ما أجمل الكتابة في الأزمنة الثورية.. ما أمتع مشاهدة كيف تتشكل الكلمات علي الصفحة البيضاء, في توقيت تشكل وطني جديد. ياله من مأزق, فالأزمنة الثورية تحتاج إلي كلمة, ثورية مثلها. والوطن الجديد, في أشد الاحتياج, إلي إبداع, ثوري, يؤيده.. يحميه.. يعبر عن ملامحه في تغيرها.. يتحرك معه.. يلهمه المزيد من الثورية المبدعة.. ويتناغم مع ثورية الأمنيات, وتمرد المصير. لقد أطلق سراح الوطن, بفضل الكلمات التي لم تتراجع عن طبيعتها الثائرة.. والإبداعات التي قاومت الانهزام, والكبت, والروايات, والقصائد, المعجونة بالتمرد, المشحونة بعشق الحرية, وتجاوزها السقف المرضي عنه.. وكسرها للحدود, الموضوعة لقمع التعبير.. وعدم المساس بما تسميه الأنظمة المتسلطة الثوابت. لقد تحرر الوطن, بفضل الشابات, والشباب, والنساء, والرجال, من جميع الشرائح, والفئات, والطبقات, والمهن.. وجزء لا بأس بهم, كانوا قد تشبعوا بالإبداعات الثورية, والكلمات الثورية.. والكتب الثورية, والروايات الثورية.. والقصائد الثورية.. والأفلام الثورية.. والمسرحيات الثورية.. والقيم الثورية, والأغنيات الثورية, التي تقفز كل الحواجز.. وتعبر جميع الخطوط الحمراء.. وتضرب الثوابت الموروثة في مقتل. بالطبع, أنا أعلم, أن الإبداعات الثورية, هي دائما, قليلة, بالنسبة إلي الإبداعات الرسمية, المختوم عليها بموافقة بوليس الإبداع, المرضي عنها, من مباحث فن الدولة. كم غرقنا لسنوات طويلة في الإبداع الذي يرسخ قيم التفرقة.. ويشيد بالثوابت غير قابلة للجدل.. ويمدح في أركان النظام.. ويشتم القيم الداعية للتفكير, والتساؤل, والتمرد, والغضب. كم سئمنا, الفن الذي يتم إنتاجه, ليؤكد الاستقرار كما هو عليه.. ورسالته الأساسية, هي ليس في الإمكان أبدع مما كان, ومما هو موجود. انعتق الوطن الطامح للطيران, بفضل تكنولوجيا جديدة, عصرية, سريعة, للتواصل, والنقاش, والتآلف, والتناغم, من أجل الثورة الشاملة.. والوطن الجديد. الآلاف من الشابات, والشباب, من النساء, والرجال, الذين بادروا بالتظاهر, والاحتشاد, والاحتجاج, والاعتصام, والصمود, ثم انضم إليهم الملايين بعد أيام قليلة استطاعوا توظيف الإنترنت, والفيس بوك, والمدونات, والتويتر, واليوتيوب وغيرها, لخدمة الثورة.. وليس من أجل, الدخول إلي مواقع جنسية إباحية.. أو من أجل عمل علاقات لتصريف الكبت المشبع بالموروثات المتعفنة.. وليس من أجل التهديد, أو الابتزاز, أو تبادل الفضائح, أو الاتفاق علي صفقة إرهابية. الشباب في العالم كله, يستخدمون التكنولوجيا العصرية, للترفيه, وتضييع الوقت, وقتل الفراغ.. وهزيمة الملل.. وتمثيل دور قيادي وهمي, والعيش في بطولة إلكترونية زائفة. لكن في مصر, التكنولوجيا نفسها, تم تثويرها.. تم إخضاعها بإبداع مصري خالص, لكي تكون خادمة لاحتياجات ثورة, دخلت التاريخ من أنبل وأوسع أبوابه. لم يكن قتل الملل, أو قتل الوقت, أو هزيمة الفراغ, هي مطالب ثائرات, وثوار52 يناير1102, ولكن قتل القمع الفكري.. وقتل القمع الأمني.. وهزيمة القهر, كانت هي الدينامو المحرك. علي شاشة إحدي القنوات الفضائية, سمعت وشاهدت شابة تقول: دلوقتي بس أقدر أقول إن البلد دي هي بلدي. وشاب بحماسة نبيلة قال: خلاص عرفنا فين سكة الحرية, ومش هنتراجع. شعارات, وهتافات الثورة, كانت تحتاج إلي شعارات من نوع جديد.. وكتابات, وهتافات تلقائية عفوية, تكتب طازجة.. وبإبداع, وليد اللحظة الثورية, المتغيرة, المتجددة كل يوم.. بل كل ساعة. شاهدنا أمثلة منها: اللي بيحب مصر.. ميخربش مصر... دم الشهداء.. مش هيروح هدر... مصر خلاص بقت بتاعتنا... الجيش والشعب إيد واحدة... مسلم.. مسيحي.. كلنا مصريين... نستحمل كمان شوية عشان مستقبل عيالنا... المارد خلاص خرج من القمقم... ياللا نبني مصر... تأتيني هذه الكلمات المبدعة, والهتافات الثورية, الخارجة ساخنة من فرن الثورة, فأدرك جيدا, أن ثورة مصر المكتسحة كل التكهنات, والتنبؤات, والموروثات, والحواجز المصطعنة لتفريق وحدتها, سوف تتعدي الحدود, وتصبح إلهاما, لشعوب المنطقة.. ونموذجا للعالم.. وعبرة لكل نظام, يتجسد علي شكل مطرقة حديدية, لا تعرف إلا أن تضرب.. وتعذب.. وتعتقل, وتقطع, وتقمع.. وتدهس.. وتصعق.. وتقتل.. وتشوه, وتختطف, ورد الحرية.. وأزهار العدالة.