حل جهاز أمن الدولة بات على قمة المطالب التي يرفعها ثوار التحرير، سواء الموجودون منهم في التحرير أو المشتركون في جروبات على الفيسبوك ، وحجتهم في هذا أن للجهاز ممارسات في التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان ما لا يتصوره أو يحتمله عقل إنسان وأن الجهاز فقد بوصلة مهمته الأصلية في حماية أمن الدولة إلى حماية أمن النظام، وأضاف البعض لتلك الأسباب أن مصر ليست بحاجة لذلك الجهاز لأن لديها أجهزة أمنية أخرى. لمحة تاريخية لكن.. بداية نلقي الضوء خاطفا على تاريخ جهاز أمن الدولة الذي ظهر عام 1913 في ظل الاحتلال الانجليزي لمصر حين تم إنشاء جهاز للأمن السياسي، لتتبع الوطنيين والقضاء على مقاومتهم للاحتلال، سمي "قسم المخصوص"، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط. وقد استعان الانجليز في إنشائه ببعض ضباط البوليس المصري، وتولى ادارته لأول مرة اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة، الذي كان مقرباً من المحتل. وبعد توقيع معاهدة 1936 تشكلت إدارتان للقلم السياسي، واحدة للقاهرة والأخرى للاسكندرية، بالاضافة إلى "قسم مخصوص" يتبع السراي مباشرة، ويرأسه قائد البوليس الملكي، ولم يكن لوزارة الداخلية أية ولاية على هذا القسم، حيث كان قائده يتلقى أوامره مباشرة من الملك. وعلى الرغم من التغيرات الجذرية العميقة التي قامت بها ثورة 23 يوليو في شتى مناحي الحياة المصرية، إلا أنه، وهو الأمر المذهل، ظل كثيراً من آليات عمل القلم المخصوص مستمرة، واعتنقها الجهاز النظير الذي أقامته حكومة الثورة في أغسطس 1952 تحت اسم "المباحث العامة"، ثم أعاد أنور السادات بعد انفراده بالحكم تسميته "بمباحث أمن الدولة"، ثم تغيرت لافتته إلى "قطاع مباحث أمن الدولة"، وأخيراً سمى "جهاز أمن الدولة". ظلت وظيفة ومهام رجل أمن الدولة من دون تغيير يذكر في كل العصور واستمرت آليات عمله من دون تغيير يذكر، اللهم إلا إضافة المزيد من الصلاحيات والسلطات والتغول على كل مؤسسات الدولة، انتقاصاً من حقوق المواطنين وانتهاكاً لحرياتهم الأساسية. وفي كل مرة كان يجرى تغيير اسم جهاز القمع السياسي لمحاولة غسل سمعته السيئة، غير أنه في كل مرة ظل وارثاً أميناً لفظائع وجرائم سلفه، حيث تنتقل إليه ملفات سلفه المتعلقة بالمعارضين وتصنيفاتهم، ليعتنق الكثير مما حوته هذه الملفات من آراء وتقارير وتقييمات ويسير على هديها وبالأحرى ضلالها. والمقطوع به في الممارسة العملية أن كافة أجهزة وقطاعات الشرطة تخضع لهيمنة أمن الدولة، وتقوم على خدمة سياساته وتوجهاته. وصار تقليداً معتمداً في الدولة المصرية أن قيادات أمن الدولة عندما تنهي عملها اللاإنسانى بجهاز أمن الدولة تنتقل لتولى مناصب سياسية مهمة كوزراء ومحافظين ورؤساء هيئات ومصالح حكومية. فقد تولى وزارة الداخلية من أبناء جهاز أمن الدولة اللواء عبد العظيم فهمى، وممدوح سالم (وزيراً للداخلية ثم رئيسا للوزراء) وسيد فهمي، وحسن أبوباشا، وأحمد رشدي، وحبيب العادلي. ورغم أن الجهاز تأسس بهدف حماية الأمن المصري، ومحاربة الإرهاب والتطرف وكل ما يهدد الأمن المصري. لكنه تحول إلى جهاز قمعي لحماية النظام الديكتاتوري، وعمله الأساسي هو إضعاف المعارضة السياسية بكل أشكالها، وحماية النظام السياسي القائم. كما أنه يمتلك الكثير من الصلاحيات، ويعتبر الضباط العاملون به - في نظام حسني مبارك البائد - كانوا فوق القانون فلا سلطان للقضاء أو النيابة العامة عليهم. كما أن العاملين في جهاز مباحث أمن الدولة يرشح بعضهم للمناصب الأمنية في مصر كرئاسة وزارة الداخلية بالإضافة إلى أن ضباط مباحث أمن الدولة يتمتعون بمميزات مادية ومعنوية عن غيرهم من ضباط الشرطة، هذا بالإضافة إلى استغلال معظم الذين كانوا يعملون بهذا الجهاز القذر السيئ السمعة لنفوذهم وسطوتهم في القيام بشتى أنواع الفساد من تجارة في المخدرات، والأسلحة ، وهم أكبر مافيا للأراضي. التعذيب المنهجي معلوم للعامة والخاصة أن التعذيب هو أمر منهجي في هذا الجهاز القمعي، وكل مكاتب أمن الدولة بها أماكن وأدوات للتعذيب ولا تخضع لأي تفتيش أو رقابة، وربما يصل التعذيب إلى حد القتل - كما حصل مع سيد بلال ، وخالد سعيد والمئات من معتقلي هذا الجهاز، وقد ذكر المئات من المعتقلين السابقين من قبل جهاز أمن الدولة حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من إهانات وضرب، واعتداءات جنسية وصعق بالكهرباء وإطفاء السجائر في جميع أنحاء الجسد وخصوصا المناطق الحساسة، الضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها. أكدت هذه الأخبار أن التعذيب يستخدم بشكل أساسي وعلى نطاق واسع كل المعتقلين الخارجين من السجون ومن تحقيقات أمن الدولة مما يجعل من الصعب تكذيبها نظرا للسمعة السيئة التي يتمتع بها الجهاز في مصر وباقي أجهزة الشرطة المصرية المشهورة بتعذيب وإهانة المواطنين. هل يمكن حل جهاز أمن الدولة؟ والآن وبعد نجاح ثورة 25 يناير يرى غالبية النشطاء السياسيين بأن اكتمال الثورة مرهون في جانب كبير منه، في التخلص من جهاز أمن الدولة، ومحاكمة كل من تورط في تعذيب وقتل رجال وشباب وطننا الحبيب مصر، فيما يرى بعض الخبراء الأمنيين وقيادات جهاز أمن الدولة السابقين الذين قضوا كل خدمتهم الوظيفية داخل الجهاز ومشهود لهم بالكفاءة العالية والخبرات الكبيرة ضرورة الابقاء عليه لاهميته في نواح أمنية قومية عدة لكن مع إعادة هيكلته ووضع نظام رقابي قضائي على نشاطاته، وذلك بحجة أن أي نظام في العالم سواء كان ديكتاتوريا أو ديمقراطيا لابد له وقبل اتخاذ أي قرار أن يطلع على رؤية ومعلومات كافية وتكون هذه المعلومات مصدرها جهاز مباحث أمن الدولة الموجود في جميع دول العالم بأسماء مختلفة. ويبقى السؤال قائما: هل يمكن حل جهاز أمن الدولة؟