الأصل في وظيفة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية والرقابية علي اختلافها هو حماية أمن الوطن, وتنبيه متخذي القرار إلي أي مخاطر يمكن ان تهدد الأمن القومي المصري بمعناه الشامل الذي يعني حمايته من الأخطار الخارجية والداخلية. بالتالي فإن السنوات الماضية شهدت تضخما في أعداد العاملين بالقطاعين, وتزايدت بصورة ملحوظة مهام جهاز أمن الدولة بالتحديد لتشمل كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية, وأصبح المرجع الرئيسي لتولي الوظائف في كافة الوزارات,وحدث تداخل بين قيادات الجهاز وقيادات الحزب الوطني, وثم توظيف الجهاز لتحقيق مصالح حزبية, كما تزايدت في نفس الوقت أعداد العاملين في قطاع الأمن المركزي, ولم تعد وظيفته قاصرة علي مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة, ولكن دخل هو وجهاز أمن الدولة, حسب سياسات وزراء الداخلية المتعاقبين في قضايا كان في غني عنها, فأصبح منوطا بهما مواجهة الإضرابات العمالية, ومواجهة جماعات سياسية أرادت التعبير عن مواقف معارضة للنظام. كما تم تكليفه بالسيطرة علي توجهات وسياسات القطاعات الإعلامية ومهام رقابية اقتصادية ورطت بعض عناصره في قضايا لم تكن من اختصاصها. وهو ما أحدث الفجوة بين تلك الأجهزة المنوط بها تحقيق الأمن والاستقرار وقطاعات شعبية كبيرة. وفي تقديري انه من الضروري التأكيد علي حاجة الوطن الضرورية لكلا القطاعين,وانه لا يمكن الاستغناء عن جهاز أمن الدولة علي شرط أن يتم تحقيق ما يلي: أن تتم إعادة هيكلة الجهاز بمعني إلغاء الإدارات التي كانت تختص بمتابعة القوي السياسية المعارضة للنظام, فقد سقط النظام, وهناك نظام جديد يتم بناؤه علي أسس الحرية وحق كافة القوي السياسية في ممارسة العمل السياسي والسعي بطرق مشروعة لتصدر العمل السياسي,حيث لم تعد الكثير من الأنشطة السياسية والاقتصادية أو الإعلامية, وكذلك القوي السياسية و الدينية التي لا تمارس العنف المسلح هدفا للمتابعة أو المراقبة, فقد أصبحت تلك القوي بعد الثورة جزءا من النظام السياسي و ستصبح عبر صناديق الانتخاب شريكة في صنع القرار. قصر مهام الجهاز علي الوظائف والمهام الضرورية لحماية الأمن القومي المصري وهو قادر علي تحقيق ذلك, ولديه الكوادر الوطنية القادرة علي تحقيق ذلك خاصة في مجالات مواجهة الأنشطة الإرهابية والاختراقات الخارجية والجريمة المنظمة, ومتابعة الأنشطة الأجنبية للأفراد والمنظمات وعمليات التجسس الاقتصادي والعلمي وغسيل الأموال وغيرها. هذه الهيكلة تعني ضرورة الاستغناء عن القيادات العليا التي رأست تلك الإدارات, ومارست تلك الوظائف و المهام وإعادة الثقة الي الكوادر التالية لها, والتركيز علي حرفية ومهنية العمل الأمني في المهام الحقيقية للجهاز ولعل انه من الضروري الاستفادة من الخبرات المتراكمة لعناصر الجهاز في قطاعات أخري في وزارة الداخلية تتناسب مع أقدمياتهم ولا تسلبهم حقوقهم, كما أن ذلك يعني ضرورة دمج الفروع المنتشرة في المحافظات وهو ما يخفض في النهاية النفقات الإجمالية لها. النظر في تولي قيادة من خارج جهاز امن الدولة رئاسة الجهاز في المرحلة الانتقالية ولتكن إحدي القيادات العسكرية العليا وهو عرف متبع فيمن