منذ أيام قليلة, اعتمدت وزارة الثقافة عمل لجنة خاصة من الباحثين مهمتها توثيق أحداث ثورة25 يناير وحفظها بدار الوثائق القومية كي يتمكن المؤرخون من تحليل هذه المرحلة الهامة. التي شهدتها مصر. في الحوار التالي يتحدث الدكتور خالد فهمي رئيس لجنة التوثيق وأستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية عن أهم مراحل عمل اللجنة وعن موقفهم من وثائق أمن الدولة المتداولة علي الإنترنت, كما يتحدث عن خطورة تداول الملفات الأمنية بين المواطنين وعن ضرورة خلق حوار مجتمعي وتطبيق العدالة الانتقالية للخروج من المرحلة العصيبة التي تمر بها مصر. كيف تم اختياركم لرئاسة اللجنة ؟ علي مدي السنوات العشرين الماضية كانت لي مساهمات كثيرة في مشروعات دار الوثائق القومية كما اشتركت معهم بشكل تطوعي في مشروع التحول الرقمي, وفهرسة مقتنيات الدار, ومنذ شهر تقريبا كلفني الدكتور محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق بتشكيل لجنة لتوثيق ثورة25 يناير ونظرا للتغيرات المتلاحقة لوزراء الثقافة فقد تم اعتماد اللجنة منذ أيام قليلة من قبل وزير الثقافة د. عماد أبو غازي. ما هي الفترة الزمنية التي ستقومون بتوثيقها ؟ وكم من الوقت سيستغرق هذا العمل؟ حتي الآن النقاش دائر بين أعضاء اللجنة بين أن يكون العمل علي الفترة من25 يناير حتي يوم11 فبراير يوم تخلي الرئيس عن منصبه. ومن الممكن أثناء العمل أن ندرج أياما أخري قبل أو بعد هذه الفترة. أما الوقت الذي سنستغرقه فمن السابق لأوانه تحديد ذلك. من هم أعضاء اللجنة ؟ اللجنة تضم في عضويتها الدكتور عبد الواحد النبوي مدير دار الوثائق, ود. شريف يونس أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان ود. نيفين مسعد ود. إيمان فرج وهما أستاذا علوم سياسية بجامعة القاهرة وخبير المعلوماتية أحمد غربية ومن المتوقع أن يتم الاستعانة بعدد من الأساتذة والخبراء خلال مشروع التوثيق حيث تم الاتفاق علي عدة مهام منها جمع الشهادات الشفهية من الأفراد الذين شاركوا في الثورة ولهذا الغرض سيتم إطلاق مركز التاريخ الشفهي, والذي سيديره الدكتورة هانية شلقامي أستاذة الأنثروبولوجيا في مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة كما سنشكل فرق عمل مختلفة بالتعاون مع الباحثين بدار الوثائق لأرشفة كل ما يرتبط بالثورة. ما هي نوعية الوثائق التي ستقومون بجمعها؟ هناك أنواع مختلفة من الوثائق فبالنسبة للمواد الإعلامية من صحف أو مواد متداولة علي الشبكات الاجتماعية سنقوم بجمع كل ما نشر في الصحافة المحلية والعالمية أثناء الثورة وكل المواد الرقمية التي تم إنتاجها مثل الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية, إضافة الي أرشفة المواقع الإلكترونية والمدونات التي لعبت دورا في الثورة والتي قد تحذف مع مرور الوقت. كما سنقوم بمخاطبة الجمعيات الأهلية التي رصدت أحداث الثورة من انتهاكات لحقوق الإنسان أو إصابات وسنجمع منهم مسودات التقارير التي تم نشرها. سبق وأن أعلنت عدة جهات مثل الجامعة الأمريكية ومكتبة الإسكندرية عن تشكيل لجان مشابهه كما قام بعض المدونين بالعمل نفسه علي المواقع الإلكترونية, فما الفرق بين ما يتم من قبل هذه الجهات وماتقومون به؟ كل عمليات التوثيق التي تتم حاليا مهمة للغاية حيث ستسهم في تنوع وغزارة الوثائق وهي مسألة مهمة ومفيدة للباحثين الذين سيدرسون هذه المرحلة التاريخية التي مرت بها مصر وبالطبع نحن حريصون علي التعاون وتبادل الخبرات مع كل هذه الجهات. أما نقطة تميزنا عن باقي الجهات هي أننا لنا الحق في مخاطبة الوزارات لجمع الوثائق والمكاتبات المتداولة في هذه الفترة داخل وزارات مثل الداخلية والإعلام والدفاع وهيئة مباحث أمن الدولة والإذاعة والتليفزيون ونأمل أن تكون هناك استجابة من الوزارات المختلفة خاصة أننا نعمل تحت مظلة دار الوثائق القومية وهدفنا توفير الوثائق للمؤرخين والباحثين الذين سيعملون في المستقبل علي كتابة تاريخ ثورة25 يناير. هل ستتاح هذه الوثائق للجمهور والباحثين للاطلاع عليها بعد أرشفتها ؟ طبقا لقانون تنظيم نشر الوثائق الرسمية فإنه لا يتم السماح بالاطلاع علي مثل هذه المكاتبات إلا بعد مرور30 عاما أما الوثائق التي سنسمح بطرحها في الوقت الراهن فهي كل المواد المتاحة من قبل مثل الصحف والمواد الإعلامية. وبشكل عام فإنه يمكن مراجعة هذا القانون ومناقشته عند انعقاد مجلس الشعب الجديد. وفي حقيقة الأمر فإنه رغم وجود هذا القانون إلا أنه غير مفعل وعن تجربة لي كباحث أحب أن أوضح أننا في دار الوثائق لانملك كل الوثائق الحكومية المتعلقة مثلا بحرب1967, والتي من المفترض أن يتم الإفراج عنها إلا أنه في واقع الأمر فإن معظم الوزارات ومنها وزارة الدفاع لم تسلم المكاتبات التي تملكها عن هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر وكل ما هو متوافر في دار الوثائق هو خطب الرئيس عبد الناصر وبعض النشرات الإعلامية الأمر الذي يعجز الباحثين عن الإلمام بالسياق العام للأحداث وتحليلها من منظور علمي. لذلك أتمني أن يتم إدراج دار الوثائق تحت الإشراف المباشر لمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية بما يمكنها من تلقي وحفظ كافة الوثائق من الجهات الرسمية للدولة. علي مدي الأسابيع الماضية, حدثت تسريبات لتقارير وملفات لأمن الدولة علي المواقع الإلكترونية كما ظهرت بعض الوثائق المفبركة فهل ستدرجون هذه الوثائق في عملكم؟ هذا الأمر من المشاكل التي من المتوقع أن يختلف عليها أعضاء اللجنة, وبشكل شخصي يمكنني القول إنه طالما لم نحصل من وزارة الداخلية علي هذه الوثائق فلن ندرجها في عملنا وأحب أن أوضح أن ما نقوم به ليس تأريخا للمرحلة كما أننا لسنا لجنة تقصي حقائق ولا نقدم الرواية الرسمية للثورة وإنما دورنا هو جمع وأرشفة الوثائق والبيانات طبقا لمعايير علمية بما يتيح للمؤرخين من بعدنا أن يكتبوا ماذا حدث في مصر خلال شهر يناير2011 وهم بالتأكيد سيكونون أكثر حظا ممن سبقونا نظرا لتنوع وكثرة الوثائق سواء المكاتبات الحكومية أو شهادات المواطنين والمدونين وحتي الصور الحية وتسجيلات الفيديو. ولكن أليست هذه الوثائق المسربة متداولة بالفعل بين الناس, فلم لا تدرجونها ضمن الوثائق الأخري؟ هذه الوثائق رغم أهميتها تمثل مشكلة للباحثين فهي جزء من كل وهذه الحالة مشابهة لما واجهناه مع تسريبات موقع ويكيليكس فحين تتناول هذه الوثائق بالدراسة لا نملك إلا بعض المكاتبات غير المتسلسلة طبقا للسياق التاريخي ولا تتوافر لدينا المكاتبات قبل أو بعد هذا الحدث وبالتالي يكون من الصعب الحصول علي تحليل علمي سليم للأحداث. هل هناك أي جهات رقابية أو أمنية تشرف علي عملكم؟ لا نحن نعمل بحرية وبقدر عال من الشفافية ولا نهدف إلي أن تكون دار الكتب والوثائق القومية مستودعا لهذه الوثائق المهمة, فهذا هو المكان المناسب للاحتفاظ بها. في جميع الأحوال فإن الوثائق متداولة بالفعل بين الناس وسواء كانت حقيقية أو مفبركة فلقد أوجدت حالة من الغضب العام لايمكن تجاهلها ؟ دعني أطرح عليك أسئلة أخري أشمل وأعم: هل من الضروري أن تطرح الوثائق لكل للناس؟ وأن يعرفوا من كان يتجسس علي الآخر؟ إن كل هذه الأسئلة من المهم أن تكون محور اهتمام ونقاش مجتمعي إذا أردنا التفكير في مستقبل مصر. ويمكن الاستشهاد بتجارب الثورات والتحولات التي عاشتها شعوب أخري فمثلا في جنوب إفريقيا بعد تولي نيلسون مانديلا الحكم ونهاية عصر التفرقة العنصرية حرص مانديلا وعدد من الشخصيات العامة مثل القس توتو علي خلق حوار مجتمعي وتكوين جماعات ضغط لنشر ثقافة التسامح من قبل المواطنين تجاه الأقلية البيضاء لأن الاستمرار في المحاكمات كان سيؤدي الي هجرة الأقليات من جنوب إفريقيا في حين أن مانديلا كان يهدف الي خلق تجانس مجتمعي بين طوائف الشعب. وبالمثل في ألمانياالشرقية ودول أوروبا الشرقية شهدت هذه البلاد حوارا مجتمعيا بعد ثوراتها للتعامل مع ماحدث في الماضي وهناك فيلم الماني شهير حصل علي جائز الأوسكار منذ سنوات اسمهthelivesofothers تناول المشكلات المجتمعية في المانياالشرقية بعد تسريب الملفات الأمنية بين المواطنين. وخلاصة القول نحن في حاجة لحوار مجتمعي لمعرفة ماذا نريد أن نفعل بمصر؟ وهل سنكتفي بالملاحقات القضائية والجنائية للقيادات السابقة أم سيكون هناك أمور أخري؟ وفي هذا السياق فهناك مفهوم متداول حاليا يعرف باسم العدالة الانتقالية وهو مصطلح ظهر في ثمانينات القرن الماضي وهو بمثابة مواءمة للعدالة علي النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات عقب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان; وفي بعض الأحيان, تحدث هذه التحولات علي حين غرة, وفي أحيان أخري قد تجري علي مدي عقود طويلة, وفي مصر حاليا هناك عدة جمعيات معنية بهذا الأمر.