسي الكبير وليد الصدفة.. بل كان نتاج مسيرة سياسية طويلة حفرها والدها نهرو في البداية وأكملتها الابنة التي كانت مهيأة ومدربة علي الولوج في رحابها..
وجاءت الثمار الطيبة لتؤكدها: ففي عام1971 جرت انتخابات عامة جديدة في الهند, وكانت أضخم انتخابات ديمقراطية تشهدها الهند في تاريخها كله, فقد صوت فيها ما لا يقل عن150 مليون مواطن ومواطنة وكانت النتيجة نجاحا ساحقا لأنديرا غاندي وحزبها.. وأصبحت أقوي رئيس وزراء شهدته الهند منذ الاستقلال, فحتي والدها لم يحظ بكل هذه المكانة الشعبية التي حظيت بها ولا بكل الصلاحيات والسلطات التي تمتعت بها انديرا..
وعلي مدي فصول الكتاب تعرض الكاتبة لتفاصيل المعارك السياسية الحافلة التي خاضتها انديرا غاندي في حياتها..
معارك تموج بالخلافات والصراعات العاصفة ربما أولاها تلك الصراعات الداخلية التي اندلعت في صفوف حزب المؤتمر الذي تتزعمه بغية الفوز بمنصب رئيس الوزراء والتي أدت في النهاية الي انقسام الحزب الي قسمين: حزب المؤتمرO أيORGANIZATION وحزب المؤتمرR أيRULING الحاكم بقيادة انديرا والتي تمكنت من الصمود أمام هذه العواصف العاتية بتحالفها مع التيارات اليسارية داخل البرلمان..
ويذكر التاريخ أيضا لهذه المرأة الهندية العظيمة وقوفها الي جوار الفقراء.. الي جموع الشعب العادية التي تعاني من شظف الحياة البائسة.. وما أكثرها في الهند..
لقد انحازت اليهم.. ووقفت تساند قضيتهم مما أكسبها شعبية هائلة.. إذ رفعت شعار اطردوا الفقر, وأدخلت تعديلا علي الدستور يلغي النفقات التي تدفعها الحكومة للأمراء.. وكانت هذه الخطوة الحاسمة بمثابة اللبنة الأولي في جدار الاصلاحات الاجتماعية والدستورية والاقتصادية التي كانت تخطط لها لتحديث الهند..
لقد أدركت انديرا انها كي تقيم دولة هندية حديثة ومتطورة ينبغي عليها أولا أن تفوز بتأييد وحب الشعب وأن تعمل لصالحه.. فهذه الجماهير الغفيرة ما كانت تقف الي جوارها لو لم تهتم هي بقضيتها ومعركتها وهمومها وأوجاعها وأولها: الفقر.
وتحدثنا الكاتبة كذلك عن العلاقات الاستراتيجية التي ربطت بين الهند والاتحاد السوفيتي والتي تكللت بتوقيع معاهدة للصداقة والتعاون بين البلدين في التاسع من أغسطس عام.1971
لقد دعمت انديرا علاقاتها مع هذا الحليف القوي تمهيدا للدخول في معركة ضارية ضد باكستان والتي كانت تربطها علاقات مميزة بالولايات المتحدة الأمريكية.
وقادت المرأة الهندية الحديدية الحرب ضد باكستان عام1971 وذلك بعد أن أعطت أوامرها الي الجيش الهندي بدخول باكستان الشرقية لدعم الانفصاليين هناك, وقد حقق الجيش الهندي انتصارا كبيرا علي نظيره الباكستاني, وكان من أهم نتائج هذه الحرب انفصال باكستان الشرقية عن الغربية وإنشاء كيان سياسي جديد هو بنجلاديش, وقد رفع هذا الانتصار الكبير من شعبية انديرا وجعلها من زعماء الهند التاريخيين..
المشهد الرابع
خطأ فادح
وتقع انديرا في نفس الخطأ الذي يقع في شركه العديد من الزعماء السياسيين, حينما تشعر أنها باتت تملك في قبضتها السلطة والنفوذ والقوة, وأنها صارت المرأة الأولي في الهند بلا منازع, فتخرس أصوات المعارضة وترفض أي احتجاج علي قراراتها.. وحينما ضرب الجفاف أراضي الهند عام1975, دخلت البلاد في حالة من التضخم والفساد المالي والإداري والذي ساعد بدوره علي ارتفاع أصوات المعارضة, مما أدي بها الي إعلان حالة الطواريء, وزجت حكومتها بأبرز زعماء المعارضة في السجون وفرضت رقابة علي الصحف وعلقت الحريات الدستورية وتراجعت شعبيتها كثيرا, إذ خسر حزبها الانتخابات في أكتوبر عام.1977
ثم تحدثنا المؤلفة عن السنوات الأخيرة من عمر انديرا غاندي وتقول في بداية الثمانينيات كانت الهند مهددة بالتفكك والانقسام.. فالصراعات بين الهندوس والسيخ والمسلمين والمسيحيين, كانت في أوجها, وكانت هناك أقاليم; عديدة تهدد بالانفصال عن الدولة المركزية.. وكلما شددت انديرا غاندي من قبضتها علي الحكم وقوت النظام المركزي في نيودلهي كلما زادت الانقسامات في الأقاليم البعيدة.
وتأتي ضربة القدر الموجعة: وفاة ابنها الكبير سانجي في حادث طائرة.. الابن العزيز الذي كانت تعده لخلافتها في رئاسة الحكومة.. ها هي تفقده في غمضة عين.. كان وقع الخبر عليها كالصاعقة.. ها هي تفقد الزوج والأب والابن.. فما أقسي الحياة!
ونظمت انديرا جنازة مهيبة لابنها سانجي.. جنازة تكلفت الأموال الطائلة وفاقت جنازة المهاتما غاندي نفسه مما عرضها للنقد الشديد.. ها هي تدخل مرحلة الفساد واستغلال المال العام لأغراض شخصية..
واشتدت الاحتجاجات ضدها, خاصة من جانب زعماء السيخ, الذين قاموا بالاعتصامات احتجاجا علي سياساتها مما جعلها تفض هذه الاعتصامات بالقوة, الأمر الذي أثار حفيظتهم وكراهيتهم تجاهها ومع ذلك رفضت انديرا تغيير حارسها الشخصي الذي ينتمي الي طائفة السيخ لتقع ضحية رصاصته القاتلة يوم13 أكتبور1984 وليسدل الستار علي حياة امرأة تركت بصمة قوية مؤثرة في وجدان شعبها ووطنها..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.