يتولي رئاسة المخابرات العامة حيث لا يتولي رئاستها أي من القيادات العاملة فيها,وان يتم ترشيحه من القيادة العامة للقوات المسلحة ويصدق عليه رئيس الجمهورية و مجلس الشعب بعد جلسة استماع يحدد خلالها السياسة العليا للجهاز و أدواته للعمل,وليكون هناك اتفاق جماعي بهذا الخصوص. وأن تكون مدة رئيس الجهاز ونوابه و معاونيه الكبار مرتبطة بمدة رئيس الجمهورية, وتنتهي بانتهاء مدته لإفساح المجال لتداول المناصب القيادية. - وضع قانون خاص ولوائح تنظم عمل الجهاز كما هو متبع في المخابرات العامة وتنشر في الجريدة الرسمية ويجري حولها نقاش عام ويتم خلالها تجريم أيه تجاوزات بخصوص حقوق الإنسان, ويلتزم خلالها الجهاز كذلك بالرد علي تقارير منظمات المجتمع المدني الخاصة بحدوث تجاوزات من أفراده,و ان تعقد جلسات استماع في مجلس الشعب بهذا الخصوص. وهكذا يعود جهاز أمن الدولة قويا,يحمي الامن القومي المصري ويواجه المخاطر و ينبه للتهديدات التي يتعرض لها الوطن,ونحافظ علي عناصره الشرفاء وليشاركوا جميعا في بناء النظام السياسي الجديد,فليس من مصلحة مصر ان يتم استئصال اي فئة ولكن المطلوب هو تقويم الاداء وترشيده. وفيما يتعلق بقطاع الأمن المركزي, وهو القطاع الذي تضخم بصورة كبيرة والذي خذل النظام والداخلية عندما احتاجته ثلاث مرات في تاريخه سواء في ثورة الخبز عام1977 أو عندما هدد هو الأمن العام عام1986 وكذلك عندما اصطدم بثورة25 يناير وهو ما أكد انه يتولي مهاما تتجاوز قدراته, ولا يجب أن يكون مسئولا عنها,ويجب أن يكون حاميا للوطن والمواطنين,طبقا للدستور والقانون, وليس حاميا لرئيس الجمهورية. في ظل المتغيرات التي أعقبت الثورة المصرية وطبيعة النظام السياسي الجديد فقد يكون من المفيد النظر في وقف تجنيد الأفراد الذين يتم إلحاقهم بالأمن المركزي, ويتم إلحاقهم بالأقسام والمراكز ليزداد أعداد الأفراد العاملين في الأمن العام بقطاعاته المختلفة, وهو ما سيخفض أعداد قطاع الأمن المركزي ارتباطا بتغير مهامه ووظائفه في النظام السياسي الذي يتم بناؤه في الفترة الحالية. وأن يكتفي بمجموعات مدربة وذات كفاءة عالية وبالأعداد التي يرجحها الكوادر الأمنية ذات الخبرة كقوات تدخل سريع لمواجهة الظروف الأمنية الطارئة, ودعم المهام الجديدة لجهاز أمن الدولة, ومواجهة الأخطار والتهديدات. بصفة عامة فإن تحقيق ذلك يتطلب بداية عقد اجتماعي جديد بين الشعب و الشرطة, تقدم الشرطة نفسها كجهاز حام للاستقرار والأمن ولتحقيق ذلك فإن وزارة الداخلية مطالبة بتقديم مبادرات, ولعل فكرة تعيين ضابط علاقات عامة مؤهل في كل قسم أو مركز شرطة يصبح أمرا حيويا, كما أن وضع كاميرات مراقبة تراقب العمل داخل وحدات الشرطة علي اختلافها سوف تضمن احترام كافة الأطراف للقانون و النظام, مع ضرورة تقديم مبادرات شعبية مماثلة تدعو إليها منظمات المجتمع لمساندة الشرطة واستعادة هيبتها التي هي من هيبة الدولة, كما انه قد يساهم في تحقيق ذلك السماح لممثلي بعض منظمات المجتمع المدني المصرية بزيارات لوحدات وزارة الداخلية في فترة لاحقة ليس من خلال منظور رقابي, ولكن علي قاعدة أننا جميعا شركاء في هذا الوطن. نائب رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط